آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

"حماس" والإفلاس

اليمن اليوم-

حماس والإفلاس

بقلم : خير الله خير الله

كيف يمكن لـ"حماس" الاقتناع بأن صواريخها تصب في خدمة إسرائيل وتجويع الشعب الفلسطيني وأن عليها أن تتنحى وتترك شؤون القطاع لغيرها، بالتنسيق مع مصر طبعا، في انتظار إعادة تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية.

شعب غزة يدفعون ثمن إفلاس حماس

تتصرّف حركتا “حماس” و“الجهاد الإسلامي” في غزة وكأن شيئا لم يحدث منذ نصف قرن زائدا سنة واحدة.

قبل واحد وخمسين عاما كانت هزيمة 1967. بعد مرور كلّ هذا الوقت، هناك من يريد أن يتعلم وهناك من لا يريد أن يتعلّم. لو أرادت “حماس”، ومعها “الجهاد”، أن تتعلم شيئا من تجارب الماضي القريب، لكانت تصرفت بطريقة مختلفة من أجل رفع الحصار الظالم عن غزة. نعم، إنه حصار ظالم مستمر منذ ما يزيد على عشر سنوات. المطلوب كسره اليوم قبل غد، بدل توفير كلّ المبررات المطلوبة إسرائيليا لاستمراره.

قبل كلّ شيء، لن تساعد “سفينة الحرّية” التي انطلقت من غزّة في اتجاه قبرص وعليها مرضى وطلاب يريدون الالتحاق بجامعاتهم في فكّ الحصار. لا يفكّ الحصار سوى عودة إلى المنطق. يقول المنطق إنّ إطلاق الصواريخ من غزة في اتجاه إسرائيل لا يخدم سوى بنيامين نتانياهو، مثلما أن ذلك خدم في الماضي أرييل شارون الذي قرّر صيف العام 2005 الانسحاب من كل غزة، بغية الإمساك بطريقة أفضل بالضفة الغربية والقدس الشرقية تحديدا. هذا ما أكّده دوف فايسغلاس في حديث طويل نشرته صحيفة “هآرتس” يشرح فيه الأسباب التي دفعت شارون إلى اتخاذ قـرار بالانسحاب من كل غزة وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية المقامة في القطاع. كان فايسغلاس، وهو محام، مديرا لمكتب شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتذاك. قال، بكل وضوح، إن الهدف من الانسحاب من غزة هو التفرّغ للضفّة الغربية وتكريس الاحتلال للجزء الأكبر منها في وقت كان معروفا تماما أن إسرائيل غير معنيّة أصلا باحتلال غزة، وكانت مستعدة في كل وقت للانسحاب منها وتركها فريسة للبؤس.

من بين أهمّ ما حققه ياسر عرفات عندما وفّر الغطاء المطلوب لاتفاق أوسلو في العام 1993، الإصرار على صيغة “غزة وأريحا أوّلا”، أي على ألا تقتصر بداية الانسحاب الإسرائيلي على القطاع، بل على أن يكون هناك أيضا انسحاب من الأرض في الضفّة الغربية في الـوقت ذاته. كان هناك إصرار لدى “أبوعمار” على الربط بين الضفة الغربية وغزة. كل ما فعلته “حماس” منذ استيلائها على غـزة يتمثّل في تنفيذ ما تريده إسرائيل التي تمنت دائما أن يأخذ البحر غـزة ويبتلعها بمن فيها. ليس الحصار الذي شجعت عليه “حمـاس” في مرحلة معيّنة سوى ترجمة لهذا التفكير الإسرائيلي.

الأكيد أن فكّ الحصار عن غزة لا يكون بالتصعيد، خصوصا بإطلاق الصواريخ. هناك واقع لا مفرّ من الاعتراف به. يتمثّل هذا الواقع في أن “حماس” وقعت في الفخّ الإسرائيلي عندما وفّرت كل التبريرات كي يقف العالم متفرّجا على مأساة غزة. تريد “حماس” تحويل غزّة قاعدة لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر أو من النهر إلى البحر، لا فارق. في الواقع، صارت “حماس” تريد اليوم، كما أرادت في السنوات القليلة الماضية، التوصّل إلى هدنة طويلة المدى مع إسرائيل، تثبت من خلالها شرعيتها كطرف مسؤول عن إدارة القطاع الذي حوّلته إلى “إمارة إسلامية” على الطريقة الطالبانية، نسبة إلى طالبان. في مقابل الهدنة، تريد “حماس” في ضوء فشل مشروعها، خصوصا بعد التغيير الكبير الذي حصل في مصر عام 2013، فكّ الحصار عن القطاع. هل هذه معادلة قابلة للحياة؟ هل سلاحها يردع إسرائيل ويقيم توازنا معها يسمح بالتفاوض في شأن الهدنة الطويلة؟

كلمة واحدة تختزل ما فعلته "حماس" في غزة. الكلمة هي الإفلاس. لا خروج من الإفلاس باعتماد سياسة الهرب إلى أمام، أي إلى حرب مع إسرائيل خاسرة سلفا. الخروج من الإفلاس يعني الاعتراف بالفشل

صحيح أن إسرائيل ستحصل، بفضل الهدنة الطويلة، على جزء مما تريد، أي على تكريس الانفصال بين الضفّة الغربية وغزّة، لكن الصحيح أيضا أن ليس ما يضمن خلال الهدنة التي تطمح “حماس” إليها عدم وصول مزيد من الصواريخ الأكثر تطوّرا إلى القطاع. أضف إلى ذلك، أن “حركة الجهاد الإسلامي” التي شاركت في جولة الصواريخ الأخيرة التي أطلقت في اتجاه الأراضي الإسرائيلية مرتبطة عضويا بإيران. 

قرارها إيراني مئة في المئة، في حين أن النفوذ الإيراني داخل “حماس” موسمي ويعتمد على حسابات من نوع آخر أكثر تعقيدا. باختصار شديد، لا يسمح ميزان القوى القائم بالوصول إلى هدنة طويلة. هذا يعني أن هناك خطأ أساسيا تقوم عليه كلّ حسابات “حماس” التي لم تتعلّم شيئا من مدرسة الواقع، بل ما زالت تعيش في ظلّ أوهام الأفكار التي يروّج لها الإخوان المسلمون التي هي جزء لا يتجزأ منهم.

يفترض في “حماس” البحث عن طريقة أخرى لإخراج غزّة من الحصار الذي لم يعد يناسبها كما كانت عليه الحال في الماضي. لم يعد هذا الحصار، الذي غيّر طبيعة المجتمع الغزّاوي، يفيدها في هذه المرحلة في ظل الوضع الاجتماعي الذي يهدد بانفجار داخلي، وفي ظل حاجتها إلى بقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع مصر. لم يعد في استطاعة “حماس” تحويل غزّة قاعدة خلفية للإخوان المسلمين في مصر، كما كانت عليه الحال قبل سنوات.

ليس مطلوبا من “حماس”، في حال كانت تريد بالفعل فكّ الحصار عن غزّة، الاستسلام لإسرائيل. كلّ ما عليها عمله هو أن تتذكّر أنّ في العالم شيئا آخر غير الصواريخ والسلاح والأنفاق، حتّى في غياب سلطة وطنية فلسطينية منهمكة حاليا في ترتيب مرحلة ما بعد “أبومازن”. وهذا ما كشفه الاجتماع الذي عقده أخيرا في واشنطن مدير الاستخبارات الفلسطينية في الضفة الغربية ماجد فرج مع وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الذي كان قبل ذلك مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. إي).

هناك طريق للعودة إلى المنطق والواقعية الذي يعني، أوّل ما يعني، أنّ الشعارات التي رفعتها “حماس” والتي ترفعها معها “الجهاد الإسلامي” تجلب البؤس ولا تطعم الغزاويين خبزا. يكفي أن تتذكر “حماس” أنّها تستطيع إعادة عقارب الساعة إلى خلف، أي إلى الأيّام التي كان فيها مطار غزّة يعمل، إلى الأيام التي زار فيها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون القطاع في العام 1998 وقصّ بنفسه الشريط إيذانا بتدشين المدرج الأساسي لمطار غزّة. كان ذلك قبل عشرين عاما فقط. لم يكن هناك حصار. كانت هناك رغبة دولية في مساعدة القطاع.

هناك كلمة واحدة تختزل ما فعلته “حماس” في غزّة. الكلمة هي الإفلاس. لا خروج من الإفلاس باعتماد سياسة الهرب إلى أمام، أي إلى حرب جديدة مع إسرائيل خاسرة سلفا. الخروج من الإفلاس يعني، أول ما يعني، الابتعاد عن المكابرة والاعتراف بالفشل وتوفير مزيد من العذابات على الشعب الفلسطيني.

 لا يزال هناك فلسطينيون، هدم القصف الإسرائيلي بيوتهم، يقيمون في العراء منذ حرب أواخر العام 2008. كيف يمكن لـ”حماس” الاقتناع بأن سلاحها وصواريخها تصبّ في خدمة إسرائيل وتجويع الشعب الفلسطيني وأن عليها أن تتنحى وتترك شؤون القطاع لغيرها، بالتنسيق مع مصر طبعا، في انتظار إعادة تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية. هل من مخرج آخر لفكّ الحصار بدل بقاء “حماس” في أسر الفكر الإخواني الذي تدّعي أنها تخلصت منه قبل عام لكنه لا يزال في الواقع يتحكم بكل سلوكها؟

المصدر : جريدة العرب

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حماس والإفلاس حماس والإفلاس



GMT 04:53 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتانياهو يعمل لنفسه فقط

GMT 04:52 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حروب الاستديوهات

GMT 04:50 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور سعيد إسماعيل على.. وجدوى الكتابة

GMT 04:48 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل الثورتين

GMT 04:46 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الأراجوز في اليونسكو..
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 05:53 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

اتجاهات موضة الديكور في غرف الطعام هذا العام

GMT 06:16 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

ضغوط مختلفة تؤثر على معنوياتك أو حماستك

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 22:55 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:05 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 16:11 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برجفي كانون الأول 2019

GMT 15:05 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الخطيب يعلن نيته تحصين الأهلي من سيطرة رجال الأعمال

GMT 13:20 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مليشيا الحوثي تقصف عشوائيا قرى مريس بالضالع

GMT 19:02 2016 الخميس ,17 آذار/ مارس

النني .. مدفعجي أرسنال الجديد

GMT 19:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

اخبار جيدة ورابحة في هذا الشهر
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen