آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

في ما خصّ الانتخابات الفرنسيّة

اليمن اليوم-

في ما خصّ الانتخابات الفرنسيّة

بقلم/ حازم صاغية

مشكلة المرشّح الرئاسيّ الفرنسيّ إيمانويل ماكرون كمشكلة هيلاري كلينتون، وجزئيّاً باراك أوباما، من قبل: إنّها الجمع بين التقدّميّة في الجانب الاجتماعيّ والثقافيّ، أي في مسائل العنصريّة والنسويّة والجنسويّة، والمحافظة في الشقّ الاقتصاديّ، أي في العدالة وتوزيع الثروة.

هذا الانفصال، الذي يتهدّد اليوم الوعي اليساريّ المعهود، الممزّق حاليّاً بين التقدّميّة الاجتماعيّة والتقدّميّة الاقتصاديّة، يفصح عن مشكلة اللحظة الراهنة من التطوّر الاقتصادي والثقافي في آن. هكذا نلحظ، مثلاً، مبالغات في التقدّميّة الاجتماعية من أجل الالتفاف على الموضوع الاقتصاديّ وتجاهله. وهذا سينيكيّ بما فيه الكفاية. كذلك نلحظ مبالغات في التقدّميّة الاقتصاديّة تنتهي بأصحابها إلى شعبويّة تضعهم جنباً إلى جنب القوميّين والعنصريّين من كلّ صنف. وهذا رجعيّ بما فيه الكفاية.

في فرنسا، تبدو المشكلة أكثر حدّة من سواها من البلدان الغربيّة المتقدّمة: فعلى الجبهة الاقتصاديّة ذاتها نواجه ازدواجاً مُرّاً: الفقر والبطالة، لا سيّما في الضواحي وفي المناطق الصناعيّة التي نفقت، أعلى من المعدّل الوسطيّ في البلدان المشابهة. في المقابل، فالتقدّم التقنيّ ومستوى الإنتاجيّة أدنى من المعدّل الوسطيّ، ومعهما تكلّس بيروقراطيّ في التشريع المتعلّق بالعمالة وسوق العمل. الشطر الأوّل من المعادلة يستدعي الإنفاق على البرامج الاجتماعيّة وخلق فرص العمل، خصوصاً للشبيبة. الشطر الثاني منها يستدعي طمأنة الرساميل وخفص القيود على حركتها من أجل أن تستثمر. التوفيق بين الشطرين صعب.

هذه الصعوبة هي ما يقول ماكرون إنّه سيتغلّب عليها ببطء وبتدريج وبانتقائيّة. قد ينجح وقد لا ينجح. قد ينوي ذلك جدّيّاً وقد لا ينوي.

ما سبق ينبّه إلى مسألة بات من الصعب القفز فوقها: إنّ عالمنا بات أشدّ تعقيداً بلا قياس ممّا تفترضه الإجابة الواحدة الجازمة والناجزة. أمّا الذين يقدّمون هذه الإجابة، واثقين من أنّهم وضعوا يدهم على الحقيقة، فهم، في أحسن أحوالهم، كذّابون. في أسوأها، نصّابون. وهم، غالباً، ورثة تقاليد ريفيّة ودينيّة معلمنة.

لقد شهدنا على مدى القرن العشرين ما يكفي من تجارب قال أصحابها، بألسنة مختلفة، إنّهم يملكون هذه الإجابة القاطعة. هذا ما قالته الشيوعيّة. هذا ما قالته الفاشيّة. التجربتان انتهتا إلى كارثتين هيوليّتين. أخيراً، قال دونالد ترامب شيئاً من هذا القبيل. النتيجة كانت اعتذارات متوالية عمّا سبق أن قاله. إنّه، بعد التحليق في سماء الأوهام، يعيد الانتشار المتعثّر على أرض الواقع.

ما من شكّ في أنّ أوضاعاً كهذه، انتقاليّة ومعقّدة وغير مُفكّرة من قبل، تتطلّب الكثير من التجريب. وإيمانويل ماكرون يقول، بلغته وبطريقته، إنّه سيجرّب. وهذا بالطبع لا يكفي، لأنّ هذه البراءة الحياديّة حيال الأيديولوجيّات والتيّارات القديمة لا تلغي احتمالات الانحياز المسبق، إمّا بسبب خلفيّة طبقيّة أو بسبب خلفيّة فكريّة أو للسببين معاً.
مع هذا، يبقى أنّ الإجابة الجازمة هي دائماً الأخطر. ومارين لوبن، مثلها مثل جان لوك ميلونشون، صاحبة إجابة جازمة، واحدة ونهائيّة. لهذا نرى سيّدة اليمين الأقصى تبحث عمّا هو مشترك بين برنامجها وبرنامج سيّد اليسار الأقصى. والحال أنّ المشترك هو بالضبط أنّ الاثنين يتجنّبان التعقيد القاهر والمُلحّ معتمدين إجابة بسيطة وخلاصيّة مفادها الهرب من هذا الواقع.

وقد يقال بحقّ إنّ الحيرة والتجريب لا يملكان الطاقة التعبويّة التي يملكها كذب الإجابة الواحدة الجازمة. وهذا سيّء بما فيه الكفاية في وصف درجة التقدّم والذكاء التي أحرزتها إنسانيّتنا.

إلاّ أنّ المؤكّد أنّ الحيرة والتجريب أشبه بالواقع وأكثر مطابقة لتعقيده. وهذا ما يجعلهما، في ظلّ الرقابة الديموقراطيّة، أقدر على اختراقه وتغييره. وفي هذا المعنى، سيكون الأحد المقبل، بين ما سيكونه، اختياراً بين عقلين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في ما خصّ الانتخابات الفرنسيّة في ما خصّ الانتخابات الفرنسيّة



GMT 10:16 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

إضراب فرنسا

GMT 02:29 2019 الخميس ,28 شباط / فبراير

تعديل العلمانية!

GMT 12:34 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

في فرنسا... أنا غاضب إذن أنا موجود

GMT 00:21 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

لا أحد قادر على دفع فاتورة الحرب

GMT 01:24 2018 الخميس ,13 كانون الأول / ديسمبر

نظرية المؤامرة تظهر فى فرنسا
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 07:18 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

برونو مارس يُعلن فوزه بـ " جائزة غرامي " لأغنية العام

GMT 19:30 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 08:30 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

سوبارو تكشف عن سيارة جبارة للطرق الوعرة

GMT 13:56 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

بريشة : علي خليل

GMT 03:13 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الحب على موعد مميز معك

GMT 01:54 2017 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

بيلا حديد تبرز في ثوب أبيض في شوارع نيويورك

GMT 10:32 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

ظروف معقدة يستقبل بها اليمنيين عيد الأضحى

GMT 23:55 2016 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الجزيرتان كشفتا عيوبنا

GMT 11:10 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

زوجة تضع المنوّم لزوجها لتتمكن من خيانته مع جارهما

GMT 14:26 2018 الخميس ,08 آذار/ مارس

"جونو "تدور حول كوكب المشتري منذ العام 2016

GMT 10:07 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

رياض محرز يتجاهل المنافسة مع محمد صلاح

GMT 13:59 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

فريق الباطن يستضيف نظيرة الرائد في الدوري السعودي

GMT 20:02 2018 الخميس ,15 آذار/ مارس

قطة تورط بشكتاش التركي في أزمة مع اليويفا

GMT 04:04 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على جمارك سيارة إنفينيتي QX50 موديل 2017

GMT 15:30 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إليزابيث هيرلي تنقل أجواء القاهرة السينمائي لجمهورها
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen