آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

بوتين... الحقيقة والخيال

اليمن اليوم-

بوتين الحقيقة والخيال

بقلم - أمير طاهري

مع الاستعداد لعقد مؤتمر دولي آخر عن سوريا، فإن روسيا والمدافعين عنها في الغرب يحاولون تغيير قصة الشعب الذي مزقته الحرب. وللقصة التي يقترحونها أربعة أفكار رئيسية، الأولى هو أن الحرب التي بدأت منذ سبع سنوات قد انتهت بهزيمة «الإرهابيين» المرتبطين بـ«القاعدة» وتنظيم «داعش» الإرهابي. 

الفكرة الثانية هي أننا نشهد تحقيق انتصار كاسح لروسيا التي يجب أن ننظر لها باعتبارها الحكم الذي بيده تحديد مصير سوريا. والفكرة الثالثة هي أن بشار الأسد، الذي لا يزال الرئيس الاسمي للبلاد، يجب أن ينظر له باعتباره المتحدث باسمها. والفكرة الرابعة هي أنه يتعين على المجتمع الدولي أن يبحث مليا في جيوبه عن المال اللازم لتمويل مشروع طموح لإعادة إعمار بلاد دُمرت 70 في المائة من بنيتها التحتية. 

مشكلة هذه القصة كما روجت لها موسكو هي أن أفكارها لا تتناسب مع بعضها البعض. لكن دعونا نبدأ بالزعم بأن الحرب قد انتهت.

لو أن هذه هي الحكاية، كيف تعمل روسيا على تعزيز وجودها العسكري في الأراضي السورية إذاً؟ هذا بالإضافة إلى أن التعزيزات العسكرية التركية زادت وتيرتها في الأسابيع الأخيرة.

وبالنسبة للولايات المتحدة، وهي القوة العظمى الأخرى ذات الوجود العسكري في سوريا، فقد أصدر الرئيس دونالد ترمب قراراً يقضي ببقاء القوات الأميركية هناك إلى أن تنسحب إيران وحلفاؤها المرتزقة بالكامل من هناك. لكن من جانبها، ورغم أنها لم تعد تعمل على تعزيز وجودها العسكري في سوريا، لم تشرع إيران في الانسحاب أيضا.

لكنها في الحقيقة تبني مرافق جديدة وشبكات لوجستية تبدو وكأنها تنوي البقاء هناك لفترة طويلة، وإن كان في موقع بعيد عن المناطق السورية المزدحمة. 

وفيما يخص ما يفترض أنه هزيمة «الإرهابيين»، فصحيح أنهم لم يعودوا يقومون بعمليات كبرى ضد قوات الأسد وسادتها الروس والإيرانيين. لكن هناك مؤشرات على أن الأفعى التي يقال إن فلاديمير بوتين قد قتلها لم تمت ولم تدفن بعد.

وفي إدلب التي جرى بشأنها اتفاق بين روسيا وتركيا لإيقاف عملية تطهير عرقي، لا يزال هناك نحو 80 إلف إرهابي موجودين ومستعدين للعمل. وفي العديد من المناطق الأخرى، أهمها درعا ومحور حمص حماة، فقد قرر نفس «الإرهابيين» الاندماج مع السكان المحليين، أو لنقل مع أهلهم، والاختباء للتفكير في الخيارات المتاحة أمامهم. 

إن القتال الفعلي على الأرض ليس أكثر من جانب واحد من الحرب، وهي الحقيقة المعقدة متنوعة المقادير السياسية والثقافية والدينية والاقتصادية. في الحقيقة، الحرب لا تنتهي بإعلان طرف واحد للانتصار، لكنها تنتهي عندما يعلن أحد الأطراف الهزيمة ويتبني وضع قائم جديد. 

لكن اليوم لا ينطبق هذا الحال على سوريا التي لا تزال تعيش حرباً بين عدد كبير من أبنائها، دعونا لا نقول الأغلبية، وبين الأقلية من الصفوة التي تهيمن على بعض مفاصل البلاد بدعم من روسيا وإيران.

بعد ذلك يأتي الزعم بأن روسيا يجب أن تكون لها الكلمة الأخيرة في سوريا بفضل «الانتصار» الذي حققته. لو أن تلك هي الحقيقة، ما الحاجة إلى مؤتمر دولي إذاً؟ ألا يجب أن يعامل بوتين سوريا على أنها نسخة أخرى من الشيشان ويقرر من يحكم في دمشق، كما فعل عندما اختار الحاكم في غروزني؟ 

ربما يجادل الانتهازيون المخضرمون في الوقت الحالي بأنه من الأفضل ترك سوريا بالكامل لبوتين باعتبارها هدية مسمومة. فالزعم بأن الأسد لا يزال صالحاً يتناقض مع الزعم بأن روسيا يجب أن تكون لها الكلمة الأخيرة. والزعم بأن الأسد يرأس أي حكومة كانت في أي مكان في سوريا، ربما خارج دمشق، ليس سوى رواية خيالية. فالمشكلة هي أن سوريا قد تحولت إلى منطقة غير محكومة مثلما الحال في الصومال وفي مناطق واسعة في الكونغو الديمقراطية. والتحدي يكمن في مساعدة سوريا في تشكيل حكومة جديدة وألا تتعلق بشبح الحكومة الميتة. 

أي شخص ذي فهم معقول لوضع سوريا اليوم يدرك أن شخص بشار الأسد في حد ذاته يمثل عائقاً أمام إحياء دولة وشعب في تلك الأرض البائسة. وحتى في تلك المساحة المنكمشة التي لا يزال الأسد يتحكم بها، فهناك قوات أدركت أنه لم يعد من الممكن تمديد فترة حكمه. لن نفاجأ لو أن بعضا من تلك القوات انقلب على الأسد وقدم رأسه ثمناً لضمان كلمه في تشكيل مستقبل دمشق. إن الفكرة الأخيرة للقصة الروسية فيما يخص مرحلة إعادة البناء تعد مشكلة في حد ذاتها؛ إذ كيف يمكن لأي برنامج أن يبدأ من دون اتخاذ قرار بتسمية قائد البلاد ووفق أي شروط. وحتى في ظل مشاركة إيران، فروسيا لا تملك الموارد الاقتصادية ولا الوسائل التكنولوجية الضرورية لإعادة بناء سوريا الجديدة على أنقاض الدولة القديمة. 

وحتى حال توفرت الموارد الضرورية بطريقة أو بأخرى، فإن قوات رجال الأمن المطلوبة لضمان الحد الأدنى من الأمن في البلاد لن تتوفر. فأقلية الأسد لن يكون بإمكانها توفير 500 ألف جندي للسيطرة على سوريا بالكامل وبشكل فعال وقوي يسمح ببدء مشروعات جادة لإعادة التعمير. هل بوتين في موقف يسمح له بنشر مثل هذه القوة الضخمة؟ أشك في ذلك! ففي غياب سلطة قادرة على فرض سلطتها على الأرض، من غير المرجح أن تفكر دول الغرب الكبرى في الاستثمار بصورة كبيرة ووضع أيديها في جيوبها كما يطالب بوتين. 

فالتراجيديا التي دامت أكثر من سبع سنوات حتى الآن لم تحل أزمة سوريا المركزية والتي تتمثل في رفض أغلبية شعبها لشخص بشار الأسد وعصابته المنعزلة. ونتيجة للتدخل الروسي، فقد فشل خصوم الأسد في حل هذه المشكلة بالتخلص منه. وفي نفس الوقت، وحتى مع الدعم الروسي، فقد فشل الأسد في حل المشكلة بجعل نفسه مقبولاً لدى شعبه. 

ولذلك فإن الموضوع الأهم في أي مؤتمر عالمي قادم سيكون عن كيفية الترتيب لخروج الأسد من خلال تقاسم السلطة بين الأقلية التي ينتمي إليها وبين غالبية السوريين. فبوتين الحالم يحتاج إلى العودة إلى لوح الرسم ليبحث عن مشروع يستند إلى حقيقة لا وهم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوتين الحقيقة والخيال بوتين الحقيقة والخيال



GMT 04:34 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

حرائق أوروبا مظهر لمخبر

GMT 16:49 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

رسالة الى حزب الله وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 04:49 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أرض العلم

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... قراءة في تفاصيل الأزمة

GMT 04:40 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

احذروا «يناير 2019»
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 05:53 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

اتجاهات موضة الديكور في غرف الطعام هذا العام

GMT 06:16 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

ضغوط مختلفة تؤثر على معنوياتك أو حماستك

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 22:55 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:05 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 16:11 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برجفي كانون الأول 2019

GMT 15:05 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الخطيب يعلن نيته تحصين الأهلي من سيطرة رجال الأعمال

GMT 13:20 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مليشيا الحوثي تقصف عشوائيا قرى مريس بالضالع

GMT 19:02 2016 الخميس ,17 آذار/ مارس

النني .. مدفعجي أرسنال الجديد

GMT 19:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

اخبار جيدة ورابحة في هذا الشهر
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen