بقلم : حسن البطل
كم ألف كيلو متر قطع «المكوك الرئاسي الفلسطيني» في جولة الأسبوعين على خمس مدن؟ العالم مهتم بكم من الكيلومترات قطعت طائرة «سولار أمبولانس» ذات أجنحة الخلايا الشمسية في رحلتها «التاريخية» حول الكرة الأرضية!
«المكوك» هو طائرة رئيس السلطة التي حطّت، أولاً، في أنقرة لحضور مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي، فإلى باريس حيث ناقش الرئيس مع نظيره الفرنسي هولاند مؤتمراً دولياً لوضع آلية تنفيذية لمشروع «الحل بدولتين»، فإلى موسكو حيث بحث المسألة هذه مع الرئيس بوتين، ثم برلين، وأخيراً نيويورك، حيث جرى في مقر الأمم المتحدة توقيع بروتوكول باريس لضبط تعديل اختلال مناخ كوكب الأرض.
في المحطات الخمس لما يبدو أطول الجولات العالمية لرئيس السلطة، عومل واستقبل كرئيس دولة في «زيارة رسمية» امتدت من يومين إلى ثلاثة أيام في كل محطة.
لدينا رئيس كثير السفر، كما كان سلفه ياسر عرفات، الذي وصفته بـ»الفلسطيني الطائر» فقال «بل الفلسطيني الطيار»، وكانت جولاته تمتد من ساعات في لقاء يعقد بالمطار، إلى يوم واحد شبه رسمي، وقيلت عنه نكتة: «يزور فلسطين أحياناً»!
عندما ألقى عرفات خطاب «بندقية الثائر وغصن الزيتون» في الجمعية العامة 1974، سمحت قواعد البروتوكول أن يلمس «كرسي الرؤساء» قبل أن يلقي خطابه، واعتراف الجمعية العامة بأن «م.ت.ف» هي الممثل السياسي الشرعي للشعب الفلسطيني.
لكن، في وقت لاحق، نقلت الجمعية العامة جلستها من مقرها الرئيس في نيويورك إلى مقرها الأوروبي في جنيف، للاستماع إلى خطاب عرفاتي آخر، بعد أن رفضت الولايات المتحدة إعطاءه «فيزا».. فإلى زمن أوسلوي صار فيه عرفات أكثر زائر سياسي أجنبي تردّد على البيت الأبيض إبّان رئاسة بيل كلينتون!
بين المرحلتين، أوقفت واشنطن دفع حصتها إلى منظمة «اليونسكو» عقاباً لها على قبولها عضوية «م.ت.ف»، لكنها واصلت الدفع بعد قبول «اليونسكو» لاحقاً عضوية دولة ـ مراقب لفلسطين، كأول منظمات الأمم المتحدة، بعد تصويت الجمعية العامة على قبول فلسطين دولة ـ مراقبا.
على الأغلب، لن توافق إدارة أوباما، على عريضة الكونغرس وتمتنع عن دفع حصتها لصندوق ضبط المناخ، بعد توقيع عباس على بروتوكول باريس، وفق قانون يحظر على الإدارة تمويل «منظمة أو جماعة لا تمتلك السمات المعترف بها دولياً، علماً ان أميركا هي الملوّث الثاني للجوّ بعد الصين!
كيري حمل حفيدته خلال توقيعه معاهدة باريس، وأما توقيع عباس على المعاهدة، فكان أول انضمام لدولة فلسطين إلى معاهدة دولية وقّعت عليها 175 دولة، ما أثار غيظ إسرائيل.
باستثناء محطة برلين، ولقائه المستشارة ميركل، التي كانت «المانشيت» الرئيس لصحيفة «الأيام» مثلا، فقد احتلت الأخبار المحلية الخبر الرئيسي خلال زيارة عباس للمحطات الأربع الأخرى.. لماذا؟
المستشارة الألمانية أيّدت المبادرة الفرنسية لمؤتمر دولي موسع يعقد في حزيران المقبل بالذات، لكنها كانت متحفظة إزاء تقديم مشروع القرار الفرنسي إلى مجلس الأمن، لما يشكله ذلك من «إحراج» للولايات المتحدة، المترددة بين نقض المشروع كما فعلت في العام 2011 أو الامتناع عن التصويت. عباس يبحث عن «الوقت المناسب» لاجتياز العائق الأميركي!
حدّدت باريس «التوقيت المناسب» لمؤتمر دولي مُوسّع، لكن «التوقيت المناسب» لطرح مشروع قرار على مجلس الأمن حول الاستيطان ينتظر ـ على ما يبدو ـ انجلاء غبار ترشيحات المتنافسين على منصب رئيس الولايات المتحدة، خريف هذا العام، أي فرص هيلاري في مقابل منافسيها في حزبها، وفرص الحزب الجمهوري.
في حال عقد مؤتمر باريس الدولي الموسع، ثم دعوة فلسطين وإسرائيل إليه، فإن هذا سيكون نهاية حقبة قيادة الولايات المتحدة لـ»رباعية مدريد» وتسليم قيادة العملية السياسية إلى أوروبا بقيادة فرنسية، بعد 20 سنة من احتكار واشنطن للعملية منذ توقيع أوسلو في البيت الأبيض إلى آخر جولة فاشلة للسيد جون كيري لاستئناف المفاوضات الثنائية، وفق أفكار أميركية وافق عليها نتنياهو ثم عرقل خطواتها.
في تعقيب أميركي لوزارة الخارجية على دعم ثلاثة أطراف في «الرباعية» للمشروع الفرنسي، أن الولايات المتحدة، في الإدارة الحالية، ستواصل مساعيها وجهودها حتى «آخر لحظة» على ولايتها لتسهيل استئناف المفاوضات الثنائية. السؤال هو: هل يبقّ أوباما بحصة الفيتو؟
ماذا تريد فرنسا من المؤتمر الدولي المُوسّع الذي تشارك به أكثر من 20 دولة إضافة إلى «الرباعية»؟
في حال نجاحه، تريد باريس قراراً دولياً لوضع آلية تنفيذية لمشروع «الحل بدولتين» لعرضه لاحقاً أمام مجلس الأمن «في الوقت المناسب».
كانت باريس، عندما طرح وزير خارجيتها فكرة المؤتمر الدولي، قالت إنه في حال فشل المؤتمر فإن باريس ستكون أول دولة ذات عضوية دائمة في مجلس الأمن تعترف رسمياً بدولة فلسطين في حدود العام 1967 المعدّلة، لكنها لم تكرر تهديدها هذا الذي أطلقه وزير خارجيتها السابق، لوران فابيوس، بعد تعيين وزير خارجية جديد!
الولايات المتحدة غير متحفظة من المشروع الفرنسي، لكنها متحفظة من تحديد «الوقت المناسب» لتصويتها على تقديمه إلى مجلس الأمن.
إسرائيل متحفظة من المشروع الفرنسي، لكنها تعارض تقديمه إلى مجلس الأمن، ولن تلتزم به.
ماذا عن الفلسطينيين؟ شعبياً يبدو أن الرأي العام الفلسطيني قانط من نجاح المؤتمر الدولي في إحراج واشنطن في مجلس الأمن، لكن رسمياً يبدو أن جولة الرئيس لحشد تأييد للمشروع الفرنسي، قد تكون آخر «خرطوشه» في ما تبقّى من «هجوم السلام الفلسطيني» أو آخر مسعى للقيادة الحالية للسلطة الفلسطينية. البحث مستمر عن «التوقيت المناسب» لمن؟ لواشنطن!
أرسل تعليقك