آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

الفتنة وحرب تطويع الجنوب السوري

اليمن اليوم-

الفتنة وحرب تطويع الجنوب السوري

بقلم : علي الأمين

الجريمة التي ارتكبها داعش في السويداء، جاءت لتلبية مصالح إسرائيلية وروسية في الدرجة الأولى، وللنظام الذي يريد أن يفرض وجوده اجتماعيا كطرف لا يمكن أن يضمن الناس أمنهم بمعزل عنه.

عندما دخل الجيش السوري إلى مناطق الجنوب السوري خلال الأسابيع الماضية، كان ينجز عملية الدخول بعدما اتفقت القوى الدولية والإقليمية المؤثرة ضمن اتفاق خفض التوتر الشهير في الجنوب السوري، على انتشار الجيش النظامي وإنهاء دور قوى المعارضة السورية المسلحة، وكانت على رأس هذه القوى الدولية واشنطن وموسكو وتل أبيب.

وقد أدّى هذا الاتفاق الذي عكس توجها صريحا لواشنطن بإنهاء دور قوى المعارضة السورية، إلى تمكين الجيش السوري بإشراف موسكو من الدخول إلى درعا وغيرها من المناطق في سهل حوران والأرياف، وحتى القنيطرة على حدود الجولان، وتمّ ذلك إما بخوض معارك عنيفة كما حصل في درعا وأريافها، وإما عبر اتفاقات أدّت إلى تقديم الروس ضمانات لمن بقي من المقاتلين لم تحترم، وإما بخروج المقاتلين إلى مناطق الشمال السوري ولا سيما إلى مدينة إدلب.

دخل الجيش السوري والذي يتوزع على فرق عدة تسيطر روسيا على جزء أساسي منها، فيما تتحكم طهران بجزء آخر منه إلى جانب الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، وواكبت هذه الفرق مجموعات ميليشيوية تعد بالعشرات وتعتمد على دعم مالي من إيران ومن النظام، والأهم أنّها تقوم في مجملها بمهمات السلب والنهب والعمليات القذرة التي يأبى الجيش النظامي القيام بها.

بعد دخول الجيش السوري إلى درعا وإلى غيرها من البلدات والقرى التي كانت تحت سيطرة المعارضة منذ بدء الثورة وحتى الأمس القريب، قامت تلك الميليشيات بتنفيذ عمليات نهب واسعة وتنفيذ جرائم ضد المدنيين، بعدما كانت قوى المعارضة قد سلمت سلاحها إلى الجيش السوري بإشراف روسي، ويروي بعض أبناء درعا تفاصيل عن عمليات مريعة تعرضوا لها من قبل الميليشيات.

 إذ أكد هؤلاء أنّ النظام كان قد تقصّد إطلاق يد الميليشيات التابعة له في السويداء لارتكاب عمليات خطف وقتل ونهب العشرات من الحواضر والقرى في درعا وريفها، وبحسب هذه المصادر فإنّ ما فعلته هذه الميليشيات أنّها نقلت أثاث البيوت وكل ما وقعت عليه قواتها من المقتنيات، إلى مدينة السويداء، وعمدت إلى عرضه وبيعه بشكل علني في أسواق المدينة بطريقة علنية ومستفزة لأبناء درعا وأريافها ومنهم من كان قد نزح منذ سنوات إلى هذه المدينة.

إطلاق يد ميليشيات درزية لتنفيذ مثل هذه العمليات القذرة في درعا وريفها وفي سهل حوران، لم يكن عفويا، بل تقصد النظام وداعموه ذلك كل في سياق حساباته. فالنظام السوري الذي تفنن في لعبة إثارة المخاوف لدى الأقليات والعمل على خلق وتعميق الشروخ الطائفية والمذهبية، كان يعاني من السيطرة والتحكم على الدروز في منطقة السويداء، وكان من داخل الطائفة الدرزية من نجح في منع النظام من إلزام الشباب الدروز بالانخراط في الجيش السوري، وظلّ الشباب الدرزيّ، على وجه العموم، نائيا بنفسه عن الانخراط في الحروب التي تم خوضها ضد المعارضة السورية على امتداد الأرض السورية.

لكن ذلك لا يمنع من القول إنّ بعض الفئات الدرزية التي راهنت على النظام، عملت على استقطاب المقاتلين من خلال إيجاد أطر ميليشيوية وعسكرية لعب جزء منها دورا في استفزاز محيطه من خلال استغلال سقوط مناطق الجنوب في يد النظام، عبر تنفيذ عمليات انتقامية أراد النظام أن تنفذها مجموعات درزية بغاية إثارة الفتنة، واستثمارها لإعادة تقديم نفسه كحام للأكثرية السنية في درعا والجنوب السوري وحام أيضا للدروز في السويداء.

ويجب الإشارة هنا إلى أنّ الطبيعة العشائرية في درعا ومحيطها تجعلها بخلاف مدن سورية أخرى أكثر التصاقا بقيم عشائرية وقبلية وبالثأر. ومن جانب آخر لم تكن روسيا عاجزة عن ضبط الميليشيات القادمة من السويداء نحو درعا، بل لم تمنعها وغضت الطرف عن ارتكاباتها، ولعل دعوة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط روسيا إلى حماية أبناء السويداء، انطوت خاصة مع تكراره لهذه الدعوة، على أنّ روسيا تتحمل مسؤولية على هذا الصعيد، لأن جنبلاط يدرك أنّ الدروز في السويداء هم عرضة لتنازع إيراني-إسرائيلي. فإيران نجحت في استقطاب بعض الميليشيات الدرزية، وإسرائيل تريد ضمن الاتفاق مع روسيا إبعاد النفوذ الإيراني عن حدودها، وهي تستثمر إلى حدّ بعيد علاقاتها مع بعض دروز إسرائيل في تقديم نفسها كطرف قادر على حماية الدروز في سوريا أيضا.

الغاية الروسية والإسرائيلية ضمنا في الجنوب السوري هي إبعاد النفوذ الإيراني، وإنهاء كل ما يمكن أن يربط إيران بأهل السويداء، وجعل العلاقة مع إيران مكلفة لهم.

من هنا تأتي الجريمة التي ارتكبها تنظيم داعش في قرى جبل العرب وفي محيط السويداء، لتلبي مصالح إسرائيلية وروسية في الدرجة الأولى، وللنظام الذي يريد أن يفرض وجوده اجتماعيا كطرف لا يمكن أن يضمن الناس بالحدّ الأدنى من أمنهم وأمانهم بمعزل عنه.

تنظيم داعش نفذ جريمته بقتل نحو ثلاثمئة مدني وعسكري من بينهم النساء والأطفال الدروز في جريمة بشعة، يؤكد بعض أبناء درعا أنّ بعض الذين شاركوا في تنفيذ هذه الجريمة، هم من الضباط والجنود في الجيش السوري ومن الذين يقاتلون في صفوفه في مناطق سورية خارج الجنوب السوري، ويضيف هؤلاء أنّ بعض أهالي هؤلاء تعرضوا لاعتداءات من بعض أتباع النظام في السويداء، وهم نفذوا جريمتهم هذه بعلم مسبق من النظام السوري وحتى من القوات الروسية، وتنظيم داعش لم يكن إلا الستارة التي لا بد منها لإلصاق الجريمة بتنظيم يمكن أن تلصق به كل الجرائم.

جريمة السويداء البشعة هي أعقد من أن تكون نتاج تنظيم داعش، يسميها البعض عملية ثأر وانتقام ضد ما ارتكب في درعا وريفها، دفع ثمنها مدنيون أبرياء بالدرجة الأولى، وهي في نفس الوقت عملية مدروسة ومقررة منذ أن دفع النظام السوري وحلفاؤه بميليشيات من السويداء لارتكاب جرائم ضد “الدرعاويين”، مدركا أنّه سيدير عملية انتقامية بطريقة غير مباشرة ضد السويداء، فيما إسرائيل من جانبها وبتنسيق ضمني مع روسيا، تستهدف من خلال ما جرى إنهاء العلاقة بين بعض الدروز وإيران.

تعميق الشرخ بين السويداء ذات الغالبية الدرزية وبين محيطها السني، أمر كفيل بجعل البيئة الاجتماعية في الجنوب السوري والتي انطلقت منها الثورة في حالة هلع من شريكها في الوطن، ومدفوعة بحكم غريزة البقاء والحماية، نحو مصدر حماية لا يبدو أنّه متوفر سوى لدى إسرائيل وروسيا، وما بينهما النظام الذي حظي انتشاره في الجنوب برعاية روسية - إسرائيلية شرطها، الذي لم يكتمل بعد، التطهر من إيران والتي بدورها لن توفر ما لديها من قوة ونفوذ في سوريا في سبيل حماية وجودها ودورها ومصالحها.

جريمة السويداء وما سبقها من جرائم في الجنوب السوري هي أدوات المواجهة المتاحة تحت سقف التفاهم الأميركي الروسي حول سوريا.

المصدر : جريدة العرب

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفتنة وحرب تطويع الجنوب السوري الفتنة وحرب تطويع الجنوب السوري



GMT 04:53 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتانياهو يعمل لنفسه فقط

GMT 04:52 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حروب الاستديوهات

GMT 04:50 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور سعيد إسماعيل على.. وجدوى الكتابة

GMT 04:48 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل الثورتين

GMT 04:46 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الأراجوز في اليونسكو..
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 01:35 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

محمد بن زايد يطلق حزمة اقتصادية بـ 50 بليون درهم

GMT 03:07 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منة فضالي تؤكد أن العمل مع الفنانة بوسي ممتع ويغمره البهجة

GMT 01:45 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

غير الناطقين بالإنكليزية يتفوقون في برنامج التقييم الوطني

GMT 22:50 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مدير باريس للأساتذة يحث فيدرر على المشاركة في البطولة

GMT 21:49 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

أوملت البطاطا

GMT 21:58 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

غضب نسائي يطارد أحمد فهمي بسبب خيانة نيللي كريم

GMT 00:46 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

علي ربيع يكشف عن فيلم جديد يجمعه بنجم "مسرح مصر"

GMT 07:20 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

"الفراولة" أحدث موضة في قصات الشعر لعام 2018

GMT 03:20 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

توست مقلي بالبيض

GMT 21:00 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

8 جامعات إماراتية ضمن أفضل 40 جامعة عربية
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen