بقلم :علي الأمين
هي رسالة اجتماعية عميقة عبّر عنها جزء معتبر من ابناء بيروت ضد السلطة السياسية التي تمثلهم عبر التصويت للائحة "بيروت مدينتي" التي نالت نحو 40 في المئة من اصوات الناخبين في العاصمة.
هي رسالة اجتماعية بيروتية في العمق، لمجموعات كبيرة متململة من تيار المستقبل، لكنها لاتذهب الى حدّ اسقاط المرجعية السياسية للسنية السياسية المتمثلة بسعد الحريري. حدود التململ البيروتي لا تصل الى اسقاط هذه المرجعية، لكنها رسالة قاسية الى ادائها السياسي والانمائي والى نموذجها البلدي.
تكمن اهمية الانتخابات البلدية، بالمعنى السياسي، في كونها تشكل كاشفا مباشرا للحالة الاجتماعية وموقف مجموعات عديدة من الجماعات السياسية التي تدير الدولة. ويمكن ان يتم قياس ذلك من خلال نسب الاقتراع، ارتفاعها او تدنيها، ومن خلال الشعارات التي تشكل عنصر الاستقطاب للناخب، ودلالاتها السياسية والاجتماعية.
الواضح وجود لامبالاة برزت لدى الناخب البيروتي من خلال نسبة الاقتراع. يمكن القول ان هذه الظاهرة ليست مستجدة ولها اسباب مزمنة ليست منحصرة في الوضع الراهن، لكن لا يمكن تغييب حلقة محورية من عدم الثقة برزت في النتائج بين جزء معتبر من القاعدة المجتمعية وبين القيادة السياسية. هناك مؤشرات يجب ان تقرأ في انتخابات بيروت، على صعيد الطبقة الفقيرة (طريق الجديدة مثالا..)، وخيارات الطبقة الوسطى، كذلك اغنياء بيروت. ولا بد من ملاحظة مدى تململ العائلات البيروتية، التي تفترض ان يكون لها حضورا وازنا في المجلس البلدي.
في القراءة السياسية يجب ملاحظة ان ثمة ولاءً كاملاً لتيار المستقبل كمعبر عن السنية السياسية. وهذا ما التقطته "بيروت مدينتي" عندما رفضت الدعم السياسي من خصوم السنية السياسية. وهي كانت رسالة الى اهل بيروت والى قوى 8 آذار في الوقت نفسه، بأن المشكلة مع بلدية بيروت وداعمها تيار المستقبل ليست سياسية او بسبب اعتراض على خيارات السنية السياسية. بل انطلقت "بيروت مدينتي" من ثابتة انها لا يمكن ان تكون وسيلة اختراق من قبل حزب الله او قوى 8 آذار للكتلة السنية الصلبة في مواجهة العصبيات المقابلة.
في لحظة الازمات، كما هو حال لبنان منذ أكثر من عقد، لايستطيع الناخب ان يعبر عن نفسه في صندوق الاقتراع بشكل طبيعي. من الصعب ان ينقلب المزاج البيروتي على تيار المستقبل في ظل غياب البديل السياسي. لكنه وجه اليه رسائل تململ وعدم ثقة. ومن الصعب ايضا ان تصل الرسائل الى حدّ كسر العصب السياسي. تماما كما هو الحال لدى حزب الله. اذ ثمة شعور شيعي عام ان حزب الله حاجة شيعية، وهو نوع من الشعور في لحظة الازمات، ودائما كان حزب الله بارعا في توجيه الرسائل الى البيئة الشيعية وحصرها بعنوان الامن وتهديد الوجود، وتعزيز الشعور الاقلوي. فهو لم يكسب شعبية، منذ تأسيسه، على عناوين انمائية او فكرة سياسية او ثقافية. دائما كان الامن وتهديد الوجود هو مدخل شعبيته. وهذا بطبيعة الحال من العومل اللاشعورية التي لها علاقة بطبيعة الوجود والعصب الاقلوي وعدم الثقة بقدرة الدولة على ان تشكل الحامي للمجتمع ومكوناته.
سلوك الناخب في البلديات اليوم، وفي خضم الازمة الحالية على المستوى السياسي والوطني، وتحديدا داخل كل من العصبيتين السنية والشيعية، تختصره العبارة التالية: انا مستاء منك ولكنني بحاجة اليك. هكذا يتصرف الناخب السني مع رمز السنية السياسية وهكذا فعل الناخب الشيعي مع رمز الشيعية السياسية.
ورغم الحاجة الشيعية لحزب الله، الا ان الانتخابات البلدية هي فرصة للتصويب على الخلل في العلاقة بين المجتمع المحلي والحزب. ثمة ملاحظة يمكن تلمسها من مناصري الحزب قبل خصومه، وهي انه يتعامل مع الجمهور الشيعي باعتباره مجموعة حشود وليس جمهورا مكونا من افراد وعائلات وهيئات.
في الختام لائحة بيروت مدينتي كشفت ان العمق الاجتماعي قوي في القاعدة البيروتية، حيث تستطيع هذه القاعدة ان تشكل تكتلا جديدا ومنافسا من دون ان تناكف سياسيا من يمثل الرمزية السياسية، اي تيار المستقبل. وهذا يعكس قوة المجتمع المدني في بيروت، الذي استطاع ان يشكل كتلة تنافس القوى السياسية من دون ان تغريه قدرته، على تجاوز ما يمكن ان يفقده رصيده الشعبي، كما سبق ان اصاب الحراك المدني. ذاك الذي وقع تحت اغراء القوة ووهمها واستدرجته الانقسامات السياسية الى مهالك لم يردها.
أرسل تعليقك