"إيك! انظر أنا نظيفة.. استحممت بصابون لوكس". هذا رسم كاريكاتوري عن القنبلة النووية نشرته "التايم" الأميركية. "إيك" هو نعت التحبب للرئيس دوايت أيزنهاور، الجنرال السابق وقائد التحالف في الحرب العالمية الثانية.
في خطاب الوداع لنهاية رئاسته، حذّر أيزنهاور من مغبة تحالف رأس المال مع الصناعات العسكرية. خلال زيارة ولي العهد السعودي لأميركا، عرض ترامب عليه نشرة مصورة لأحدث الأسلحة الأميركية، وخلال زيارته الرئاسية الأولى للسعودية، وقّع ترامب اتفاقيات تسليح عاجلة وآجلة قيمتها مئات مليارات الدولارات، أي أضعاف مبلغ الـ37 مليار دولار لإسرائيل خلال عشر سنوات مقبلة. لإسرائيل عطاء وللخليج أخذ!
عندما لمّح إلى انسحاب قريب من سورية، استدرك اعتراضاً سعودياً بالقول: إن دفعتم بقينا فترة أطول!
لا حاجة للقول إن أميركا هي الأولى عالمياً في مجالات عديدة، بينها مبيعات السلاح التي شهدت قفزة في ولاية ترامب.
كم حرباً خاضت أميركا منذ تحذير "إيك" من تحالف رأس المال مع صناعات السلاح؟ الدولة الذرية الأولى التي ألقت قنبلتين قذرتين على مدينتين في اليابان، استخدمت السلاح الكيميائي المسمّى "العامل البرتقالي" لتدمير الغابات في الحرب الفيتنامية، واستخدمت النابالم المحرّم دولياً، أيضاً، خاصة في المذبحة الشهيرة ضد المدنيين المعروفة "مي لاي"، ثم استخدمت اليورانيوم المستنفد في حربها العراقية، التي أسفرت عن مليون قتيل عراقي، نتيجة كذبة اسمها "سلاح الدمار الشامل" العراقي!
بدأ الأسبوع السوري المشحون من السبت إلى السبت، ومن غاز الكلور المخلوط بقليل من غاز السارين الفتّاك، إلى إطلاق 103 صواريخ مجنّحة قبل أن يباشر خبراء الأسلحة الكيميائية الدوليون التحقيق في وقائع تبدو كالمزاعم، وبالعكس.
سوف نرى فيضاً من المعلومات المتضاربة حول "ترامب ستروم" السورية، وأسبوع سبقها وُصفت فيه العلاقة الأميركية ـ الروسية بأنها الأسوأ من أزمات مرحلة "الحرب الباردة"، أي أزمة كوبا بين خروتشيوف وكنيدي؛ وأزمة حصار برلين، وأزمة حرب حزيران 1967 العربية ـ الإسرائيلية، بين نيكسون وبريجينيف.
ما قصة السلاح الكيميائي السوري، حيث كان لدى سورية ـ كما قيل ـ أكبر مخزون عالمي من غاز السّارين، الذي دُمّر بإشراف دولي، بعد اتفاق أميركي ـ روسي، وبعد استخدامه، جزئياً وموضعياً، ضد حركات المعارضة المسلحة في سورية.
كان غاز "السّارين" هو سلاح الردع والتوازن الاستراتيجي السوري للسلاح النووي الإسرائيلي. عندما بنت سورية مفاعلاً نووياً كورياً في "الكبر" دمّرته إسرائيل، كما فعلت بالمفاعل العراقي في "تموز" خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية الطاحنة التي دامت ثماني سنوات.
خلال الأسبوع السوري المشحون، صدر عن مثير الزوابع الدولية والشخصية ترامب تصريح لافت يقول: لم تعد السعودية والإمارات وقطر دولاً داعمة للإرهاب، وخلال الأسبوع أنهى الجيش السوري وجود "جيش الإسلام" المموّل سعودياً، وكان هو الجيب الأخير للمعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية.
قيل إن حرب السنوات الثماني العراقية ـ الإيرانية كانت الأقسى بين الجيوش النظامية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن حرب السنوات السبع السورية كانت أقسى الحروب الأهلية والإقليمية والدولية، لكن الجيش السوري كان في مطلعها على حافة الانهيار، وفي ختامها كانت كفّته تميل والحلفاء الإقليميين والدوليين إلى بدايات حسم الحرب.
من الذي استفاد من انهيار وتدمير العراق دولة وشعباً وجيشاً؟ إنها إسرائيل، التي لا تريد لسورية الدولة أن تجتاز خطر الانهيار والتقسيم.
في حرب ليبيا، وإلى حد ما في حروب سورية، اختار أوباما "القيادة من الخلف" كما فعلت روسيا في الأزمة السورية في جانبها العسكري، لكن اختار ترامب أن يقود ضربة الـ103 صواريخ مجنّحة، طاش منها 71، بدفاعات جوية سورية قديمة، وربما بدفاعات روسية من قاعدة "حميميم" كما قيل؟
في نتيجة الضربة تنوي موسكو البحث في تزويد سورية بصواريخ الدفاع الجوي S300 الأكثر تقدماً من رشقات صواريخ سام ـ 5، سواء سقط في دوما 40 ضحية أو 7 ضحايا مدنية، أو كان الأمر برمّته كذبة تذكّر بالأكاذيب الأميركية، فإنه بعد تحرير دوما لم يعد للنظام السوري حاجة لاستخدام الكلور، بعد استسلام "جيش الإسلام"، وتحصّنه في مدينة تضم 200 ألف ساكن، بعد أن راوغ في شروط خروجه، وكانت النتيجة قصة الكلور هذه!
يُقال إن ضربة ليلة السبت المحدودة كانت بناءً على نصيحة "البنتاغون"، برئاسة ماتيس الأكثر اعتدالاً بين طاقم البيت الأبيض، ونتيجة مشاورات نشطة بين الجيش الروسي و"البنتاغون".
لم تغير الضربة معطيات عسكرية لمسرح العمليات والحروب السورية، لكنها ستغيّر المعطيات السياسية اللاحقة لأفرقاء الصراع السوري، بعد أن لعبتها موسكو بأعصاب باردة؛ ولعبها ترامب بنزق، ومثيراً للزوابع في الأزمات العالمية.
أميركا هي الأقوى عالمياً، لكن الهيبة والاحترام جزء من عناصر القوة، ولا يبدو ترامب جديراً بهما، مثل بوتين.
المدارس
دمّرت إسرائيل مدرسة من إطارات السيارات قرب القدس ودمّرت مدرسة زنوتا ـ الخليل، وعاد التلاميذ إلى تلقي الدروس تحت الخيم. وإسرائيل تحتجّ على إدانة اليونسكو لها.
من ذكريات الشاعر الراحل معين بسيسو بعد النكبة، أن أولاد اللاجئين تعلموا في مدرسة ـ خيمة، وكانت السبُّورة من خشب السحاحير، والطبشور من حجر الكلس الطبيعي.
بعد 70 سنة من النكبة، ممنوع بناء مدارس في المنطقة (ج)؟!
أرسل تعليقك