آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

الأزمة الإيرانية في العراق

اليمن اليوم-

الأزمة الإيرانية في العراق

بقلم : خير الله خير الله

تستطيع إيران أن تهدم. تستطيع تغيير طبيعة مدن ومناطق عراقية عن طريق عمليات تطهير ذات طابع مذهبي. تستطيع الاستعانة بداعش كي تقضي على مدينة عريقة مثل الموصل. لكن ذلك كله لا يعني أن لديها مستقبلا في العراق.

باستثناء ثابت واحد، لا أحد يستطيع الإجابة عن سؤال في غاية البساطة: ماذا يجري في العراق؟

الثابت الوحيد أن إيران غير راضية عن نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في الثاني عشر من أيّار – مايو الماضي وهي مصرّة على أن يكون العراق مستعمرة تدارُ من طهران، على الرغم من أن ذلك مخالف للطبيعة بكل المقاييس. نفذت إيران انقلابا على نتائج الانتخابات العراقية بغية تحقيق غرضها.

يعود ما نشهده اليوم من فوضى على كلّ صعيد إلى أن فصول الانقلاب الإيراني تتوالى بسرعة، وصولا إلى البحث في تمديد ولاية مجلس النواب الحالي. هذا يعني صراحة فشلا ذريعا للنظام السياسي القائم الذي أسس له الاجتياح الأميركي في العام 2003.

أكثر من ذلك، لم يستطع الاجتياح الأميركي تحقيق أي هدف من الأهـداف المعلنة التي تحدّث عنهـا الرئيس جورج بوش الابن وكبار المسؤولين في عهده، على رأسهم ديك تشيني الذي نظّر لقيام عراق جديد على أنقاض النظام الذي كان قائما. فبعد مرور خمسة عشر عاما على سقوط نظام صدّام حسين، لا يزال العراق يبحث عن نفسه.

 لم يطرأ أي تحسن على الوضع العراقي في غضون خمسة عشر عاما. كل ما هو مطروح في الوقت الراهن، منذ بدأ التشكيك بنتائج الانتخابات بما في ذلك إحراق قسم من صناديق الاقتراع، يؤسس لحرب أهلية وليس لقيام دولة المؤسسات التي وعد بها الأميركيون. أطلق المسؤولون في إدارة بوش الابن كل أنواع الوعود في سياق تبريرهم للحرب على العراق التي بدأت في آذار – مارس 2003 وتوجت بإسقاط تمثال صدّام في التاسع من نيسان – أبريل، ثم بفرار الرجل واعتقاله في مخبأ تحت الأرض وصولا إلى إعـدامه من منطلق مذهبي ضيّق مرتبط برغبة “حزب الدعوة الإسلامية” في الانتقام.

وعدت الولايات المتحدة بأن يكون العراق نموذجا لما يفترض أن تكون عليه دول المنطقة، أي دولا ديمقراطية لا تمييز فيها بين مواطن وآخر. تبيّن مع مرور الوقت كم كانت أميركا وشريكتها في الحرب، بريطانيا، تجهلان ما هو العراق. كان الاعتقاد السائد أن بريطانيا تعرف كلّ شاردة في جنوب العراق، خصوصا التركيبة العشائرية في تلك المنطقة التي وضعت تحت إشرافها. ما كشفته طريقة تصرّف البريطانيين في جنوب العراق أنهم لا يعرفون شيئا لا عن تلك المنطقة ولا عن مدى التغلغل الإيراني في العراق.

ليس الانقلاب الذي نفذته إيران في العراق، على نتيجة الانتخابات تحديدا، سوى تعبير عن رفضها الاعتراف بالواقع المتمثل في أن العراق لا يمكن أن يُحكم من طهران. تبدو إيران في الوقت الحاضر أقرب إلى طفل انتزعت منه لعبة أو دمية كانت بين يديه. هذا ما يفسّر إلى حد كبير تلك التصرفات الصبيانية التي في أساسها رفض الاعتراف بأن العراق هو العراق وإيران هي إيران. لم تقبل إيران واقعا متمثلا في أن العراق لا يمكن أن يكون لعبة لديها، أو مجرّد دمية، وذلك على الرغم من أنّها كانت المنتصر الوحيد في الحرب الأميركية التي اتخذ بوش الابن قرارا بشنّها استنادا إلى مبررات أقل ما يمكن أن توصف به أنّها واهية.

حسنا، لم يكن صدّام حسين قدّيسا. كان ديكتاتورا بكلّ معنى الكلمة. كذلك لم يكن معروفا أن لديه أي ثقافة سياسية من أيّ نوع، باستثناء ثقافة القمع وإلغاء الآخر والجهل التام بموازين القوى الإقليمية والدولية. من لديه الحدّ الأدنى من الوعي السياسي لا يذهب إلى احتلال الكويت، ثمّ يسعى إلى التفاوض مع الولايات المتحدة من منطلق أنّه في مركز قوّة.

لكن ما لا بدّ من الاعتراف به أن قسما لا بأس به من العراقيين يترحّم حاليا على نظام صدام. هذا هو للأسف الواقع الذي لا مفرّ من الاعتراف به من دون مواربة، على الرغم من كل ما ارتكبه الرئيس الراحل من أخطاء. ترتقي أخطاء صدّام إلى مستوى الكارثة، وذلك بدءا بعدم معرفته بأنه كان لا بد من إيجاد طريقة لتفادي الحرب مع إيران في العام 1980 بدل الذهاب بعيدا في الردّ على استفزازات نظام يحتقر جيرانه العرب من منطلق مذهبي. إنه نظام كان يتمنى أصلا مثل هذه الحرب كي يبعد الجيش عن داخل المدن.

في كل الأحوال، تحصد إيران حاليا في العراق ما زرعته بعدما اعتبرت أن أميركا خاضت حربا من أجلها. صحيح أن الإدارة الأميركية سلّمت العراق على صحن من فضّة إلى إيران، لكنّ الصحيح أيضا أن إيران لم تعرف ما تفعله بانتصارها. ظهر بوضوح أن العراق ليس لقمة سهلة يمكن ابتلاعها على الرغم من كل التسهيلات الأميركية التي مهدت للانتصار الإيراني.

 جاءت هذه التسهيلات في عهد بوش الابن عندما قرّر بول بريمر حلّ الجيش العراقي، ثم إقامة مجلس الحكم على أسس مذهبية وطائفية. استكمل باراك أوباما مسلسل التسهيلات عندما قبل الانسحاب عسكريا من العراق وتثبيت رجلها نوري المالكي رئيسا للوزراء للمرّة الثانية إثر انتخابات العام 2010 التي حلت فيها قائمة إياد علاوي في المرتبة الأولى.

لم يعد العراق كما كان في الماضي القريب مصدرا لتمويل الميليشيات المذهبية التي ترعاها إيران في كل أنحاء المنطقة. كشفت الانتخابات الأخيرة أن البلد ليس مفلسا فحسب، بل أن لا أحزاب سياسية فيه أيضا قادرة على أن تكون في مستوى الأزمة الداخلية التي يعاني منها العراق.

لا يمكن حلّ الأزمة الإيرانية في العراق بتحالف مخالف للمنطق بين مقتدى الصدر وهادي العامري، وذلك كي تتمكن إيران من القول إنّ في استطاعتها استيعاب نتائج الانتخابات ومرحلة ما بعد الانتخابات. كذلك، لا يمكن لإيران أن تجد لنفسها مخرجا عبر نسف كلّ ما نتج عن الانتخابات. فإذا كان من معنى للتقدّم الذي حققته قائمة “سائرون” التي تزعمها مقتدى الصدر، فإن هذا المعنى يكمن في وجود رغبة لدى العراقيين في الخروج من تحت الهيمنة الإيرانية، حتّى لو كان ذلك عبر دعم مقتدى الصدر بكل ما يمثله ماضيه على صعيد التعاطي مع إيران وتنفيذ مآربها.

فوق ذلك كلّه، لا وجود لإدارة أميركية على استعداد لمساعدة إيران في العراق، خصوصا بعد إعلان دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني.

في ظلّ هذه المعطيـات، انكشفـت إيران في العراق. تستطيع إيران أن تهدم. تستطيع تغيير طبيعة مدن ومناطق عراقية عن طريق عمليات تطهير ذات طابع مذهبي. تستطيع الاستعانة بـ“داعش” كي تقضي على مدينة عريقة مثل الموصل. لكن ذلك كله لا يعني أنّ لديها مستقبلا في العراق… هذا إذا كان للعراق مستقبل ما غير الذهاب إلى حرب أهليـة.

ستقضي مثل هـذه الحرب على ما بقي من بلد كان في يوم من الأيّام، أي قبل العام 1958 ومجيء العسكر ثم البعث إلى السلطة، يمثل حالة فريدة في المنطقة. كان يمثل ذلـك بفضل النسيج الاجتمـاعي في مدنه وما يمتلك من ثروات… وبفضل جامعاته التي كانت من بين الأفضل في المنطقة كلّها.

المصدر :جريدة العرب

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأزمة الإيرانية في العراق الأزمة الإيرانية في العراق



GMT 04:53 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتانياهو يعمل لنفسه فقط

GMT 04:52 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حروب الاستديوهات

GMT 04:50 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور سعيد إسماعيل على.. وجدوى الكتابة

GMT 04:48 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل الثورتين

GMT 04:46 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الأراجوز في اليونسكو..
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 05:53 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

اتجاهات موضة الديكور في غرف الطعام هذا العام

GMT 06:16 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

ضغوط مختلفة تؤثر على معنوياتك أو حماستك

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 22:55 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:05 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 16:11 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برجفي كانون الأول 2019

GMT 15:05 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الخطيب يعلن نيته تحصين الأهلي من سيطرة رجال الأعمال

GMT 13:20 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مليشيا الحوثي تقصف عشوائيا قرى مريس بالضالع

GMT 19:02 2016 الخميس ,17 آذار/ مارس

النني .. مدفعجي أرسنال الجديد

GMT 19:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

اخبار جيدة ورابحة في هذا الشهر
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen