آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

بين صعود تيريزا ماي… وهزالة فرنسا

اليمن اليوم-

بين صعود تيريزا ماي… وهزالة فرنسا

بقلم/خيرالله خيرالله

تبحث فرنسا عن زعيم يعيد الحياة إليها، كما يعيد الحياة إلى الاتحاد الأوروبي، فيما وجدت بريطانيا زعيما، بات معتمدا لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفي دول الخليج العربي.

بدعوتها إلى انتخابات مبكرة، تظهر تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية أنّها تمتلك حسّا سياسيا مرهفا وبعد نظر، كما تعرف استغلال الفرص، بل انتهازها.

تعدّ تيريزا ماي بلدها، المملكة المتحدة، لما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي وللهزات التي يبدو أنّ أوروبا ستتعرض لها قريبا، خصوصا في حال حصول مفاجأة كبيرة في فرنسا ووصول شخص يميني متطرف مثل مارين لوبن… أو يساري ساذج مثل جان لوك ميلونشون إلى قصر الإليزيه.

ما يجمع بين اليميني المتطرّف واليساري الساذج في فرنسا هو ذلك العداء للاتحاد الأوروبي والرغبة في الخروج منه، تماما كما حصل في بريطانيا حيث صوت أهل الريف مع “بريكست”، أي مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فعلت أكثرية أهل الريف ذلك بسبب الجهل والشعارات التي أطلقها اليمين المتطرف الذي صوّر للبريطانيين أن هناك موجة هجرة إلى المملكة لا بدّ من وضع حد لها على وجه السرعة.

بعد قرارها بإجراء انتخابات مبكرة في الثامن من حزيران – يونيو المقبل، بدل الانتظار إلى السنة 2020، لم تعد تيريزا ماي، التي خلفت ديفيد كاميرون في موقع رئيس الوزراء قبل أقلّ من سنة، تلك الشخصية السياسية التي لا طعم لها ولا رائحة والتي جاءت بها الصدفة إلى السلطة. قرّرت أن تكون سياسيا ينقض على الفرص وأن تبني زعامة خاصة بها، أي أن تقود حزب المحافظين إلى انتصار انتخابي كبير مستفيدة قبل كل شيء من حال الانهيار التي يعاني منها حزب العمال بزعامة جيريمي كوربن.

يحصل ذلك فيما الحزب الثالث الذي كان في مرحلة معيّنة يلعب دورا على الساحة السياسية البريطانية، أي حزب الأحرار الديمقراطيين، في حال يرثى لها. أمّا اليمين المتطرف، فيبدو وكأن الأرض انشقت وبلعته بعد النجاح الذي حققه في الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي في حزيران – يونيو من العام الماضي.

دفع اليمين المتطرّف ثمن الأكاذيب التي أطلقها والتي شجعت على تصويت الأكثرية بـ“نعم” للخروج من الاتحاد الأوروبي، من دون خطة واضحة لما بعد هذا الخروج المكلف.

لم تعد أوروبا أوروبا. جاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي استغرق بناؤه ستين عاما ليوجه ضربة قوية إلى فكرة ربط الدول والشعوب الأوروبية ببعضها البعض عبر شبكة مصالح اقتصادية وسياسية، وذلك كي تكون هناك على خارطة العالم قوة ذات وزن.

من الواضح أن تيريزا ماي اتخذت قرارها ببناء زعامة سياسية بإجراء الانتخابات المبكرة، فيما عينها على ما يجري في فرنسا أيضا. تريد، على الصعيد الداخلي، امتلاك أكثرية مريحة والتخلص من النواب المحافظين الذين مازالوا يعادون الخروج من الاتحاد الأوروبي فضلا عن القضاء على فرص حزب العمال، المنقسم على نفسه أكثر من أيّ وقت، بالعودة إلى الحكم.

تدرك رئيسة الوزراء البريطانية أن لا تماسك أوروبيا بعد الآن. انضمت المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي في العام 1973 في وقت لم يكن أمامها من خيار آخر غير ركوب هذا القطار.

كانت المملكة المتحدة تفقد في تلك المرحلة مواقعها على الخارطة العالمية بعدما انسحبت من منطقة الخليج ومن كلّ شرق السويس، بما في ذلك عدن (في العام 1967) وباشرت إعادة تموضعها اقتصاديا.

كان الخوف البريطاني الدائم من ذلك الحلف الألماني – الفرنسي الذي بدأ يتكوّن بعد حرب السويس في العام 1956 والذي جعل من المملكة المتحدة مجرّد تابع للسياسة الأميركية.

بعد خسارة بريطانيا وفرنسا لحرب السويس التي لم تكن سوى مغامرة طائشة شاركتهما فيها إسرائيل، اتجهت فرنسا نحو أوروبا فيما لاذت بريطانيا بأميركا. أما إسرائيل ففهمت باكرا معنى خوض مثل هذا النوع من المغامرات من دون التنسيق الكامل مع الولايات المتحدة.

لا شك أن بريطانيا تحتاج حاليا إلى زعيم قوي، فيما أوروبا كلّها وفرنسا على وجه الخصوص في مرحلة مخاض ليس معروفا كيف ستخرج منها. ففرنسا كانت دائما في قلب أوروبا. راهن الفرنسيون باكرا على فكرة الاتحاد الأوروبي الذي بدأ باتفاقات ذات طابع اقتصادي في العام 1957 بين ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ودول الـ“بنيلوكس” الثلاث (بلجيكا، هولندا، لوكسمبور).

هناك نجم سياسي يصعد في بريطانيا. تأتي الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي موعد الدورة الأولى فيها الأحد المقبل لتزيد حاجة بريطانيا إلى زعامة تنظم عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي من جهة، وتخلق دورا جديدا للمملكة المتحدة على صعيد الاقتصاد العالمي من جهة أخرى.

هناك مرشحون عدة في الانتخابات الفرنسية. لا يمكن الاطمئنان إلى أيّ من هؤلاء، باستثناء إيمانويل ماكرون، ربّما، الذي يبدو قادرا على انتشال الاقتصاد من حال الركود التي يعاني منها. لكن ماكرون أظهر في بعض المناسبات غيابا في النضج السياسي. من بين هذه المناسبات الكلام الذي صدر عنه خلال زيارة للجزائر وبدا فيه وكأنه يعاني من عقدة معيّنة تجاه ذلك البلد الذي لم يحسن استغلال الفرص التي توفرت له بعد الاستقلال.

صحيح أن الاستعمار الفرنسي ارتكب جرائم في الجزائر، لكنّ الصحيح أيضا أن البلد مستقل منذ العام 1962 وأن من المعيب بقاء فرنسا أسيرة عقدة الجزائر بأي شكل من الأشكال وفي أي ظرف من الظروف.

في كل الأحوال، تبحث فرنسا عن زعيم يعيد الحياة إليها، كما يعيد الحياة إلى الاتحاد الأوروبي، فيما وجدت بريطانيا زعيما، بات معتمدا لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفي دول الخليج العربي. سيساعدها ذلك في مواجهة مرحلة الخروج من الاتحاد الأوروبي وإيجاد الفرص التي تسمح بالحدّ من الخسائر الناجمة عن “بريكست”.

إذا كانت الانتخابات الرئاسية الفرنسية كشفت أمرا، فهي كشفت كم أن الطبقة السياسية الفرنسية هزيلة. يمكن أن يأتي إلى الإليزيه رئيس معقول مثل فرنسوا فيون أو إيمانويل ماكرون، كما يمكن أن يأتي شخص مثل مارين لوبن وحتّى اليساري جان لوك ميلونشون. أيا يكن هذا الرئيس الجديد، فإن فرنسا التي أضاعت فرصة آلان جوبيه لن تستعيد وزنها التاريخي قريبا، لا في أوروبا ولا خارج أوروبا. ستكون لأزمتها انعكاسات قويّة على أوروبا كلّها.

تلك هي الرسالة التي يبدو أن تيريزا ماي تلقّفتها سريعا، فكانت دعوتها إلى الانتخابات المبكرة التي يمكن أن تسمح لها بالبقاء في موقع رئيس الوزراء حتّى السنة 2022.

الفارق بين فرنسا وبريطانيا أن الأولى في حال ضياع على كل صعيد، فيما الثانية تحاول التقاط أنفاسها. هناك سياسيون يصنعون الفارق دائما.

لا تزال فرنسا تبحث عن ضالتها منذ خرج جاك شيراك من الإليزيه قبل عشر سنوات، فيما يبدو أن بريطانيا وجدت في شخص تيريزا ماي منقذا، أو مشروع منقذ، هي في أشدّ الحاجة إليه…

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين صعود تيريزا ماي… وهزالة فرنسا بين صعود تيريزا ماي… وهزالة فرنسا



GMT 12:54 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

الجيش اللبناني ما له وما له

GMT 10:16 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

إضراب فرنسا

GMT 05:03 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

لا يليق التذكّر

GMT 08:18 2019 الإثنين ,20 أيار / مايو

أميركا والسعودية وإيران و«الانقلاب الكبير»

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

أيضاً... أحلى السرد أكذبه
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 05:53 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

اتجاهات موضة الديكور في غرف الطعام هذا العام

GMT 06:16 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

ضغوط مختلفة تؤثر على معنوياتك أو حماستك

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 22:55 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:05 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 16:11 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برجفي كانون الأول 2019

GMT 15:05 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الخطيب يعلن نيته تحصين الأهلي من سيطرة رجال الأعمال

GMT 13:20 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مليشيا الحوثي تقصف عشوائيا قرى مريس بالضالع

GMT 19:02 2016 الخميس ,17 آذار/ مارس

النني .. مدفعجي أرسنال الجديد

GMT 19:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

اخبار جيدة ورابحة في هذا الشهر
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen