آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

سوريّة وثنائيّة «اليسار» و «اليمين»

اليمن اليوم-

سوريّة وثنائيّة «اليسار» و «اليمين»

بقلم/ حازم صاغية

هل كان يمكن أن يتّفق أقصى اليسار وأقصى اليمين على موقف واحد موحّد من الحرب الأهليّة الإسبانيّة في أواخر الثلاثينات؟

الجواب طبعاً لا. فالحرب المذكورة كانت، في أحد أبرز معانيها، حرباً بين اليمين واليسار الأوروبيّين. وهذا ما يتعدّى المركزيّة الأوروبيّة وأحداثها الكبرى، كالحرب الأهليّة اليونانيّة مثلاً، أو انشطار ألمانيا ألمانيتين، لينطبق أيضاً على الثورة والنظام الكوبيّين، وعلى الحرب الفيتناميّة في الستينات والنصف الأوّل من السبعينات، كما على الحرب الكونغوليّة بين باتريس لومومبا ومويس تشومبي، كي لا نذكر عدداً لا يُحصى من الأحداث الضخمة التي شهدتها القارّات الخمس.

إذاً، لماذا صحّ ويصحّ اتّفاق أقصى اليمين وأقصى اليسار على موقف واحد موحّد في سوريّة؟
قد يتعلّق الجواب في حدّه الأدنى بسوريّة نفسها، وبالعالم العربيّ استطراداً، لجهة تضاؤل الاهتمام بهما إلاّ بوصفهما موضوعاً للنفوذ الاستراتيجيّ وخزّاناً لبشر قد يفيض نزوحهم على الغرب. لكنّ الجواب أعلاه ينمّ عن حقيقة أخرى، هي أنّ ثنائيّة اليسار واليمين نفسها لم تعد تقبض على الواقع الكونيّ، كما كفّت، في استغراقها القوميّ، عن توفير «برنامج» شامل للإنسانيّة. هكذا غدت الثنائيّة هذه قليلة الحفول بضمّ منطقتنا إلى «الثورة العالميّة» أو إلى «السوق العالميّة»، وصار جلّ المطلوب «كفّ شرّ» المنطقة عن هذه المشاريع العالميّة البعد التي يُطمح إلى إحلالها في مناطق أخرى. لكنّ استثناء كلّ هذه الملايين وكلّ هذه الرقعة الجغرافيّة من عالميّة اليمين واليسار، إنّما يقلّص العالميّة المذكورة ويُنقصها وينمّ عن ضمور طموحاتها. وهذا، بدوره، ما ينمّي العنصر الخرافيّ في تلك الثنائيّة إيّاها.

والخرافيّة، هنا، لا تقتصر على إغفال منطقتنا، بل تجد أيضاً ما يؤكّدها في ذاك الاكتراث القليل الذي ما زالت تمنحها إيّاه: فـ«اليمين» معنيّ بمكافحة الإرهاب ووقف تدفّق اللاجئين، في معزل عن المسائل التي تتسبّب بهاتين الظاهرتين وباستفحالهما. و«اليسار»، من ناحيته، مشغول بمكافحة «الإمبرياليّة وحروبها العدوانيّة»، فيما «الإمبرياليّة» التي تستولي عليها النزعة الانعزاليّة، مستنكفة عن التدخّل. وليس الغزل من طرفي «اليمين» و«اليسار» بروسيا البوتينيّة غير برهان ساطع على غلبة المشكلات الزائفة والحلول الزائفة في الطرفين «اليمينيّ» و«اليساريّ» هذين.

وفي وسع من يبحث عن أسباب داخليّة لهذا التصدّع المزدوج الذي يصيب طرفي الثنائيّة أن يقع على الكثير منها، ابتداء بتحوّلات الخرائط الطبقيّة وليس انتهاء بالوعي الرجعيّ الذي يضرب الطبقة العاملة، فضلاً عن أوهام الثراء السريع والفرديّ التي تغزو الفئات الوسطى بعيداً من أيّ سيرورة وتحوّل مجتمعيّين.

لكنّ ثنائيّة أخرى، في أغلب الظنّ، تتقدّم اليوم للحلول محلّ تلك القديمة. إنّها ثنائيّة الديموقراطيّة والشعبويّة، أي اللعب في الوسط والشدّ يميناً أو يساراً داخل هذا الوسط، مقابل اللعب في الأطراف ومحاولة الانقضاض منها على الوسط، وتالياً على المجتمع في عمومه. وإذا كانت كلّ منهما، الديموقراطيّة والشعبويّة، تتّسع ليسار (ديموقراطيّ أو شعبويّ) كما تتّسع ليمين (ديموقراطيّ أو شعبويّ)، فإنّ تصوّر السياسة يقع في القلب من سجالهما: في الديموقراطيّة تحتلّ المؤسّسات والتسويات موقعاً مركزيّاً هو نفسه الذي تحتلّه، في الشعبويّة، مفاهيم الصراع والعداوة والقوميّة.

فما يعيد الاعتبار إلى السياسة اليوم هو، بالضبط، ما تطرحه الديموقراطيّة في مواجهتها مع الشعبويّة، أي نزع التوتّر النضاليّ في الداخل وتوكيد البُعد الكونيّ في العلاقة بالخارج.

وإذا جاز الترميز والشخصنة، قيل إنّ الوجهين الأبرز للاستقطاب الكونيّ الراهن هما ستيف بانون وأنغيلا مركل: الأوّل، أيديولوجيّ، ترامب و«الرجل القويّ» في إدارته، إنّما يصنّف نفسه «لينينيّاً» يجمعه بالزعيم الروسيّ تحطيم الدولة. لكنّه أيضاً يبدي إعجابه الشديد ببعض منظّري الفاشيّة الأوروبيّة في الثلاثينات، ولا تستهويه في التاريخ إلاّ الحروب والملاحم، ابتداءً بأثينا وإسبارطة. أمّا الثانية، وهي مستشارة ألمانيا المسيحيّة الديموقراطيّة، فإنّما تُعدّ حاليّاً أقوى حصون الديموقراطيّة الليبراليّة في مواجهة المدّ الشعبويّ. وليس من دون دلالة أنّ مسألةً سوريّةً، هي النزوح المتفرّع عن الثورة وعن قمعها، كانت ولا تزال الرائز الإيجابيّ الأوّل لميركل وسياساتها. وليس من دون دلالة أيضاً أنّ بانون هو الكاره الأوّل، بين كارهي إدارة ترامب الكثيرين، للنازحين والمهاجرين وللتعدّد الثقافيّ والإثنيّ.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريّة وثنائيّة «اليسار» و «اليمين» سوريّة وثنائيّة «اليسار» و «اليمين»



GMT 20:25 2021 الخميس ,01 تموز / يوليو

مرافَعةُ البطاركة أمام البابا

GMT 11:21 2021 الثلاثاء ,29 حزيران / يونيو

هل يبدأتصويب بوصلة المسيحيين في لقاء الفاتيكان؟

GMT 13:21 2021 السبت ,26 حزيران / يونيو

لبنان والمساعدات الاميركية للجيش

GMT 14:31 2021 الإثنين ,21 حزيران / يونيو

الحِيادُ هذا اللَقاحُ العجائبيُّ

GMT 23:33 2021 الخميس ,17 حزيران / يونيو

أخبار من اسرائيل - ١

GMT 16:22 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

أخبار عن بايدن وحلف الناتو والصين

GMT 17:50 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

المساعدات الخارجية البريطانية

GMT 07:38 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

أعداء المسلمين
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 01:35 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

محمد بن زايد يطلق حزمة اقتصادية بـ 50 بليون درهم

GMT 03:07 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منة فضالي تؤكد أن العمل مع الفنانة بوسي ممتع ويغمره البهجة

GMT 01:45 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

غير الناطقين بالإنكليزية يتفوقون في برنامج التقييم الوطني

GMT 22:50 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مدير باريس للأساتذة يحث فيدرر على المشاركة في البطولة

GMT 21:49 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

أوملت البطاطا

GMT 21:58 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

غضب نسائي يطارد أحمد فهمي بسبب خيانة نيللي كريم

GMT 00:46 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

علي ربيع يكشف عن فيلم جديد يجمعه بنجم "مسرح مصر"

GMT 07:20 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

"الفراولة" أحدث موضة في قصات الشعر لعام 2018

GMT 03:20 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

توست مقلي بالبيض

GMT 21:00 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

8 جامعات إماراتية ضمن أفضل 40 جامعة عربية
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen