انتبهوا جيداً، بعد عشرة أيام سيذهب رئيس السلطة، بصفته رئيس دولة فلسطين المعلنة، ليعرف من الرئيس ترامب جوابه على سؤاله: ما هو السقف السياسي لـ»الصفقة الكبرى» للسلام الحقيقي والدائم؟
السقف السياسي للسلطة الفلسطينية، وللشرعية السياسية الدولية، هو: «الحل بدولتين». لكن، في حديث ترامب وفريقه أن السلام هو بين إسرائيل كدولة، وبين الفلسطينيين كشعب.
ماذا يعني هذا؟ في تغييب حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وتشكيل دولته الخاصة، فإن السلام الترامبي يبدأ، وقد ينتهي، بالاقتصاد، أي بناء اقتصاد فلسطيني، ليكون بمثابة الجدران التي تنتظر صبّ السقف السياسي سنة أو سنوات قد تكون مفتوحة زمانياً.
في زيارته الاستطلاعية لإسرائيل وفلسطين، ودول عربية مجاورة ومختارة لهما، أخفق جيمس غرينبلات، محامي الصفقات لترامب، ثم رئيس فريقه، في الوصول إلى تفاهم مع حكومة نتنياهو حول «لجم» الاستيطان، الذي لا يراه ترامب، خلافاً للرؤية الفلسطينية والدولية والأميركية، أيضاً، يشكل العقبة الرئيسية، أمام صبّ السقف السياسي للسلام، أي «الحل بدولتين».
بدلاً من أن يكون الاتفاق السياسي على السقف السياسي للسلام هو السقف، فإن صاحب مقترح «الصفقة الكبرى» وفريقه يرى أن حكماً ذاتياً فلسطينياً، موسعاً ومزدهراً، بين إسرائيل دولة، والفلسطينيين شعباً، قد يكون أفضل من سلام سياسي بين دولة إسرائيل ودولة فلسطينية فاشلة اقتصادياً، تصدّر سنوياً ما قيمته مليار دولار، وتستورد ما تفوق قيمته الخمسة مليارات.
الاحتلال الإسرائيلي على مدى نصف قرن، يتعدّى كونه استعماراً أمنياً واستيطانياً، إلى استعمار اقتصادي مرتبط بهما، وفي نتيجته تتجه الصادرات الفلسطينية إلى إسرائيل بنسبة 80%، والواردات الفلسطينية من إسرائيل، أو غيرها، تشكل 50% منها.
غير خيارات سياسية مثل «الحل بدولتين» أو «دولة واحدة»، أو كونفدرالية، هناك من يتحدث عن «وطن واحد ودولتين».
إسرائيل الحالية تتحدث عن سيطرة أمنية على سائر المجال الجغرافي ـ الديمغرافي الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والفلسطينيون يتحدثون عن سيادة سياسية ـ إدارية على سائر المجال الفلسطيني من النهر إلى الجدار، بما يلغي التقسيمات الأوسلوية: (أ. ب. ج).
الفلسطينيون قبلوا أن تكون دولتهم، أي سقفهم السياسي ـ السيادي، منزوعة السلاح لا منزوعة السيادة، وليس تحت سيطرة أمنية إسرائيلية عليا «من النهر إلى البحر»، وإن بوجود قوات دولية أطلسية أو أميركية أو تحت علم الأمم المتحدة لزمن محدد، أو حتى غير محدّد الأجل.
القنصلية الأميركية العامة في القدس، قالت إن جيمس غرينبلات متفائل اقتصادياً، بعد مؤتمر عبر «فيديو كونفرانس» أميركي ـ فلسطيني ـ إسرائيلي، شمل قادة القطاع الاقتصادي في الجانبين، ومسؤولين كبارا في الإدارة الأميركية، لمناقشة سبل وتدابير تطوير الاقتصاد الفلسطيني، ليس باتجاه فك تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي النامي والمتطور، بل باتجاه بناء جدران لاقتصاد فلسطيني متطور، يشكل جزءاً من فكرة «صفقة كبرى» لسلام حقيقي ودائم.. ولكن، بين إسرائيل دولة، وبين الفلسطينيين شعباً.
هكذا، بدلاً من تجميد ولجم الاستيطان الذي يقوّض «الحل بدولتين»، يبدو أن تحسين الاقتصاد الفلسطيني يعني تجميد الحل السياسي وبناء سقفه، للانصراف إلى الحل الاقتصادي، ومن ثم تهيئة مناخ موات للسلام!
يقال، بشكل غير رسمي، إن إدارة ترامب تقبل بوجود «حقيقة سياسية فلسطينية» مثل رموز الدولة كالعلم والهُويّة وجواز السفر، لكنها لا تشكل، في هذه المرحلة على الأقل، حقيقة سيادية فلسطينية.
قبل الانتفاضة الأولى بسنة، حاول الوزير جورج شولتز، عبر اقتراحه تحسين ظروف الحياة الاقتصادية الفلسطينية، إبعاد الفلسطينيين في البلاد عن خيار «الممثل الشرعي والوحيد». هذا لم ينجح.
الإسرائيليون لاحظوا أن الانتفاضتين الأولى الشعبية، والثانية المسلحة، اندلعتا بينما كانت أحوال الاقتصاد الفلسطيني جيدة نسبياً، وأنّ «انتفاضة الأفراد» منذ عام ويزيد ليست رداً على سوء حال الاقتصاد، لكنها رد على اليأس من إنهاء الاحتلال، وبناء سقف سياسي لحق تقرير المصير، وتشكيل دولة فلسطينية.
صحيح، أن هذا زمن التكتلات الاقتصادية، التي بدأت أوروبياً بتشكيل اتحاد لقطاعي الحديد والفحم بين فرنسا وألمانيا، وتطوّرت إلى إطار شبه سياسي في الاتحاد الأوروبي، واتفاقية شينغن، وعملة اليورو.. لكن هذا صار بين دول سياسية مستقلة.
صحيح، أيضاً، أن الصين استعادت هونغ كونغ من بريطانيا، واتّبعت مقولة: اقتصاد واحد ونظامان، لكن تقوية الاقتصاد الفلسطيني يعني زيادة تبعيته وارتباطه بالاقتصاد الإسرائيلي، دون أن يكون هناك نظام سياسي فلسطيني وآخر إسرائيلي.
السلطة الفلسطينية ترحّب، بالطبع، أن يكون لأميركا دور في بناء اقتصاد فلسطيني، أكبر من دور Us aid، ولكن أبو مازن سيسأل ترامب: ماذا عن السقف السياسي، أي اعتراف الولايات المتحدة بأن «الحل بدولتين» هو صنو حق تقرير المصير السياسي الفلسطيني؟
إذا كانت الحلوى و»العقبى» تأتي بعد الوجبة غالباً، فإن تقديم حلوى تحسين الاقتصاد الفلسطيني دون وجبة سياسية لا تُغني المرء عن جوعه إلى تناول الوجبة.
الفلسطينيون لم يتحدثوا، قط، عن انفصال الاقتصاد الفلسطيني عن الاقتصاد الإسرائيلي، ولا يعترضون على العلاقة الاستراتيجية الأميركية ـ الإسرائيلية: أمنياً وسياسياً، لكن بناء السلام السياسي يجب أن يسبق السلام الاقتصادي، أو يتبعه دون تأخير كبير، أو الحديث عن «صفقة» بين إسرائيل دولة، والفلسطينيين شعباً.
أرسل تعليقك