آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

الإرهاب والحجّة السخيفة المؤذية

اليمن اليوم-

الإرهاب والحجّة السخيفة المؤذية

بقلم / حازم صاغية

الدم الذي أساله الإرهاب الإسلامويّ في المنيا، سبقه دم أساله الإرهاب ذاته في مانشستر. فداحة الحدثين وأحداث كثيرة مشابهة سبقتهما لم تردع الحجّة السخيفة والمؤذية: الحروب الغربيّة، لا سيّما الحرب الأميركيّة في العراق، سبب الإرهاب.

أصحاب الحجّة لا يسألون أنفسهم: أيّ حرب شنّها الأقباط في مصر، أو الإيزيديّون في العراق، وعلى من؟ وهم أيضاً لا يتساءلون عمّا إذا كان «الداعشيّون» متأثّرين بمعاداة «الاستعمار»، وبناء تأويلهم للعالم واستجابتهم له تبعاً لذاك الموقف.

الحجّة كانت لتكون سخيفة فحسب. إلاّ أنّها، وبحسن نيّة أو سوئها، ضارّة أيضاً. فهي تنسب إلى الإرهاب الإسلامويّ قضيّة يفترض أصحاب الحجّة أنّها نبيلة، وينسبون معنىً يفترضون أنّه فاضل.

هم، كذلك، يحمّلون الإرهابيّين موقفاً ثقافيّاً يواكب موقفهم المفترض من التاريخ والسياسة، كما يواكب ممارستهم العنفيّة. بهذا فإنّهم، شاؤوا أم أبوا، يعاملون الإرهابيّين كما لو أنّهم يمثّلون «العنف الثوريّ» مقابل «القوّة» التي تملكها سلطة غاشمة، بموجب الثنائيّة الشهيرة للنقابيّ والفوضويّ الفرنسيّ جورج سوريل.

فضلاً عن ذلك، يجعلون التغلّب على الإرهاب مستحيلاً عمليّاً حتّى لو توقّقت الحروب، ما دام أنّه ردّ على حروب حصلت، ولم يعد ممكناً سحبها من التاريخ. وفي الآن ذاته، يحرّمون كلّ تدخّل حتّى لو كان إنسانيّاً ومُسلّماً بإيجابيّاته، كذاك الذي أنقذ المسلمين في يوغوسلافيا السابقة من ميلوشوفيتش، أو الذي أنقذ أكراد العراق من صدّام.

في الآن ذاته هم يحجبون السبب الأهمّ وراء «داعش» وإرهابه الوحشيّ: صحيح أنّ أسباباً كثيرة ومتفاوتة تفسّر هذا الشرّ. لكنّ الأهمّ والأوّل بينها هو العناصر الداخليّة. هنا يندرج، مع إرهابيّي البلدان الغربيّة، ما يسمّيه أوليفييه روا «فراغ الهويّة» حيث ينمو التطرّف العنيف، وكذلك البطالة الواسعة للشبيبة. أمّا في بلداننا، فهناك الظلم والقهر وسحق الكرامة الفرديّة وسوء التعليم. لكنْ في الحالتين، هناك الوعي الزائف الذي يحوّل شفرة الضحيّة نحو ضحيّة آخر. سيرة سلمان عبيدي، منفّذ جريمة مانشستر، تلخّص اشتغال هذا الوعي الزائف: الشابّ الليبيّ المولود في بريطانيا، الممزّق بين ليبيّته وبريطانيّته، ابن لعائلة مناهضة للقذّافي، هاربة من استبداده. لكنّ غضبه توجّه إلى... سكّان مانشستر. شقيقته حاولت أن تكون «علميّة» على طريقة السيّد جيريمي كوربن: فسّرت أعمال أخيها بالغارات الأميركيّة على السوريّين. لكنْ إذا جاز هذا المنطق، وهو طبعاً غير جائز، فلماذا لا يكون الردّ في موسكو أو طهران، ثمّ لماذا لا يكون في أميركا ذاتها بدل بريطانيا؟
ما يُراد تجنّبه أنّ هذا الإرهاب، المدفوع بذاك الوعي الزائف، هو الكراهية المحض لكلّ مختلف وكلّ آخر، أكانا من أبناء البلد أم من سواه، وليس للأميركيّ وحده. والكراهية هذه تتلوّن بالظروف الداخليّة في كلّ بلد، وهي ظروف يترجمها ضحاياها على نحو خاطىء ومستبطن للإجرام. فإذا كان في وسع التعرّض للاضطهاد أن ينتج المطالبة بالحقّ، فهو أيضاً، حين يصحبه الوعي الزائف، ينتج السلوك الوحشيّ والهمجيّ الذي رأيناه في المينا ومانشستر وأمكنة أخرى كثيرة.

إنّ الاضطهاد من دون وعيه لا يؤسّس إلاّ الجريمة التي تفوقه حجماً وتنزع عنه حقّيّته.
والحال أنّ الوعي الخارجيّ الأخرق هو أيضاً وعي الردّ على الإرهاب، من خلال الحرب وحدها. الاستبداد السياسيّ وتوزيع الثروة وأنظمة القيم ومناهج العقاب... يُتعامَل معها كأنّها، في أحسن الأحوال، هوامش على نصّ حربيّ مفتوح. وما يزيد البؤس بؤساً أن يشارك حكّام ديكتاتوريّون، صاغوا أحوال بلدانهم على هذا النحو المولّد للإرهاب، في الفهم الخارجيّ له وفي القتال الخارجيّ ضدّه. وللأسف، فخارجيّة التأويل هذه لا تزال موضع إجماع بين الحاكم (مؤامرة علينا) والمحكوم (الإرهابيّون ليسوا منّا)، وبين «اليساريّ» (حروب أميركا) و «اليمينيّ» (الإرهابيّون ليسوا مسلمين...). هذا، في أغلب الظنّ، ما يضيف سبباً وجيهاً من الأسباب التي تفسّر خفوت الاستجابة الشعبيّة لدينا على «داعش». إنّه خفوت معيب لا يفوقه عيباً إلاّ التهوين منه بوصفه «ردّاً» على حروب أميركا!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإرهاب والحجّة السخيفة المؤذية الإرهاب والحجّة السخيفة المؤذية



GMT 07:54 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

اللجنة فى المنيا!

GMT 11:58 2018 السبت ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتياد الإرهاب

GMT 04:00 2018 الخميس ,06 أيلول / سبتمبر

المنيا: «إخوان» وأقباط

GMT 05:41 2017 الأحد ,04 حزيران / يونيو

كراهية المسيحيين

GMT 05:44 2017 الخميس ,01 حزيران / يونيو

أخبار سارة من سيناء!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 01:35 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

محمد بن زايد يطلق حزمة اقتصادية بـ 50 بليون درهم

GMT 03:07 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منة فضالي تؤكد أن العمل مع الفنانة بوسي ممتع ويغمره البهجة

GMT 01:45 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

غير الناطقين بالإنكليزية يتفوقون في برنامج التقييم الوطني

GMT 22:50 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مدير باريس للأساتذة يحث فيدرر على المشاركة في البطولة

GMT 21:49 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

أوملت البطاطا
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen