آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

الديموقراطيّة الليبراليّة في بلد واحد

اليمن اليوم-

الديموقراطيّة الليبراليّة في بلد واحد

بقلم/ حازم صاغية

في لحظة استراح فيها رجب طيّب أردوغان من قمع الحياة السياسيّة والمدنيّة في بلده، استحسن أن يوجّه انتقاداً حادّاً لألمانيا: شبّه إجراءاتها حيال التجمّعات التركيّة المهاجرة بـ... النازيّة.

التشبيه هذا، للأسف، يرفع جهل الرئيس التركيّ بألمانيا إلى سويّة جهله بالنازيّة. إنّها عيّنة ساطعة على الأمّيّة المتفشّية بين سياسيّينا وقادتنا.

فالدولة الألمانيّة اليوم ليست فقط بعيدة عن النازيّة بُعد الأرض عن السماء، بل هي أيضاً القلعة المنيعة للديموقراطيّة الليبراليّة في أوروبا والعالم. سواها ديموقراطيّون انتخابيّون أو ديموقراطيّون ليبراليّون تتراجع ليبراليّتهم. هي لا.

وللسبب هذا يبدو ذاك البلد الذي استقبل أكثر من مليون لاجئ كأنّه قلعة محاصرة. لننظر سريعاً إلى الخريطة: في شرقها، ينضاف إلى العواطف المناهضة تقليديّاً للألمان عند البولنديّين والهنغار، صعود الشعبويّة القوميّة في البلدين. وفي شرق شرقها الروسيّ يربض فلاديمير بوتين حاقداً على المستشارة أنغيلا مركل لموقفها المتصلّب في أوكرانيا. وهو، بالتهكير والتمويل ووسائله الأخرى، قد يتدخّل في الانتخابات الألمانيّة المقبلة كما تدخّل في الانتخابات الأميركيّة الماضية. وإلى الجنوب، هناك اللوم اليونانيّ والعتب الإيطاليّ على ألمانيا المتّهمة بالوقوف وراء الأزمتين الاقتصاديّتين للبلدين. وفي جنوب جنوبها التركيّ هناك – والعياذ بالله – أردوغان. أمّا في غربها، فإنّ بريطانيا ما بعد «بريكزيت» لن تكون كما كانت قبلها، وبالتالي فالمشروع الأوروبيّ الذي ترعاه ألمانيا بات يفتقر إلى توازنه السابق. وهناك في الجوار شغب على ألمانيا مركل يمارسه شعبويّو هولندا، فضلاً عن شعبويّي النمسا، والطرفان يحملان اسم «حزب الحرّيّة». وأمّا في غرب الغرب الأميركيّ، فإنّ دونالد ترامب، الذي لم يكتم انزعاجه من المستشارة، غير باراك أوباما الذي لم يكتم إعجابه بها.

لوحة الحصار هذه تقول إنّ فرنسا وحدها ستكون العنصر المقرّر: فإذا فازت مارين لوبن في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة، فهذا يعني نجاح الحصار في إسقاط ألمانيا، أي نجاح الشعبويّات القوميّة في دكّ الديموقراطيّة الليبراليّة ومن ثمّ دكّ المشروع الأوروبيّ برمّته. ألمانيا اليوم تقاوم في انتظار أن تنجدها فرنسا.

لقد طوّر جوزيف ستالين، بعد أقلّ من عقد على ثورة أكتوبر، نظريّة «الاشتراكيّة في بلد واحد»، ردّاً على نظريّة «الثورة الدائمة» التروتسكيّة، مستفيداً من هزيمة الثورات الاشتراكيّة في أوروبا. وكان استنتاجه، النظريّ والعمليّ، أنّ على الاتّحاد السوفياتيّ توطيد قوّته وعزلته لحمايته من الحصار الخارجيّ. لقد أنزل المجتمع إلى الخندق وسوّر الخندق بالحديد.

الديموقراطيّة الليبراليّة في بلد واحد، في ظلّ ميركل، تقوم على معادلة معاكسة تماماً: المزيد من دمقرطة الديموقراطيّة والمزيد من الانفتاح على العالم ردّاً على النزعات الحمائيّة والقوميّة. ليس هذا فحسب: فمن يبحث اليوم عن حياة سياسيّة تدور حول الوسط، بين يسار ويمين، لن يجدها إلاّ في ألمانيا. صحيح أنّ «البديل» بات يشكّل هامشاً عريضاً يتزايد اتّساعه، ويتعاظم القلق الذي يسبّبه، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ «اليمين» الذي تقوده ميركل حافظ على كرامته ومؤسّسيّته ولم ينجرّ إلى المزايدة الشعبويّة التي انجرّ إليها محافظو بريطانيا حين أجروا استفتاء «بريكزيت»، للّحاق بـ «حزب استقلال المملكة المتحدة»» (يوكيب)، وجمهوريّو أميركا حين لحقوا بترامب، وديغوليّو فرنسا حين استعاروا بعض شعارات «الجبهة الوطنيّة» متوهّمين قطع الطريق عليها.

واليسار الاشتراكي الديموقراطيّ في ألمانيا لم يردّ بشعبويّة كوربن البريطانيّ، وآمون وميلونشون الفرنسيّين. لقد تمسّك بالتقليد الاشتراكيّ الديموقراطيّ. قائده الجديد ورئيس البرلمان الأوروبيّ مارتن شولتز الذي قد يعيد حزبه إلى صدارة فقدها منذ 2002، يفعل ذلك بسياسة تخاطب البيئة العمّاليّة اقتصاديّاً وعقلانيّاً، وتراجع نقديّاً توجّهات غيرهارد شرودر و «أجندة 2010» التي صالحت الاشتراكيّين الديموقراطيّين مع النيوليبراليّة. وشولتز يراهن على الحدّ من نفوذ «البديل» على ضحايا العولمة، ويأمل باستعادة الكتلة التي انفصلت في 2005 مع أوسكار لافونتين وصارت «حزب اليسار».

بمركل ولافونتين، تستعاد السياسة والتقليد. وفي ألمانيا وحدها يصارع مصطلحا «يمين» و «يسار» للبقاء على قيد المعنى. لكنْ من يقنع السيّد أردوغان، الأخصّائيّ المحلّف في الديموقراطيّة؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديموقراطيّة الليبراليّة في بلد واحد الديموقراطيّة الليبراليّة في بلد واحد



GMT 00:16 2017 السبت ,22 إبريل / نيسان

أردوغان: طريق العظمة طريق الكذب

GMT 03:41 2017 السبت ,18 آذار/ مارس

نحن والإسلاميّون حيال السياسة والسلطة

GMT 06:20 2016 الثلاثاء ,05 تموز / يوليو

أين لا يقف أردوغان؟
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 01:35 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

محمد بن زايد يطلق حزمة اقتصادية بـ 50 بليون درهم

GMT 03:07 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منة فضالي تؤكد أن العمل مع الفنانة بوسي ممتع ويغمره البهجة

GMT 01:45 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

غير الناطقين بالإنكليزية يتفوقون في برنامج التقييم الوطني

GMT 22:50 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مدير باريس للأساتذة يحث فيدرر على المشاركة في البطولة

GMT 21:49 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

أوملت البطاطا

GMT 21:58 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

غضب نسائي يطارد أحمد فهمي بسبب خيانة نيللي كريم

GMT 00:46 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

علي ربيع يكشف عن فيلم جديد يجمعه بنجم "مسرح مصر"

GMT 07:20 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

"الفراولة" أحدث موضة في قصات الشعر لعام 2018

GMT 03:20 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

توست مقلي بالبيض

GMT 21:00 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

8 جامعات إماراتية ضمن أفضل 40 جامعة عربية
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen