بقلم/ حازم صاغية
ضربة دونالد ترامب الأخيرة بالطبع لن تنقذ سوريّة ولن تنصر ما تبقّى من ثورتها. هذا وهم. وهي بالطبع، وفي حال توقّفها هنا، لن تحدث تعديلاً نوعيّاً في توازن القوى على الأرض. والضربة بالتأكيد لن تحوّل ترامب من شخص سيّء وقائد رديء إلى شخص محبوب وقائد عظيم. هذا يتطلّب معجزة.
لكنْ تحت هذه العتبة بكثير، أُنجز هدفان جزئيّان قد يجوز النقاش في مدى فائدتهما، إلاّ أنّهما بالتأكيد غير مضرّين.
سوريّاً، ربّما كُرّس القتل الكيماويّ بوصفه الاستثناء المحرّم في عمليّات القتل الأسديّ. الإنجاز بالتأكيد متواضع جدّاً ما دام لا يوقف أشكال القتل الأخرى والكثيرة. إنّه إنجاز لزمن الثورة المضادّة فحسب. إلاّ أنّ له تأثيرات مرجّحة على صعيد الاحتكار السياسيّ – العسكريّ لمثلّث الموت، أي الأسد وروسيا وإيران (و «حزب الله»...): الدخول الأميركيّ إلى الحلبة ليس دليلاً على دور أكبر لـ «قوى الخير»، لكنّه دليل على تزايد الارتباكات والتناقضات في جبهة «قوى الشرّ».
لصّان في بيت واحد، يسرقانه ويروّعان أهله فيما يحارب واحدهما الآخر، خير من لصّ واحد يحتكر سرقة البيت وقتل أفراده غير آبه بأيّ اعتبار. فكيف وأنّ اللصّ هذا أخصّائيّ في خنق الأطفال بالكيماويّ!؟
كونيّاً، تسبّبت ضربة دونالد ترامب في توسيع الفجوة بين واشنطن وموسكو، وفي انفضاض بعض قوى اليمين الشعبويّ الأوروبيّ عن ترامب. يصحّ هذا في مارين لوبن الفرنسيّة وفي نايجل فاراج البريطانيّ وفي «رابطة الشمال» الإيطاليّة وفي سواهم. كلّهم عبّروا عن استيائهم من فعلة ترامب، وعن اعتراضهم عليها. الأمميّة البوتينيّة أصيبت بتصدّع ملحوظ. علامات التلاحم الأطلسيّ عادت إلى الواجهة، بدليل أنّ وزير خارجيّة بريطانيا بوريس جونسون عزف عن زيارة موسكو التي هاجمت بريطانيا. الولايات المتّحدة باتت تتحدّث مجدّداً عن مسؤوليّات كونيّة، وترسل مجموعة بحريّة هجوميّة إلى غرب المحيط الهادئ لتعزيز انتشارها قريباً من كوريا الشماليّة.
الإجماع حول «دور الأسد في مستقبل سوريّة» بدأ يهتزّ. سقوط الإستراتيجيّ الأيديولوجيّ ستيف بانون من ذروة نفوذه في مجلس الأمن القوميّ الأميركيّ قد يعزّز الوجهة هذه.
تواضع النتائج، وربّما تواضع الاحتمالات، ليسا بالضرورة تواضعاً في المعاني: ما إن قصف الأميركيّون المطار العسكريّ السوريّ حتّى تبيّن خواء نظام القوّة الذي أحرز انتصارات الأشهر الأخيرة في سوريّة. إنّه نظام ينبع أبرز أسباب قوّته من الغياب الأميركيّ السابق. الجماعة، في النهاية، لا تحتمل ضربة كفّ. قوّتها الوحيدة أنّ ما من ضارب كفّ في الساحة.
كيف ستبني أميركا ترامب، وماذا ستبني، على هذه الحقيقة؟ وكيف ستتصرّف روسيّا (وإيران) في المقابل؟ وفي هذه الحدود، هل ستوفّر القوى المحلّيّة، بعد الإنهاك الذي تعرّضت له في السنوات الأخيرة، المرتكزات التي تُبنى عليها استراتيجيّات جديدة للمواجهة؟ أسئلة ستقود الإجابة عنها إلى أوضاع يصعب التكهّن بها الآن.
الحساب طبعاً ليس حساب ثورات، ولا حساب مستقبل. لكنّه قد يؤدّي إلى وقف التدهور العظيم عند حدٍّ لا يُقتل فيه الأطفال بغاز السارين «المناهض للإمبرياليّة»!
أرسل تعليقك