آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

هل نتعاطف مع كنيسة باريسية؟

اليمن اليوم-

هل نتعاطف مع كنيسة باريسية

بقلم: حازم صاغية

قبل إخماد النار في كنيسة نوتردام، ضربَنا، على وسائل التواصل، زنّار من نار: لا تحزنوا على ما حلّ بباريس. عيب وخيانة أن تحزنوا...
هذا الصوت، المتفاوت الحضور والتمثيل بيننا، استهجن أن يؤلمنا، عرباً ومسلمين، ذاك الحدث. ولِرَدعنا عن الحزن قيل: لقد احترقتْ مدن، فضلاً عن مساجد وكنائس، في بلداننا، وينبغي ألا نتعاطف إلا مع مآسينا. قيل كذلك: هناك شعوب وجماعات تعاني الأمرّين في أوطاننا، وهي وحدها تستحقّ عواطفنا. قيل أكثر من ذلك: فرنسا بلد استعماريّ، وكنائسها؛ خصوصاً تلك التي احترقت، وثيقة الصلة بحروب الصليبيين.
في المقابل، انتشر كلام كثير وصحيح، إلا أنه يشبه الكليشيه السياحي، عن «نوتردام» وجمالها. عن مركزيتها في المشهد الباريسي. عن موقعها في التاريخ الفرنسي. عن عمارتها القوطية. عن التحف الفنية التي تحتويها. عن فيكتور هوغو وروايته...
لكنْ لا بأس بتركيز النقاش في مكان آخر مداره مفهوم التعاطف. فبعضنا، وبعض سِوانا أيضاً، يمضغون فكرة بدائية مفادها التالي: العاطفة كميّة محدودة تنفد باستعمالها. فإذا تعاطف واحدنا مع ابنه قلّت قدرته على التعاطف مع ابنته، والشيء نفسه يصحّ في الأصدقاء والأمكنة والمآسي... فالمطلوب إذن أن نصبّ مشاعرنا كلّها حيث قومنا أو قضايانا: «راجل واحدْ، مبدأ واحدْ»، كما تقول أوبريت «الجيل الصاعد».
وهذا ما يفترض وجود وجهة نظر، وطنية أو قومية أو دينية، فيما خصّ الأحاسيس والعواطف. وجهة نظر كهذه مُلزِمة 24 ساعة في الـ24، إنّها تعمل ليلاً ونهاراً بلا توقّف.
أغلب الظن أن رأياً إجماعياً كهذا أمر لا وجود له، وإذا وُجد سيكون مفتعلاً وخطيراً، إذ يُبرمجنا ويصبّنا في قالب كالذي يُصَبّ فيه الكوريون الشماليون. المسألة، في المقابل، تتّصل بالحساسيات الفردية والتجارب الشخصية: بمدى علاقة كلّ واحد منّا بما يتعاطف معه أو لا يتعاطف. هذا المبدأ يصحّ في حالات يُفترض أنها بعيدة عن العواطف. فحتى في الحروب تنشأ صلات وروابط شخصية بين جنود متحاربين إذا جمعتهم خنادق متقاربة لفترات طويلة.
لكنْ ما دمنا نتحدّث عن أفراد على صلة ما بثقافة سياسية، أو بنُتَفٍ منها، استحال تجاهل التسييس الوحشي الذي يلغي ما عداه. قوام هذا التسييس مطالبة الفرد بأن يكون آلة سياسية طبقاً لمفهوم مُعتَقدي جامد عن السياسة.
لكنّ السياسة، والحال هذه، تتقلّص إلى «موقف» لا يعبأ بحرية الأفراد وتجاربهم، ولا يعنيه ألم الجسد الإنساني. فهي تأمر بالتعصّب لما يتراءى: «موضوعياً»، مُحقّاً وصائباً، أي «مناهضاً للاستعمار والصهيونية»، بغضّ النظر عن آراء الناس فيه، وعن معاناتهم المباشرة منه. أما الأفكار التي تزدهر في الوسط هذا، ولو على شكل شعارات شفوية، فلا تحضّ إلا على تجزئ الإنسان والإنساني: «ليس هناك إلا المصالح، وكلّ اعتبار آخر مزعوم. العلاقات من أعلاها إلى أدناها علاقات سلطة ونزاع على السلطة. الغربيّون حين يكتبون عنّا، ما عدا نعوم تشومسكي، يكونون استشراقيين، والعياذ بالله من الاستشراقيين»!
هذا التراكم لا ينجب إلا كائنات ذئبية ومشوهة، كائناتٍ تكره بالمطلق وترى أنّ تاريخ الآخر جوهر ثابت مكروه. ففرنسا هي الحروب الصليبية دائماً وأبداً، أو أنّها مساوية لحاكمها بالمعنى الذي يقال فيه «سوريّا الأسد» أو «عراق صدّام».
لكنّ ذلك كلّه لا يحدّ من ألم مشروع ينتابنا أحياناً. ذاك أنّ التعاطف الذي تستقطبه مآسينا أقل من أحجامها وأقل مما تستحق. وإذا كانت مسؤولية الغرب السياسي مؤكّدة، فإنّ مسؤولية أنظمتنا مؤكّدة أيضاً. فالتعاطف مع المباني يبدو كمالياً عندنا بقياس ما يعانيه البشر قهراً وإيلاماً. يضاف إلى ذلك ما يتعلّق بموقع منطقة ما من العالم الأوسع ومدى حضور هذا العالم فيها، وما يطال الفارق بين بورجوازياتنا حيال أوطانها وبورجوازية فرنسا في إحساسها ببلدها وتاريخه وثقافته، ما حملها على تقديم التبرّعات السخية لترميم «نوتردام»، ناهيك عن سيطرة البلدان الغربية على الصورة المنظورة والمسموعة، وعلى دفقها وتداولها الكونيين. وهذا جميعاً لا صلة له بالمؤامرات، وينبغي ألا تكون له صلة بالتعاطف.

   

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل نتعاطف مع كنيسة باريسية هل نتعاطف مع كنيسة باريسية



GMT 20:25 2021 الخميس ,01 تموز / يوليو

مرافَعةُ البطاركة أمام البابا

GMT 11:21 2021 الثلاثاء ,29 حزيران / يونيو

هل يبدأتصويب بوصلة المسيحيين في لقاء الفاتيكان؟

GMT 13:21 2021 السبت ,26 حزيران / يونيو

لبنان والمساعدات الاميركية للجيش

GMT 14:31 2021 الإثنين ,21 حزيران / يونيو

الحِيادُ هذا اللَقاحُ العجائبيُّ

GMT 23:33 2021 الخميس ,17 حزيران / يونيو

أخبار من اسرائيل - ١
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 01:35 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

محمد بن زايد يطلق حزمة اقتصادية بـ 50 بليون درهم

GMT 03:07 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منة فضالي تؤكد أن العمل مع الفنانة بوسي ممتع ويغمره البهجة

GMT 01:45 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

غير الناطقين بالإنكليزية يتفوقون في برنامج التقييم الوطني

GMT 22:50 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مدير باريس للأساتذة يحث فيدرر على المشاركة في البطولة

GMT 21:49 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

أوملت البطاطا

GMT 21:58 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

غضب نسائي يطارد أحمد فهمي بسبب خيانة نيللي كريم

GMT 00:46 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

علي ربيع يكشف عن فيلم جديد يجمعه بنجم "مسرح مصر"

GMT 07:20 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

"الفراولة" أحدث موضة في قصات الشعر لعام 2018

GMT 03:20 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

توست مقلي بالبيض

GMT 21:00 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

8 جامعات إماراتية ضمن أفضل 40 جامعة عربية
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen