يعكف زميلي الشاب، رمزي الطويل، على تدقيق ومراجعة مؤلفه عن «الديبلوماسية» و»البيبلوماسية». الأولى (الوفادة بالعربية) في جذورها التاريخية، وتطبيقاتها الراهنية، والثانية عن «الديبلوماسية الشعبية» التي يمارسها ساسة «شعبويون» أو أحزاب سياسية فاشية، كما تمارسها، بشكل آخر، حركات ومنظمات غير حكومية.
خطر في بالي أن أضيف إليهما ديبلوماسية شخصانية ـ بيرسونالية، وأن أصفها بـ «البرلوماسية»، وقد نجد تطبيقات حديثة لها في ثلاث دول: أميركا الترامبية، وتركيا الأردوغانية، وربما، أيضاً، في سياسة وديبلوماسية ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان!
تميز هذه الديبلوماسية ـ الشخصانية بين زعامة الرجل القوي، العادل أو المستبد، وبين الزعيم الشعبي المحبوب، صاحب الجاذبية أو «الكاريزما».
كان عبد الناصر زعيماً شعبياً ـ كاريزماتياً، كما شأن عرفات، أو كاسترو، أو مانديلا. أما أنور السادات، بطل حرب أكتوبر 1973، فقد مارس ديبلوماسية ـ شخصانية في قراره المفاجئ بزيارة القدس المحتلة، وإلقاء «خطاب تاريخي» في الكنيست، ما أثار عليه غضباً شعبياً عربياً، واستقالة بعض كبار مساعديه احتجاجاً.
قيل وسيُقال الكثير في تفسير شخصانية الرئيس ترامب وأسبابها الأميركية، وولعه بـ «التويتر» بصفته مدير شركة سابقاً، ومدراء الشركات الأميركية «يطردون» موظفيهم ومساعديهم، إضافة إلى الحق الدستوري الأميركي للرئيس في اختيارهم وتبديلهم و»طردهم» بتغريدات على «التويتر»، بأسلوب مفاجئ ومهين، أيضاً.
نعم، جاء ترامب بالانتخاب بأغلبية بسيطة، ولكن بغالبية حزبه في مقاعد مجلس الكونغرس، كما جاء أردوغان بغالبية شعبية أكبر، ثم طرد وأقال وسجن معارضيه من أنصار صديقه ـ خصمه، بعد ما يوصف بـ «مسرحية» انقلاب عسكري.
لا يخالف أردوغان السياسة التركية بخصوص أكراد بلاده وغير بلاده بالذات، لكنه حرص منذ حملة «غصن الزيتون» على الأكراد في عفرين على الظهور الدائم في شرح الحملة، تاركاً القليل لرئيس وزرائه وجنرالاته ووزير خارجيته. هذه هي ما توصف بـ «سلطانية ـ شعبية» في إهاب ديمقراطية ـ انتخابية. إنه متقلب المزاج السياسي والشخصي شأنه شأن ترامب.
عهد، إلى ملك غير متوّج بعد، وبعد ملوك كبار في السن، جاء ابن سلمان الشاب، ونصب عينيه أن يجعل بلاده المحافظة جزءاً من الثقافة العالمية، أي دمجها في الهوية العالمية ومحتفظة، قدر الإمكان، بخصائصها!
يمارس ابن سلمان سياسة «داخل الصندوق» في خصومته الثلاثية مع إيران، والإخوان المسلمين.. وحديثاً مع «إرهاب» الحركات الأصولية الإسلامية الداعية للعنف سبيلاً إلى تجديد «الخلافة».
لكن، يمارس سياسة «خارج الصندوق» العربي في حديثه عن السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني؛ وعن مصالح عربية (دول الخليج ومصر والأردن) في العلاقة الراهنة والمستقبلية بدولة إسرائيل المزدهرة!
خلاف «الإخوان» لا يعتقد ولي العهد بوجود «اعتراض ديني» على قيام دولة إسرائيل. لكن، سياسياً، يرى أن لكل من الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي حقه في أن تكون له دولة خاصة «على أرضه».
إن قال أن «لا مشكلة دينية» مع اليهود، فقد قالها من قبله الفلسطينيون الذين كانوا يرون المشكلة مع الصهيونية، ثم مع السياسة الإسرائيلية، التي تخلط حالياً بخاصة بين دولة إسرائيل، والدولة اليهودية، ودولة أرض ـ إسرائيل، ولا تريد الاعتراف بحق تقرير مصير الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الخاصة.
وكان هناك سؤال ملغوم لمجلة «ذي أتلانتيك»: «هل تعتبر أن الشعب اليهودي [لا الإسرائيلي!] لديه الحق في أن تكون له دولة قومية فوق جزء من أرض أجداده» وليس دولة إسرائيلية في «حدود آمنة ومعترف بها»؟ كما يقول العالم ومعه تقول السلطة الفلسطينية.
إن أرض فلسطين لدى الفلسطينيين هي 27 ألف كم2، ولدى بعض الإسرائيليين تشمل الضفة الثانية من نهر الأردن وكذا الجولان، وربما بعض جنوب لبنان.
كنتُ كتبتُ في عمود 3 آذار أن زمن «الصراع العربي ـ الإسرائيلي» انتهى، وعاد الصراع إلى جذره صراعاً فلسطينياً ـ إسرائيلياً، وهذا منذ أوسلو بشكل خاص.
تريد أميركا الترامبية بالذات، تطبيع العلاقة العربية ـ الإسرائيلية لتطويع حلّ الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بما لا يخدم حق الشعب الفلسطيني، الصاحب الأصلي لأرض فلسطين في تقرير مصيره والاستقلال في دولة خاصة به.
لم يتحدث ولي العهد عن «حق العودة»، ولا حتى بصيغة مبادرة السلام العربية، التي تحدثت عن عودة متفق عليها لا تخلّ بتوازن إسرائيل اليهودية، لكن إشارته إلى إيران كالعدو الأول تتوافق مع «صفقة القرن» المرفوضة فلسطينياً، رسمياً وشعبياً على السواء.
لا بأس أن تكون العلاقة السعودية ـ الأميركية في أحسن حالاتها والعلاقة الفلسطينية ـ الأميركية والإسرائيلية في أسوأ حالاتها.
عندما طُرحت مبادرة السلام العربية (السعودية) قال إسرائيليون إنهم لا يريدون غزو الدشاديش العربية لتل أبيب بعد «التطبيع» حفاظاً على طابعها اليهودي ـ الصهيوني.
الفلسطينيون قالوا إن زيارة العرب والمسلمين للسلطة وللقدس ليست تطبيعاً في زيارة السجين وليس السجّان.
لا نخاف من التطبيع العربي لأننا لا نخاف من التطويع الفلسطيني للتطبيع. وذات يوم، بعد خروج بيروت، قال نزار قباني: «الفلسطينيون أوّل العرب.. وآخر العرب».
أرسل تعليقك