آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

أوروبا في مهب الريح

اليمن اليوم-

أوروبا في مهب الريح

بقلم/خيرالله خيرالله

في غياب القدرة على تكوين فهم جماعي لخطورة الميليشيات المذهبية الإيرانية التي تشكل الوجه الآخر للعملة الواحدة المسماة الإرهاب المتلطي بالدين، تبدو أوروبا وكأنها تبحث عن نفسها.

ليست فرنسا وحدها التي تبدو في حال يرثى لها. يكفي عرض تاريخ الشخصيات المشاركة في السباق الرئاسي فيها والفضائح المتتالية التي طاولت هؤلاء للتأكد من كون الحياة السياسية في فرنسا هزلت إلى حدّ كبير. أكثر من ذلك، كلّ مستقبل أوروبا يبدو في مهبّ الريح في حال استطاعت مارين لوبن، مرشّحة اليمين المتطرّف والمعـادية للفكـرة الأوروبية الـوصول إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية. ما بناه الجنرال شارل ديغول وآخرون، من أمثال المستشار الألماني كونراد أديناور، حجرا حجرا، ينهار هذه الأيام بعدما تبين أن جاك شيراك كان آخر الكبار الذين حكموا فرنسا.

بدأت تتبلور الفكرة الأوروبية إثر توقيع اتفاق رومـا في الخامس والعشرين من مارس من العام 1957. اجتمع الزعماء الأوروبيون في روما السبت الماضي للاحتفال بالذكرى، التي يمكن أن تتعرّض لهزّات قويّة في المستقبل القريب. كانت الخطوة الأولى لإقامة أوروبا الواحدة قبل ستين عاما بالتمام والكمال. قامت بموجب الاتفاق الموقّع في روما لإنشاء المجموعة الاقتصادية الأوروبية التي هدفها توحيد الشعوب الأوروبية وإقامة كيان واحد في المدى الطويل. ضمّت المجموعة في البداية ست دول هي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ.

ما لبثت المجمـوعة الاقتصـادية أن تحوّلـت إلى الاتحـاد الأوروبي الذي بات يضمّ 27 دولـة بعد انسحاب بريطانيا الصيف الماضي إثر استفتاء شعبي تولت التمهيد له مجمـوعة من السياسيين الفـاشلين الذين رفعوا شعارات ذات طابع عنصري. كان من بين هذه الشعارات، التي صدّقها المواطنون السذّج، أن الحدود المفتوحة بين الدول الأوروبية ستؤدي إلى إغراق بريطانيا باللاجئين الآتين من سوريا وبمواطنين من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

جاء توسيع الاتحاد الأوروبي على دفعات. كانت كرواتيا آخر الدول التي انضمت إلى الاتحاد في الأوّل من يوليو 2013. تكمن المفارقة في أنّ المملكة المتحدة، التي تضمّ بريطانيا، لعبت دورا أساسيا في توسيع الاتحاد الأوروبي كي يشمل دولا أخرى مثل بلغاريا ورومانيا أو ليتوانيا ولتونيا وإستونيا وتشيكيا وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا. كان الهدف البـريطاني تذويب النفـوذ الذي كـان يمكـن أن يمارسه الثنائي الألماني- الفرنسي لا أكثر.

إلى أين تتجه أوروبا الآن؟ الأكيد أن الوضع في دولها ليس على ما يرام. استطاعت هولندا قبل أسابيع قليلة تجاوز كارثة وصول اليمين المتطرّف إلى السلطة، لكنّ المشكلة الأكبر تبقى فرنسا والانتخابات الرئاسية فيها. ليس بين المرشّحين من يمكن التعويل عليه في أيّ مجال من المجالات. فرنسا التي أعاد شارل ديغول الحياة إليها انتهت إلى غير رجعة. كان آلان جوبيه يمثّل الأمـل الأخير في التقـاط الأنفـاس الفرنسية، لا لشيء سوى لأنّه يمتلـك ما يكفي من الخبرة للخروج من المستنقع الذي غرق فيه البلد منذ وصول نيكولا ساركوزي إلى السلطة خلفا لجاك شيراك. ما عجز ساركوزي عن تحقيقه، أكمله فرنسوا هولاند الذي قضى على الاقتصاد وجعل أصحاب رؤوس الأمـوال يغادرون البلد إلى غير رجعة.

كانت فرنسا قصّة نجاح بعدما صالحها ديغول مع نفسها أوّلا. عندما تولّى السلطة في العـام 1958 وأسس الجمهـورية الخـامسة، اخرج فرنسا أوّلا من الفوضى السياسية التي ميّزت الجمهورية الرابعة. استعان بأفضل الخبراء لوضع الأسس لدستور عصري يسمح لرئيس الجمهورية بأن يكـون رئيسا فعليـا للدولة. ذهب إلى أبعد من ذلك في الإصلاحات الاقتصادية وأحل “الفرنك الجديد” مكان الفرنك القديم الذي فقد الكثير من قيمته في ظلّ أزمة سياسية واقتصـادية مريعة ترافقت مع “حرب الجزائر”. أنهى ديغول الحرب في الجزائر التي استقلت في العام 1962، ثمّ باشر عملية إعادة الوزن لفرنسا وليس لعملتها فقط.

بين 1958 ونهاية عهد جاك شيراك في العام 2007، كانت فرنسا قوّة ذات وزن على الصعيدين الأوروبي والدولي. في أساس قوّة فرنسا نفوذها داخل الاتحاد الأوروبي وقدرتها على تحويل هذا الاتحاد إلى مركز ثقل عالمي على كلّ صعيد، خصوصا في إطار إيجاد توازن مع الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. لا شكّ أن ألمانيا تبقى الدولة الأوروبية الأهمّ لكن الحلـف الفرنسي- الألمـاني جعل أوروبا تمتلك وزنـا سياسيا واقتصـاديا، حتّى عنـدما انحازت بريطانيا كلّيا إلى الولايات المتحدة في عهدي مارغريت تاتشر وتوني بلير.

ستقرر الانتخابات الفرنسية ما إذا كانت أوروبا ستكون قادرة على التقاط أنفاسها واستعادة موقعها العالمي، خصوصا في ظلّ إدارة أميركية لا تقيم لها اعتبارا كبيرا. أكثر من ذلك، تشجّع إدارة ترامب على انفراط العقد الأوروبي. لم يخف الرئيس الأميركي الجديد موقفه من أوروبا في أي وقت. حرص على استقبال رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بعيد دخوله البيت الأبيض. بدا وكأنه يريد الاطمئنان إلى أن بريطانيا ستخرج نهائيا من أوروبا.

في غياب الموقف الموحّد من الإرهاب الذي ضرب أخيرا في لندن والذي تقف خلفه تنظيمات مثل “داعش”، وفي غياب القدرة على تكوين فهم جماعي لخطورة الميليشيات المذهبية الإيرانية التي تشكّل الوجه الآخر للعملة الواحدة المسمّاة الإرهاب المتلطي بالدين، تبدو أوروبا وكأنّها تبحث عن نفسها.

يُخشى أن يشكل وصول مارين لوبن إلى الرئاسة الفرنسية الضربة القاضية لأوروبا. نحن أمام امرأة مستعدة لاستفتاء على بقاء فرنسا في الاتحاد الأوروبي. هناك في الوقت ذاته عداء من لوبن للعملة الأوروبية (اليورو). ماذا سيحل بالاتحاد الأوروبي إذا أصبحت فرنسا خارجه.. أو إذا لم تعد ذلك العضو الفاعل فيه؟ يقع كلّ ما تؤمن به لوبن خارج السياق الذي جعل من فرنسا تستعيد موقعها الأوروبي والعالمي. هل تحصل أعجوبة في فرنسا قبل شهر من موعد الانتخابات؟

هذا ليس زمن الأعاجيب والمعجزات. من يتمعّن عميقا في صورة ما يدور على الصعيد العالمي، يكتشف أن “بريكسيت”، أي الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ليس حدثا معزولا. إنّه بداية أحداث أوروبية معروف كيف بدأت وليس معروفا كيف ستنتهي أو كيف يمكن أن تنتهي.

ليس الشرق الأوسط وحده الذي يتغيّر، بل أوروبا أيضا تتغيّر في غياب رجال كبار عرفوا كيف يعيدون للقارة القديمة أمجادها وإعادة بنائها بعد كلّ ما دمّرته الحرب العالمية الثانية. استطاع هؤلاء التعايش مع الحرب الباردة ومع التهديد الذي كان يمثّله الاتحـاد السوفياتي وفكره التوتاليتاري. ليس في أوروبا هذه الأيّام زعيم واحد يستطيع ان يسأل حتّى إلى أين يأخذ دونالد ترامب العـالم أو هل يمكن وضع حدّ للسياسات التي يمارسها فلاديمير بوتين الهارب الدائم من الأزمات الداخلية لروسيا إلى مناطق مختلفة في العالم مثل أوكرانيا أو سوريا؟

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا في مهب الريح أوروبا في مهب الريح



GMT 20:25 2021 الخميس ,01 تموز / يوليو

مرافَعةُ البطاركة أمام البابا

GMT 11:21 2021 الثلاثاء ,29 حزيران / يونيو

هل يبدأتصويب بوصلة المسيحيين في لقاء الفاتيكان؟

GMT 13:21 2021 السبت ,26 حزيران / يونيو

لبنان والمساعدات الاميركية للجيش

GMT 14:31 2021 الإثنين ,21 حزيران / يونيو

الحِيادُ هذا اللَقاحُ العجائبيُّ

GMT 23:33 2021 الخميس ,17 حزيران / يونيو

أخبار من اسرائيل - ١

GMT 16:22 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

أخبار عن بايدن وحلف الناتو والصين

GMT 17:50 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

المساعدات الخارجية البريطانية

GMT 07:38 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

أعداء المسلمين
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 05:53 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

اتجاهات موضة الديكور في غرف الطعام هذا العام

GMT 06:16 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

ضغوط مختلفة تؤثر على معنوياتك أو حماستك

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 22:55 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:05 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 16:11 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برجفي كانون الأول 2019

GMT 15:05 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الخطيب يعلن نيته تحصين الأهلي من سيطرة رجال الأعمال

GMT 13:20 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مليشيا الحوثي تقصف عشوائيا قرى مريس بالضالع

GMT 19:02 2016 الخميس ,17 آذار/ مارس

النني .. مدفعجي أرسنال الجديد

GMT 19:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

اخبار جيدة ورابحة في هذا الشهر
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen