آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

توني بلير أم صدّام حسين؟

اليمن اليوم-

توني بلير أم صدّام حسين

حازم صاغية
بقلم : حازم صاغية

كان توني بلير سياسيّاً سيّئاً وقائداً فاسداً. وهو، كما أوضح تقرير تشيلكوت، شارك في قيادة حرب قامت على الأكاذيب وامتهان القوانين، ولم تُعدّ العدّة ليومها التالي، كما انقاد ذيليّاً لجورج دبليو بوش «كائناً ما كان».

هذا وغيره صحيح، وهو ما جاء التقرير ليكرّسه ويفصّله ويحوّله درساً للمستقبل، بما ينقّي الحياة السياسيّة البريطانيّة والعلاقات الدوليّة، حتّى لو لم يُحاكَم المرتكب بلير. هنا وظيفة التقرير.

أمّا الاستقبال العربيّ لتشيلكوت ونتائجه فجاء تبرئة بديعة للنفس وللطائفيّة التي أنزلت بالعراق ما أنزلته، قبل حرب بلير – بوش وبعدها. ذاك أنّ الرواية العربيّة الضمنيّة، والمعلنة أحياناً، مفادها أنّه لم يكن في الإمكان أحسن ممّا كان إلى أن جاء بلير وجورج دبليو ودمّرا العراق.

وما لا شكّ فيه أنّ حرب بوش وبلير زادت العراق خراباً، واستكملت التهديم والتفريغ اللذين بدأهما الحصار قبلها، كما أضعفت قابليّة البلد للإصلاح فيما سخّفت معاني محترمة كالقانون الدوليّ والديموقراطيّة. إلاّ أنّ اعتبار الحرب سبب الخراب العراقيّ فيعبّر عن خرافتين وطيدتين في الفكر السياسيّ العربيّ:

أولاهما أنّ الاستبداد (الصدّاميّ هنا) لم يكن خراباً، والثانية أنّه يكفي لنظام عربيّ أن يتمكّن من الوقوف في وجه طرف خارجيّ (إيران أو إسرائيل أو...) لكي يُعدّ معافى وقويّاً، ونظام صدّام أحرز ذلك.

بلغة أخرى، ما فعلته حرب بوش وبلير أنّها نقلت الكارثة العراقيّة، وبأسوأ الطرق، من الكمون إلى العلن. فحين لا يبقى من هذا كلّه إلاّ أنّ بلير وبوش دمّرا العراق وأنجبا «داعش»، فهذا يعني حقيقتين خطيرتين:

الأولى، وما دام أنّ العراق كان معافى في عهد صدّام، فلا معنى لكلّ ما قيل وكُتب عن الاستبداد ودوره في تفسيخ النسيج الوطنيّ. دليل ذلك أنّه كانت هناك دولة قويّة (كما كانت دولة حافظ الأسد قويّة) تشكّل «البوّابة الشرقيّة للوطن العربيّ في وجه إيران» (مثلما شكّلت دولة الأسد «قلعة الصمود في وجه إسرائيل»). أمّا تعطيل السياسة وحكم الحزب الواحد وعبادة صدّام وأقبية التعذيب وأوضاع المعارضين وأحوال الأكراد المقصوفين بالكيماويّ ومسلسل الحروب المكلفة...، فكلّها لا تنمّ عن أيّ ضعف في التكوين العراقيّ.

هنا، تستولي علينا، مرّةً أخرى، النظرة الخارجيّة إلى القوّة والضعف، والصحّة والمعافاة، ويبدو أنّنا حين نقرّ بمسؤوليّة تراكيبنا الداخليّة لا نكون نفعل غير رفع العتب أو المسايرة في وقت ضائع.

والثانية، وما دام أنّ الحرب هي التي فرّخت «داعش»، وكانت السبب الذي يختصر سائر الأسباب، فلا معنى بتاتاً لكلّ ما قيل وكُتب عن الاضطهاد والتعذيب، وأزمة البنية القبليّة في الزمن الحديث، وأهميّة الإصلاح الدينيّ، وتاريخ «القاعدة» السابق على حرب 2003، وأنظمة العقاب العربيّة، والفساد وتبديد الموارد على حساب فرص التنمية المتاحة، ووجود «داعش» في بلدان لم تتعرّض لحرب أميركيّة – بريطانيّة...

واقع الأمر أنّ المشكلة، التي فاقمتها الحرب، لا تبدأ بالحرب نفسها. إنّها تبدأ بدائرة مقفلة سمحت للبعث أن يحكم 35 سنة، من دون أن يظهر في الأفق العراقيّ ما يوحي بحصول تغيير داخليّ ناجح. وهذا الإقفال هو ما يغري مهووساً كبوش ودجّالاً كبلير بكسر الدائرة وإحراز أعلى مراتب المجد والنفوذ بأزهد الأكلاف.

وهذا كلّه أراحنا من تفكيره رئيس الحكومة البريطانيّ السابق الذي أكّد لنا أنّ عداءنا للغرب كان ويبقى الموقف الأسلم الذي لا تأتي الأحداث إلاّ لتبرهن صحّته. وصار في وسع واحدنا أن يقول، محاكياً البسطامي والحلاّج، «سبحاني ما أعظم شاني»، قبل أن يقتله برميل أسقطه أخ أكبر في العروبة، أو يذبحه بسكّينه أخ أصغر في الإسلام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

توني بلير أم صدّام حسين توني بلير أم صدّام حسين



GMT 13:32 2020 الإثنين ,13 تموز / يوليو

احتراماً لـ«جمهور المقاومة»

GMT 08:53 2020 الثلاثاء ,07 تموز / يوليو

المشرق العربيّ: الانهيار وقد اكتمل!

GMT 12:04 2020 الأربعاء ,29 كانون الثاني / يناير

مطلوب: مدحت باشا لبنانيّ

GMT 04:54 2020 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

عن مسارات «الزعامة» في لبنان

GMT 10:10 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عبد الكريم قاسم وطريق الوطنيّة الصعب في العراق
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 05:53 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

اتجاهات موضة الديكور في غرف الطعام هذا العام

GMT 06:16 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

ضغوط مختلفة تؤثر على معنوياتك أو حماستك

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 22:55 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:05 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen