آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

حين قصّر المستشرقون

اليمن اليوم-

حين قصّر المستشرقون

حازم صاغية
بقلم : حازم صاغية

لنتخيّل أنّ مستشرقاً (والتعبير لم يعد يُستخدم إلاّ عندنا) كتب في أحد أيّام 2012 فقرة بهذا المعنى:

«وبين الخيارات التي ستواجهها منطقة الشرق الأوسط ظهور أطراف متعصّبة وعنيفة يقف على رأسها زعماء دينيّون وأشباه دينيّين يدعون إلى تطهيرها من الكفّار والمرتدّين والأجانب وكلّ من يخالفهم الرأي والسلوك. وقد لا يتردّد هؤلاء في عدائهم للحداثة، وإن أخذوا ببعض أدواتها وتقنيّاتها، في ممارسة قطع الرؤوس بالفأس والسكّين...».

أو لنتخيّل أنّ مستشرقاً كتب في أحد أيّام 2016: «وقد انقضت خمس سنوات على ثورة وحرب أهليّة، لكنّ رئيس الجمهوريّة الذي ورث الحكم عن أبيه لم يزل متمسّكاً بسلطته، لا يتزحزح عنها، مع أنّها كلّفت حتّى الآن 500 ألف قتيل ونزوح أكثر من نصف سكّان البلد عن بيوتهم، وربعهم عن وطنهم».

أو لنتخيّل مستشرقاً آخر يكتب أنّ الخيار المطروح على السنّة العراقيّين هو بين حكم «داعش» وحكم الميليشيات الشيعيّة، أو يقول إنّ الاستقبال العربيّ للمحاولة التآمريّة الأخيرة في تركيّا كان إمّا التهليل لانقلاب عسكريّ أو التهليل لانقلاب مدنيّ، ما يشير إلى ضعف هائل في الحساسيّة السياسيّة والديموقراطيّة عند العرب.

ما من شكّ في أنّ أيّاً من الفقرات أعلاه كانت لتلقى في أوساطنا من الاستهجان والإدانة ما يرفعها إلى دليل دامغ في كشفه العقليّة الاستشراقيّة، وربّما العنصريّة، في النظر إلينا وإلى ثقافتنا، وفي (لمَ لا؟) تآمر علينا لا يصيبه الكلل.

والحقّ، في المقابل، أنّ مخيّلات المستشرقين ما كان لها، في أكثر أشكالها جموحاً ووحشيّة، أن تتخيّل تنظيماً كـ «داعش» أو حاكماً كالأسد أو سواهما من علامات وعلاقات تسود حياتنا الراهنة. بيد أنّنا، ومنذ عقود، بات ما إنْ يبلغ الفطامَ لنا صبيٌّ حتّى نراه يهجو الاستشراق والمستشرقين بالغلوّ الذي يهجو به الاستعماريّين والصهاينة.

وأغرب ما في الأمر أنّنا نطالب أولئك المستشرقين بمعرفة ودقّة وتسامٍ عن الغرض لا تتوفّر في الإنتاج المحلّيّ عن أحوالنا، وهو المميّز بفقره وتعصّباته. وهذا إنّما يعني أنّ ثقافتنا لم تزوّدنا معايير الدقّة والتسامي التي بموجبها نحاكم الاستشراق. فكأنّنا، والحال هذه، نرسم المستشرقين آباءً لنا يُفترض بهم أن يلمّوا بأحوالنا أحسن ممّا نلمّ نحن الأطفال الذين لا يُسألون في مدى إلمامهم.

فالمهمّ، في آخر المطاف، أنّنا بتنا نمتلك سلاحاً لا يختلف عن نظريّات المؤامرة المألوفة إلاّ في كونه أشدّ حذلقة وثقافيّةً، صدّرته إلينا الجامعات الأميركيّة. والنظريّة هذه لئن خاطبت حساسيّات جريحة عند آخرين من غير العرب والمسلمين، لم يتعافوا من رضّة الغرب، فقد خاطبت أيضاً حساسيّة غربيّة صنعها الشعور بالذنب حيال ذاك الماضي الاستعماريّ.

بطبيعة الحال فإنّ أطنان الكتابة العربيّة وغير العربيّة عن احتمالات الانحطاط التي تواجه الغرب اليوم، وهي احتمالات صحيحة يجلوها صعود دونالد ترامب وبعض أحزاب اليمين المتطرّف، لا تجيز الكلام عن مؤامرة معرفيّة، وبالتالي سياسيّة، ضدّ الغرب. وحين يصدر كلام كهذا يكون موقّعوه أولئك الزعماء الشعبويّين الغربيّين أنفسهم ومن يحيط بهم من كتّاب ومروّجين. أمّا عندنا، فتحوّل شتم الاستشراق إلى ثقافة شعبيّة، آليّة أو بديهيّة، يقول الكثير عن مدى المرض الذي يضربنا في علاقاتنا وفي قناعاتنا، وفي حكم الحاكم ومحكوميّة المحكوم، كما يقول أكثر عن مدى حاجتنا إلى إعفاء النفس من ارتكاباتها وإحالتها على غيرٍ لا يجيد إلاّ التربّص بنا. وكلّما زاد وضعنا سوءاً وتردّياً زاد العداء للآخر، وفي عداده الاستشراق وأهله، والمطالبة بعقابه على النحو الذي أنزله بعض «معتدلينا» بطفل يُدعى عبدالله عيسى، نُسبت إليه الخصومة والشرّ.

والحال أنّ «داعش» وأمثاله، والردود على «داعش»، ما هي إلاّ عصارة عشرات السنين التي قصّر المستشرقون في وصفها وفي اللحاق بما تستقرّ أمورنا عليه اليوم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حين قصّر المستشرقون حين قصّر المستشرقون



GMT 12:49 2020 الثلاثاء ,07 تموز / يوليو

متحف الجماجم الفرنسي ورأس ليبيا المقطوع

GMT 12:01 2019 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

استباحة سورية

GMT 02:37 2019 الإثنين ,18 آذار/ مارس

داعشي صليبي!

GMT 08:58 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

وليد السناني... شبيه نيلسون مانديلا!

GMT 11:07 2019 الثلاثاء ,19 شباط / فبراير

حديث ميونيخ الرئاسى!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 05:53 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

اتجاهات موضة الديكور في غرف الطعام هذا العام

GMT 06:16 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

ضغوط مختلفة تؤثر على معنوياتك أو حماستك

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 22:55 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:05 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen