آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

إيران وصعوبة الرقص مع ترمب

اليمن اليوم-

إيران وصعوبة الرقص مع ترمب

بقلم - غسان شربل

على مدى أربعة عقود رقصت الثورة الإيرانية مع سبعة رؤساء تعاقبوا على مركز القرار في بلاد «الشيطان الأكبر». كانت الرحلة طويلة وشائكة وحافلة. شهدت تبادل ضربات وتخللتها هدنات ومفاوضات. مشهد الأميركيين رهائن في سفارة بلادهم في طهران. وتفجير السفارة الأميركية في بيروت. وركام مقر قيادة المارينز في العاصمة اللبنانية. وفضيحة إيران - الكونترا.
خلال هذه الفترة، تمكنت طهران من توظيف أحداث كبرى لصالحها. شكّل الغزو الإسرائيلي للبنان في 1982 فرصة لولادة «حزب الله». ووفّر إسقاط صدام حسين فرصة لتمكين الميليشيات التي ترعرعت في الحضن الإيراني وتوظيفها في خدمة إفشال الغزو الأميركي. وشكّل انسحاب القوات السورية من لبنان في أعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري فرصة لتتحول إيران اللاعب الأول على المسرح اللبناني وحاجة للنظام السوري المنسحب منه. وقدم «الربيع» اليمني فرصة لإيران نفذت منها إلى رعاية انقلاب الحوثيين واستيلائهم على عاصمة اليمن وترسانة جيشه الصاروخية.
ويمكن القول إن إيران عثرت في عهد باراك أوباما على فرصة غير مسبوقة. أبرمت اتفاقاً «نووياً» مع الدول الست، وبينها أميركا، بعدما نجحت في إبقاء هجومها الإقليمي الواسع خارج دائرة النقاش والتفاوض. وبدا واضحاً أن سريان الاتفاق يتيح لها توظيف العائدات المالية الوافدة بموجبه في خدمة هجومها الذي أعلنت أنه سهّل إلحاق أربع عواصم عربية بالفلك الإيراني.
من الخطأ الاعتقاد أن إيران تستطيع أن تستكمل مع الرئيس دونالد ترمب الرقصة نفسها التي نفذتها مع أسلافه الستة. لقد غيّر ترمب لغة التخاطب داخل أميركا وخارجها. في الداخل لغة التخاطب مع الحزب الآخر ووسائل الإعلام. وفي الخارج لغة التخاطب مع دول معادية أو منافسة أو حليفة. لهذا يبدو تكرار المشاهد السابقة صعباً وقليل الاحتمال حتى لا نقول مستحيلاً. هل يمكن مثلاً تكرار أزمة الرهائن ولو على أرض أخرى؟ وهل يمكن قيام وكيل إيراني بتفجير سفارة أميركية في العالم والمخاطرة بترك بصماته هناك؟ هل يمكن مثلاً تكليف فصيل عراقي باستهداف قاعدة التنف الأميركية بصاروخ إيراني أو تكرار تفجير السفارة الأميركية في بيروت؟ من المستبعد أن نرى مجدداً هذا النوع من المشاهد، والسبب هو أسلوب ترمب وصعوبة التكهن بردود فعله والمدى الذي يمكن أن يذهب إليه.
منذ تولي ترمب الحكم فقدت إيران قدرتها على المبادرة في العلاقات الشائكة. انتقلت الإدارة الأميركية إلى الهجوم وكأنها تسعى إلى تصحيح ما ارتكب من أخطاء في العهد السابق. كان خروج ترمب من الاتفاق الذي وقعه أوباما حدثاً كبيراً خصوصاً بعدما تبيَّن أن إيران لا تستطيع النوم على وسادة الوعود الأوروبية. أرفق الرئيس الأميركي خروجه بعقوبات تصاعدية بلغت حد التطلع إلى تصفير صادرات النفط الإيرانية. وفي موازاة ذلك شنت واشنطن حملة دبلوماسية غير مسبوقة رمت إلى إقناع العالم أن المشكلة مع طهران لا تنحصر في طموحاتها النووية، بل تشمل أيضاً وبالقدر نفسه سلوكها المزعزع للاستقرار في المنطقة عبر برنامجها الصاروخي وتحركات الميليشيات الموالية لها. وصل الأمر حد اعتبار إيران «الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم».
ولم يكن الهجوم الأميركي مجرد حملة إعلامية لتشويه الصورة. ألقت واشنطن ثقلها الاقتصادي في المعركة وصار على الدول أن تختار بين التعامل مع إيران والتعامل مع الولايات المتحدة. وأظهرت التجربة أن دولاً كثيرة وشركات كبرى اختارت الاحتفاظ بعلاقاتها مع الدولة صاحبة الاقتصاد الأول في العالم. وهكذا فرضت الإجراءات الأميركية على إيران قدراً من العزلة الدولية والإقليمية.
وسط توالي التقارير التي تفيد بأن الإجراءات الأميركية كانت موجعة هذه المرة جاء الحشد العسكري الأميركي ليدخل الأزمة في مرحلة أكثر حساسية. أعلنت واشنطن أنها حركت قوتها العسكرية استناداً إلى معلومات استخبارية أفادت بأن إيران كانت تستعد لاستهداف مصالح أميركية. اتسم التحرك الأميركي بقدر كبير من الحزم لمسه المسؤولون العراقيون لدى استقبالهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. وجّه بومبيو رسائل صارمة بينها أن واشنطن سترد بحزم على أي استهداف لمصالحها على يد إيران أو وكلائها. قال أيضاً إن بلاده ستراقب عن قرب محاولات إيران الالتفاف على العقوبات، بما في ذلك بيع كميات من نفطها زاعمة أنه نفط عراقي.
في عرض القوة الذي نفذته حيال إيران أكدت إدارة ترمب أنها لا تسعى إلى الحرب. قالت أيضاً إنها لا ترمي إلى إسقاط النظام، بل إلى دفع طهران إلى تغيير سلوكها. أوضح ترمب أنه جاهز للجلوس إلى طاولة المفاوضات إن كانت إيران مستعدة وترك رقم هاتف البيت الأبيض في عهدة الجانب السويسري. وترعى السفارة السويسرية في طهران المصالح الأميركية في إيران منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 1979.
التوتر بين أميركا وإيران ليس جديداً. الجديد هو اعتراف المسؤولين الإيرانيين أنفسهم بأن العقوبات الأميركية موجعة فعلاً. لنترك جانباً التهديدات التي يطلقها مسؤولون إيرانيون والتي تعتبر أن القطع البحرية الأميركية ستكون لقمة سائغة للصواريخ الإيرانية في حال اندلاع نزاع. الجديد أيضاً هو أن ترمب لا يستطيع التراجع إذا ما أقدمت إيران على أي تحرش عسكري بقواته. خطوة من هذا النوع ستنال من صورته وحظوظه في ولاية ثانية ما لم يعقبها رد تأديبي صارم.
فقدت إيران مفاتيح المبادرة في الأزمة. العقوبات موجعة. وافتعال نزاع لخلط الأوراق يبدو خطراً. وانتظار انتهاء ولاية ترمب مكلف خصوصاً إذا واصلت أرقام الاقتصاد الأميركي تعزيز تطلعه إلى ولاية ثانية. لكن هل يمكن دائماً ضبط الأزمات الساخنة؟ وماذا لو حدث خطأ تسبب في التصعيد؟ وماذا لو تسلل طرف ثالث لإشعال الحريق؟ وماذا يحدث مثلاً لو استيقظنا ذات يوم لنجد أن المقاتلات الإسرائيلية قصفت المفاعلات النووية الإيرانية؟
يعيش الشرق الأوسط على وقع «أم الأزمات». لا غرابة أن تشعر إيران بصعوبة الرقص مع ترمب. الصين تشعر بصعوبة الرقص معه بعدما نجحت في الرقص مع أسلافه. الرئيس الصيني منزعج من مخاطبة بلاده بإملاءات عبر «تويتر». ومع ذلك تدرس بكين إبداء مزيد من المرونة لتفادي حرب تجارية قد تزرع الأشواك على طريق الحرير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران وصعوبة الرقص مع ترمب إيران وصعوبة الرقص مع ترمب



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 21:42 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:56 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

بريشة : علي خليل

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 02:30 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء ممتازة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 12:44 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

إنتاج أميركا من النفط سيرتفع لأكثر من 12 مليون برميل يوميًا

GMT 08:03 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

لن يصلك شيء على طبق من فضة هذا الشهر

GMT 05:37 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

نيوزيلندا وجهة سياحية مميزة تتمتع بمناظر طبيعية خلابة

GMT 01:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق جديدة من أجل تنظيف أدوات الطهي الزجاج

GMT 15:42 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5,6 درجة على مقياس ريختر يضرب الساحل الغربي لتايوان

GMT 20:49 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

ارسنال يخفض سعر سانشيز بعد اقتراب نهاية عقده
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen