كيف كانت تبدو سورية والسوريون في العام الأول لانتفاضة الشعب ضد النظام؟ هنا دردشة فيسبوكية مع بعثي لم يعد بعثياً؛ ويساري لم يعد يسارياً حزبياً. حوار يفسر لقرائي لماذا انقطعت عن متابعة تفاقم الأحداث السورية بعد العام الأول منها.
****
ـ أنا خائف على سورية.
ـ نعم.. يجب أن نقلق. السلم الأهلي في خطر. نعمل ما في وسعنا لتفعيل النشاط المدني في وجه هذا الخطر..
لكن العنف الرسمي يفوق طاقة النشطاء السلميين.
ـ خائف على سورية.. وغير خائف البتّة من إسرائيل على فلسطين.
ـ معك حق.. وأشدّ الخوف هو تخريب العقول.. من أين يأتي النظام بكل هذه الوحشية؟ إن فرق الموت التي أطلقها النظام، مع فائق القوة لديه، مع التجييش الطائفي.. وأخيراً «التعصّب السوري».. بدأ يدمر العلاقات بين جيل الشباب، أيضاً، ما سيجعلنا نحتاج لعلاجات طويلة (ما حدث في الجامعات مثلاً). نعم.. الكلفة ستكون كبيرة.
ـ التعصّب السوري؟ أحداث الجامعات؟
ـ نعم (يا صديقي الفلسطيني) الشارع المؤيد (للنظام أو المعارضة؟) تجاوز الحال القومية السورية في تعصّبه لسورية. في الجامعات «فرق الموت» هي من الطلبة أنفسهم (تابع هذه الصفحة على «الفيسبوك» ستجد نماذج عن ذلك).
ـ لم تفتح الصفحة.. هل أن الجيش السوري سيتفكّك؟ وكم نسبة الموالين للنظام؟
ـ لا أعتقد أنه سيتفكّك. المؤيّدون للنظام لا يمكن تقديرهم. لا يوجد إحصائيات شفّافة. المشكلة أن الحالة الآن هي كون الشعب رهينة لدى الطاغية: إما أن أبقى أو أبيدكم (بفرق الموت والاقتتال الداخلي).. وبالرغم من هذا، يتزايد الحراك الشعبي مع انضمام أماكن جديدة (القلمون دخلت: ثلاث ضحايا في أقل من يومين بيبرود).. غير أن تردد هيئة التنسيق الوطني (إزاء) صيغة ائتلاف ما جعل المجلس تحت سيطرة القوى الأكثر تشدداً (انسحاب أهم رموزها المدنية والعلمانية) أضف إلى ذلك (التحذير من) لعبة النموذج الليبي.. لكن، لا تبدو الصورة قاتمة. الشباب السوري يبتدع أشكالاً تدفع للتفاؤل. مثلاً: تجمع «الطريق» للشباب المدني، وقد حصل على مقعد في المجلس الوطني، وهو يقود تظاهرات مختلطة (من الشباب المسيحي والعلوي والإسماعيلي.. إضافة للشباب من الإسلام المعتدل) ولهم شعارات سلمية.. وإنهم رائعون وبعمر الورود، ويحظون باحترام الأوساط المحيطة بهم.. لكن تنقصهم الإمكانيات المادية والإعلام.. مع أنهم يرفعون تسجيلات فيديو غير أن المحطات الفضائية تتغاضى عنها؟!
أرجو أن لا تفهم أنني متشائم.. أبداً. إن أسوأ السيناريوهات هو بقاء النظام الحالي. مهما حصل، فإن السوريين بعد رحيل هذا النظام سوف يتمكنون من اجتراح معجزات تفوق معجزة ثورتهم.. عذراً للإطالة!
ـ لا تعتذر.. حوارنا هذا سينزل في عمودي.. يبدو لي أنك في حزب يساري، أو «بعثي» قديم.
ـ لا.. يُشرّفني أنني من منشأ غير سنّي. كنت يسارياً سابقاً، ولم أعد حزبياً بسبب عدم تقدم الأحزاب اليسارية والقومية في القضايا السورية الأساسية. أنا مستقل حالياً، لكنني لم أغادر موقعي الفكري.
ـ عفواً.. للسؤال الشخصي الذي قد يهم القارئ. أنا لا أُنكر الهوى السوري القومي لدي. الفلسطينيون عرب.. لكنهم جزء من الأمة السورية.
ـ لا داعي لتذكيرك بالوضع الأمني الدقيق في سورية. البعض هنا اعترض على مقالاتك في الحالة السورية، وإن كانوا يقرّون لك بمهاراتك المهنية. ربما أنت بعيد عن النبض الجاري في سورية. واثقاً أنك بمهاراتك الصحافية ستعرف كيف تموّه المصدر.
ـ لا تقلق حول هذا يا صديقي.
ـ لكن زوجتي قلقة من نشاطي ونشاط أصحابي وأصدقائي.. وهذا مفهوم.
***
هذا حوار «فيسبوكي» مع صديق جديد من جبلة الساحلية، ومقيم في مدينة حمص.. والشيء الذي أضافه لي: أن الجيش السوري بعيد عن التفكك، وأن هناك «فرق موت» في الجامعات، وأن النظام يلعب على التخويف من الطائفية، بينما يلعب الخائفون من النظام وعلى البلد لعبة «التعصب السوري» والخوف من مصير العراق وليبيا ولبنان.
الشعب السوري، كما أعرف، تربّى على القومية العربية منذ مطلع القرن الماضي، مع المفكر القومي ساطع الحصري ومجايليه.. وللأسف، انقطع «النت» قبل أن أسأل عن تأثير العزلة العربية ليس على النظام، بل على شعب سوري يعتبر نفسه عروبياً أوّلاً.
أرسل تعليقك