آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

ماذا يبقى في سورية والعراق لترامب وبوتين؟

اليمن اليوم-

ماذا يبقى في سورية والعراق لترامب وبوتين

بقلم/جورج سمعان

باب التفاهم بين موسكو وواشنطن لم يقفل بعد. الغارة الصاروخية الأميركية على قاعدة الشعيرات لم تقطع الحبل نهائياً بينهما. لم تدفعهما إلى حافة الحرب الساخنة. لكن تكرارها قد يقربهما منها. يدرك الطرفان أن العلاقات بينهما تراجعت إلى أدنى مستوى، كما عبر الرئيس دونالد ترامب. لكنه هو نفسه يرغب في أن تقيم بلاده وحلف «الناتو» تفاهماً مع روسيا. وقال إن ذلك سيكون «أمراً رائعاً» لو استطاع إليه سبيلاً. وأعلن لاحقاً أن الأمور ستسير على ما يرام بين الطرفين. بعث برسالة واضحة مفادها أنه لن يخطو وحيداً في هذا الاتجاه. يريد تعزيز موقفه بتعميق تمسكه بشركائه في حلف شمال الأطلسي. لم يعد هذا الحلف بالياً كما صرح في حملته الانتخابية. بل هو «حضن للسلام والأمن العالميين». وجدد شراكته مع مصر والأردن أثناء لقائه زعيمي البلدين. ويتوجه وزير دفاعه جايمس ماتيس غداً إلى الشرق الأوسط في جولة على السعودية ومصر وإسرائيل وقطر لتعزيز هذه الشراكة مع حلفاء تقليديين. ولاقت مواقفه الجديدة من مستقبل الرئيس بشار الأسد وفكرة إقامة مناطق مستقرة، أو مناطق حظر طيران فوق سورية، ترحيباً في أنقرة التي أربكت موسكو بتقلباتها. لم يعد غائباً عن هذا البلد. بل بات حضور قواته وقوات حلفائه الكرد معيناً مهماً لبلاده في تأكيد كلمتها وموقعها. وقد يتعزز هذا الحضور مع الاستعدادات لتحريك قوات «الجبهة الجنوبية» التي رعاها البنتاغون والاستخبارات طويلاً منذ اندلاع الحرب.

لم ينقلب الرئيس ترامب على مواقف سلفه باراك أوباما من الأزمة السورية فحسب، بل انقلب هو نفسه على مواقفه السابقة من الأزمة، ومن قضايا عدة. وهذا ما شغل ويشغل حيزاً كبيراً في الوسط السياسي والاعلامي الأميركي والخارجي أيضاً. لعله رغب من وراء هذه التحولات تعزيز موقعه بمواجهة خصومه في الداخل. وطي صفحة ما يثار عن علاقات بعض أركان حملته الانتخابية ومساعديه مع روسيا. وتوكيد زعامته قائداً جديراً بثقة شعبه. وما سهل عليه هذه التحولات أنه ليس رجلاً عقائدياً. وهذا ما جعل بعضهم يقرأ تقلباته الجذرية والحادة مواقف مرحلية لا تندرج في إطار استراتيجية واضحة متكاملة. كما أن بعضهم أشاد بكفاءات رجال إدارته، كما فعل خصمه جون ماكين. ورأى بعض آخر في عدم تجانس هؤلاء عنصراً ايجابياً في جعل الرئيس «استراتيجي» نفسه، كما صرح في إحدى المناسبات.

لم يبدل ترامب موقفه من سورية وحدها. ولم يعزز هذا الموقف وحده سياساته الخارجية. فقد نجح في التقدم خطوات مع الصين. نجح في تحييدها للمرة الأولى، عن اللحاق بـ «الفيتو» الروسي، وامتنعت الاسبوع الماضي عن التصويت على مشروع القرار الغربي الخاص باستخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في خان شيخون. وهذا ما فعلته مصر أيضاً التي انحازت إلى مشروع القرار. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي حمل على سياسة إيران وتدخلاتها في شؤون العالم العرب، في خطابه أمام القمة العربية في البحر الميت. وهو ما كرره الملك عبد الله الثاني قبل أيام وأثار حملة إيرانية على الأردن. كما أن المواقف الجديدة للرئيس الأميركي من العراق أقلقت الجمهورية الإسلامية. فقد قرأت هذه في نتائج لقائه مع رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي تطلع واشنطن إلى استعادة دور في بلاد الرافدين تلاشى بعد انسحاب القوات الأميركية. وتخشى طهران أن تؤدي الحرب لتحرير الموصل إلى تعزيز حضور هذه القوات وبقائها معيناً للجيش العراقي الذي ترى إليه ميليشياتها في «الحشد الشعبي» الخصم الحقيقي لطموحات حلفائها السياسيين. مثلما تخشى أن يستغل البيت الأبيض الصراع بين القوى الشيعية لإقامة تحالفات جديدة في بغداد، وربما سلطة مختلفة بعد انتخابات السنة المقبلة، قد تعيد النظر في حضور الجمهورية الإسلامية وتأثيرها الطاغي. وتمهد لعودة دور أميركي راجح وواسع.

على رغم هذه التحولات للإدارة الجديدة في الأزمة السورية، وفي العلاقات مع الصين و»الناتو»، وإحياء التحالفات القديمة في الشرق الأوسط، لا يبدو أن الرئيس فلاديمير بوتين أسقط من حسابه إمكان التقارب مع أميركا. لم يقفل الباب، على رغم موقفه المتشدد من الضربة الأميركية. لم توح نتائج محادثات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مع المسؤولين الروس أن القطيعة واقعة لا محالة، أو أن البلدين يقتربان من مواجهة ميدانية مباشرة. لكن الكرملين هو الآخر يستعجل تعزيز تحالفاته بعد التحول الأميركي حيال سورية وتبدل صورة التحالفات في المنطقة. وجاء اللقاء الثلاثي لوزراء الخارجية الروسي والإيراني والسوري في موسكو رسالة صريحة أن روسيا قادرة هي الأخرى على بناء تحالف يصحح الخلل في ميزان القوى مع الولايات المتحدة. وكان لافتاً إعلان الخارجية الروسية قبل أيام تمسكها بقرارات الأمم المتحدة في شأن مبادىء التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين وحل الدولتين، (والقدس الغربية عاصمة للدولة العبرية والقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين في إطار مفاوضات مباشرة بين الطرفين وصيغة حل الدولتين). وبدا واضحاً أن موسكو تريد التأكيد على دورها في أي تسوية لهذه القضية، في وقت تسعى الإدارة الجديدة إلى إعادة إطلاق المفاوضات المتوقفة منذ ثلاث سنوات. وهي بذلك تقترب من موقف السلطة الفلسطينية التي كانت بعثت بصائب عريقات إلى موسكو حاملاً رسالة من الرئيس محمود عباس من أجل التدخل للحؤول دون نقل السفارة الأميركية إلى القدس. علماً أن الرئيس ترامب كان تراجع عن وعده بنقل السفارة، واعترض على مواصلة سياسة الاستيطان معتبراً أنها تعيق التسوية السلمية.

قد لا تكتفي موسكو بتمتين تحالفها مع إيران ودمشق. هناك الغرفة الأمنية أو اللجنة المشتركة في بغداد التي أقيمت إثر التدخل الروسي في سورية، وتضم العراق إلى «الحلفاء» الثلاثة. ويمكن تعميق التفاهم بين هذه الأطراف بدعم من إيران وميليشياتها. سعى وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى طمأنة نظيريه محمد جواد ظريف ووليد المعلم في لقائهم الثلاثي قبل أيام، بعد الضربة الأميركية. ونقل لهما أن الولايات المتحدة لن تكرر غاراتها. لكن اللقاء شكل أيضاً رسالة عملية لواشنطن أن الكرملين لن يرضخ لشروطها في تسوية الأزمة السورية. بل هو مصمم على تعزيز «التحالف الثلاثي» لعله يصحح بعض الخلل الذي أصاب ميزان القوى في الميدان السوري إثر الانخراط العسكري الأميركي المباشر. وينتظر من أميركا «الاقرار بالمتغيرات الدولية» وبشراكة كاملة، وبـ «استعادة روسيا مكانة القوة العظمى»، على حد تعبير لافروف. قبل ذلك يستحيل الجلوس والبحث عن تسوية أو صفقة، في ضوء الانقلاب الكبير في موقف الرئيس ترامب من مستقبل الرئيس الأسد. لم يعد الرئيس الروسي صاحب المفاجآت، ولا «الحرس الثوري» وحده قادر على الانتشار والتدخل، الرئيس الأميركي قادر بل هو الأقدر على المفاجآت وممارسة سياسة القوة، من قاعدة الشعيرات إلى «أم القنابل» في أفغانستان، إلى الأسطول المدجج بأحدث حاملة طائرات مستعدة لتأديب سيد كوريا الشمالية...
يبقى أن التفاهم المعول عليه بين موسكو وواشنطن عاجلاً أم آجلاً ربما تأخر وفات أوان امكان ترميمه خريطة «سايكس- بيكو» مجدداً. فلا مجزرة خان شيخون ولا مجزرة المهجرين من الفوعا وكفريا في حلب أول من أمس وقبلهما مجازر كثيرة، فضلاً عن «اتفاقات» التبادل السكاني، لئلا نقول التطهير المذهبي، توحي بأن سورية لا تزال عصية على التقسيم. بل إن ما يجري على أرض الواقع يرسخ صورة تقاسم المتصارعين لبلاد الشام. ولن يكون حظ العراق أفضل حيث لن ترضخ إيران لضغوط واشنطن وتقبل بتغيير قواعد اللعبة في هذا البلد. ومشهد المتسابقين على وراثة «داعش» من اللاعبين الكبار دوليين وإقليميين، يعززه سباق دموي بين مكونات العراق الطائفية والمذهبية والعرقية على توسيع مناطق انتشارها، كأن الخريطة السابقة زالت ولن تعود. قد لا يبقى شيء لإبرام صفقة أو تسوية هنا أو هناك. فلا أميركا ولا روسيا ولا إيران مستعدة لخوض مواجهة ميدانية مباشرة. تبقى هذه مهمة الوكلاء الذين يرسمون خرائط جديدة بالدم والتهجير والتطهير السكاني.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا يبقى في سورية والعراق لترامب وبوتين ماذا يبقى في سورية والعراق لترامب وبوتين



GMT 15:22 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

ڤيديو عمرو موسى!

GMT 04:27 2019 الجمعة ,15 شباط / فبراير

حتي في موسكو.. غابت الوحدة الفلسطينية!!

GMT 08:22 2019 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

إيران... الضربة آتية من الداخل

GMT 05:02 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

فرنسا تعيد رقصة الحلم العنيف

GMT 04:48 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

جنَّة السينيور مادورو
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 01:35 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

محمد بن زايد يطلق حزمة اقتصادية بـ 50 بليون درهم

GMT 03:07 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منة فضالي تؤكد أن العمل مع الفنانة بوسي ممتع ويغمره البهجة

GMT 01:45 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

غير الناطقين بالإنكليزية يتفوقون في برنامج التقييم الوطني

GMT 22:50 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مدير باريس للأساتذة يحث فيدرر على المشاركة في البطولة

GMT 21:49 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

أوملت البطاطا

GMT 21:58 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

غضب نسائي يطارد أحمد فهمي بسبب خيانة نيللي كريم

GMT 00:46 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

علي ربيع يكشف عن فيلم جديد يجمعه بنجم "مسرح مصر"

GMT 07:20 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

"الفراولة" أحدث موضة في قصات الشعر لعام 2018

GMT 03:20 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

توست مقلي بالبيض

GMT 21:00 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

8 جامعات إماراتية ضمن أفضل 40 جامعة عربية
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen