لست سمساًرا من سماسرة المال في «وول ستريت». لكن أتابع بدقة حركة الاقتصاد والمال في العالم لسببين. الأول اعتقادي بأن الكاتب الصحافي لا يستكمل مهمته في خدمة الرأي العام٬ إلا بإلمام عميق بحركة الاقتصاد والتاريخ٬ لكي يستطيع تفسير حركة السياسة.
والسبب الثاني شخصي. فقد خسرت ثلث مرتبي منذ أن انضمت بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي (1999). وأبقت على الحرب الأهلية بين الجنيه الإسترليني واليورو الأوروبي. وحرص بنك إنجلترا المركزي على أن يخسر الجنيه المعركة٬ لكي تستطيع بريطانيا العظمى تصدير ثلثي إنتاجها السلعي والصناعي إلى أسواق الاتحاد الأوروبي٬ بسعر منخفض. ومقبول.
عندما عملت في «الشرق الأوسط»٬ لم أقبل نصيحة الناشر الراحل هشام علي حافظ بالإقامة في لندن. وأغراني بكتابة زاوية قصيرة في الصفحة الأولى. مع الأسف٬ قبلت نصيحة الشاعر للعشاق بأن الحب دائًما للحبيب الأوِل. ألغيت الزاوية وعدت من لندن إلى حبيبتي باريس التي كانت منفاي الأوروبي الأول.
وعندما انفجرت الحرب السورية (٬(2011 اضطررت لتحسين خدمتي المالية لأسرتي من أشقاء وشقيقات بعثرتهم حرب بشار٬ في الدول المجاورة٬ من دون عمل ومورد لهم ولأبنائهم. واختصاًرا للنفقات٬ سرحت السكرتيرة. والخادمة. وأبقيت على القطة التي لا تطالب٬ مشكورة٬ بأجر عن إدارتها المنزلية.
مع انفجار الحرب «السلمية» بين العرب وأميركا أوباما٬ فقد رأيت أن من واجبي كصحافي عربي٬ رفض الحصول على جنسية أجنبية٬ والوقوف في الصف وراء النظام العربي٬ ضد «نصيحة» الرئيس الأميركي للعرب بالتنسيق مع إيران٬ «للهيمنة» على العالم العربي!
هذه البلوى برئيس مثقف قادم من المستعمرة الأميركية هونولولو٬ لا يعرف شيًئا عن اعتزاز العرب بهويتهم القومية. واعتذارهم عن توحيدها٬ منذ حروب الحصانين المشاكسين داحس والغبراء التي سفكت دماء العرب على رمال صحراء هونولولو العربية.
البطة السوداء المقيمة في البيت الأبيض لا تريد العوم في مياه الخليج. لذلك سوف يصوت العرب هناك للمرشحة الرئاسية هيلاري٬ التي يعتقدون أنها قادرة على طرح منافسها دونالد ترامب المعادي للعرب خارج الحبال من الجولة الأولى. فهو منذ أن زوج ابنته ليهودي٬ قِبل وهو البروتستانتي المتعصب باعتناق ابنته اليهودية. وراح يطالب العرب بدفع نفقات 25 ألف جندي أميركي مقيمين على ضفاف الخليج. وبمنع العرب من السباحة لزيارة أميركا.
هددت هيلاري إيران بمحوها نووًيا من الخريطة إذا هاجمت إسرائيل. لكن مشكلة هيلاري سماحها٬ هي أيًضا٬ لابنتها الوحيدة بالزواج من سمسار يهودي يعمل في «وول ستريت». لكن لم تسمح لها باعتناق اليهودية. وعندما رشحت نفسها سيناتورًة عن نيويورك٬ حضرت مع زوجها «بيل» حفل زفاف ترامب من زوجته الثالثة عارضة الأزياء٬ وذلك من باب الدعاية لها لدى «وجهاء» المدينة.
على الرغم من أن رؤساء أميركا تعودوا تغيير جلودهم السياسية بعد فوزهم٬ فالعرب يعتقدون أن هيلاري٬ على الرغم من أنها امرأة٬ فهي أكثر تجربة. واتزاًنا. وحكمة من سائر المرشحين الذكور. وهي أوسع معرفة بسخاء العرب في الاستثمار بالأسواق الأميركية٬ منذ أن ساهمت في كتابة محاضرات زوجها الخليجية المدفوعة الأجر.
في الأزمة المالية التي اجتاحت العالم (٬(2008 امتنع العرب المنتشون بأرباح النفط الضخمة عن توظيف دنانيرهم في الصناديق الدولية. وكان هدف الناصحين لهم٬ من أمثال جورج بوش الابن. وغوردن براون رئيس وزراء بريطانيا الذي خلف آنذاك توني بلير٬ الاستفادة من المال النفطي العربي٬ في تعويم اقتصاد البرتغال. وأوكرانيا. وإسبانيا...!
غير أن هذا الامتناع ما لبث أن تبدد أمام الإغراء بالاستثمار في السوق الأميركية. فبات عرب الخليج الدائن الثالث بعد الصين واليابان٬ لأميركا التي أفلس مصارَفها الضخمة المديرون والساسة اليهود في حي المال بنيويورك (وول ستريت). استثمر العرب٬ أنظمة ورجال مال وأعمال٬ نحو ثلاثة تريليونات دولار (التريليون ألف مليار) في شراء عقاراٍت وسندات الخزانة الأميركية.
بسبب الرقابة الصارمة على الإعلام الحكومي الإلكتروني. والصحافة الورقية٬ لم يعرف 450 مليون عربي تفاصيل وملابسات الاستثمار الأسطوري العربي٬ بما في ذلك الخسائر الباهظة!
كنت كصحافي مع سعودة وخلجنة منصب رئيس التحرير في الصحافة الخليجية. وأنا أدعو القادة الخليجيين إلى لقاءات متواصلة مع رؤساء التحرير. فهم أدرى بالدفاع عن مصالح النظام الخليجي٬ بمنطق مزود بالأرقام والمعلومات٬ بدلا من التحليل الدعائي الساذج. فقد أشعل الصحافيون الغربيون الذين استقبلوا قبل وبعد زيارة أوباما الحرب النفسية ضد المجتمعات الخليجية٬ لهز ثقتها بنفسها. وبنظامها. وبالبرامج الإصلاحية في الاقتصاد.
أين تبددت الخسائر العربية في الأزمة المالية التي قدرها الخبراء وشركات المحاسبة بـ400 مليار دولار٬ من أموال الصناديق السيادية العربية؟ عندما هبت رياح «الغّمة» المالية٬ بادر مديرو المصارف الأميركية الكبرى٬ إلى التقاعد. ومكافأة أنفسهم بما تبقى من أموال المستثمرين الخاسرين. أو من أموال دافعي الضرائب التي ضختها إدارة أوباما في عروق المصارف المفلسة (وقدرت هذه الأموال بـ120 مليار دولار).
حدث ذلك بلا خجل. وبلا إحالة إلى القضاء. لا أريد أن أذكر أسماء. فقد بلغت تعويضات المديرين. والسماسرة. والموظفين٬ في مصرف أميركي ضخم جرى تعويمه نحو 12 مليار دولار. وفي مصرف بريطاني 17 مليار دولار! وكانت الحجة أن هؤلاء المديرين والسماسرة سينتقلون إلى مواقع أخرى منافسة٬ إذا لم يكافأوا على عبقريتهم في اجتذاب المستثمرين.. وابتزازهم.
المحتال اليهودي برنارد مادوف٬ الذي أفلس على 65 مليار دولار كان لديه 16 ألف زبون مستثمر. ومنهم زوجته التي خسرت 65 مليون دولار. سوف يخرج مادوف (78 سنة) من سجنه بعد 150 عاًما نادًما٬ لأنه لم ينشئ مصرًفا. ربما كانت إدارة أوباما مستعدة لإنقاذه٬ كما أنقذت المصارف المفلسة. كانت طريقة مادوف في الغش بسيطة للغاية. مجرد دفع فوائد مرتفعة إلى زبائنه القدامى٬ من أموال زبائنه الجدد. عندما توقف قدوم هؤلاء الزبائن مع انفجار الفقاعة المالية٬ انكشف مادوف. فلم يستطع دفع الفوائد لقدامى الضحايا. وبعضهم من كبار المستثمرين العرب. واليهود٬ وبينهم الكاتب اليهودي إيلي ويزل الذي خسر 12 مليون دولار. نجا ويزل من غرف الغاز في «الهولوكوست». ولم ينُج من ذكاء الحيلة عند مادوف الذي خسر ولديه مارك وأندرو اللذين أقدما على الانتحار.
عندما أرادت الصناديق السيادية العربية الانسحاب من أميركا٬ تحرك الكونغرس والقضاء الأميركي للتهديد والوعيد. صادر القضاء ملياري دولار من حساب إيران٬ لمصلحة أميركيين لحقهم أذى الإرهاب الإيراني. وأحيا الكونغرس الاتهام النائم للسعودية بتمويل مرتكبي تفجير نيويورك. وعد أوباما الخليجيين بـ«فيتو» على محاولات «يهود» الكونغرس. لكن هل بقيت هناك ثقة للعرب بالبطة السوداء ساكنة البيت الأبيض؟
أرسل تعليقك