بقلم - حسن البطل
خلال وجودي في لبنان، قرأتُ شيئاً طريفاً: في سهرة عائلية متعدّدة الطوائف، استدعوا البوّاب (أبو علي) الشيعي وسألوه: كم ولداً لديك؟ قال: 11 ولداً، أي أكثر من مجموع أولاد بقية الطوائف.
خلال الحرب الأهلية اللبنانية، كان هناك من قال: اللبنانيون طوائف، والفلسطينيون في لبنان شعب.
تصادف التعداد العام الثالث للسكان والمساكن في فلسطين، هذا الشهر، مع إعلان نتائج إحصاء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وفق مذكرة تفاهم حكومية لبنانية فلسطينية وُقِّعَتْ قبل عام، وكانت ثمرة جهود خمس سنوات للجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، الذي لم يكن قبل أوسلو هذه!
حسب منظمة للأمم المتحدة، يجري تعداد السكان مرة كل عشر سنوات، وهذا ما يحصل في فلسطين منذ أوسلو.. لكن في لبنان، يعود أوّل وآخر تعداد عام للسكان إلى العام 1932؟!
قبل ثلاث سنوات، كتب طلال سلمان، رئيس تحرير جريدة "السفير" اللبنانية المحتجبة مقالاً عن فضل اللاجئين الفلسطينيين على لبنان، خلاصته: "لم يبدأ الازدهار اللبناني، فعلاً، إلاّ بعد نكبة فلسطين في سنة 1948".
في التفاصيل غير الاقتصادية، هناك فنّانون تشكيليون لبنانيون، من أصل فلسطيني.
لاحقاً، قرأتُ للفنان اللبناني الراحل ملحم بركات أن أصل الميجانا والدلعونا والدبكة من فلسطين، وانتقلت إلى لبنان، ثم سورية!
شاع في لبنان، خاصة بعد العام 1975، وصف اللاجئين الفلسطينيين أنهم "غرباء" ويشكلون اختلالاً في "الصيغة اللبنانية" الطوائفية، وهناك من بالغ في تعدادهم وأوصلهم إلى 350 ـ 500 ألف لاجئ.
في نتيجة الإحصاء أن عددهم، حالياً، يزيد قليلاً على 170 ألفاً ويُقيمون في 12 مخيماً و156 تجمُّعاً، ومن ثم، فإن فزّاعة "الغرباء" والخطر الديمغرافي الفلسطيني على الصيغة الطوائفية اللبنانية غير صحيح، وخاصة بعد الخروج المسلح الفلسطيني من بيروت ولبنان.
المفاجأة المتوقعة نوعاً ما، أن نسبة اللاجئين السوريين، في بعض المخيمات، تفوق نسبة اللاجئين الفلسطينيين، المحرومين من العمل في 70 مهنة.
كانت نسبة الفلسطينيين المسيحيين الذين لجؤوا إلى لبنان أعلى من نسبة اللاجئين الذين لجؤوا إلى سورية والعراق، لأن الجليل الفلسطيني وجنوب لبنان كانا على علاقة وثيقة في مختلف المجالات قبل النكبة، لكن لبنان الرسمي جنّس معظم الفلسطينيين المسيحيين.
حالياً، أقرّت الحكومة اللبنانية بحق المرأة اللبنانية المتزوجة من "أجنبي" أن تعطي جنسيتها لأولادها، لكن تم استثناء الفلسطينيين والسوريين من هذا، بينما يقول الإحصاء الجديد إن نسبة الفلسطينيين المتزوجين من لبنانيات هي 7,4% واللبنانيين المتزوجين من فلسطينيات هي 2,4%، وأن 4,6% من اللاجئين الفلسطينيين يملكون جنسية أخرى.
شارك حوالى 1000 من الشباب اللبناني والفلسطيني في إنجاز التعداد، باستخدام الأجهزة اللوحية، كما في التعداد العام الفلسطيني الثالث، وأشار حسن منيمنة، رئيس لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني، إلى أهمية التعداد، في إعطاء اللاجئين كافة حقوقهم.
أتذكّر أن حسن منيمنة كان محرّراً لبنانياً عمل في "فلسطين الثورة" فترة خلال الحرب الأهلية، ثم هاجر إلى أميركا، وصار دكتوراً وإخصائياً في سياسة الولايات المتحدة.
مفهوم أن قسماً كبيراً من اللاجئين في لبنان هاجر إلى خارجه، وخاصة أوروبا، كما أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق انخفض من 30 ألفاً إلى 4 آلاف بعد الغزو الأميركي، والحمأة الطوائفية في العراق.
كذلك، هاجر قسم كبير من الفلسطينيين في سورية كجزء من الهجرة السورية بعد فوضى الحرب الأهلية، وسبق هذا وذاك، هجرة كثيفة فلسطينية من الكويت بعد العام 1991.
حضر إعلان نتائج التعداد الفلسطيني في لبنان رئيس حكومته، ونواب، وسفراء ودبلوماسيون، وقادة أحزاب لبنانية وفصائل فلسطينية، وإعلاميون.
سوف يُسهِم التعداد في توجيه مسار العلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية باتجاه التعاون، وإعطاء اللاجئين بعض حقوق الإنسان، كما هو الحال في سورية.
لسببٍ ما، أذكر الفلسطينية اللبنانية عطاف، المتزوجة من لبناني، وخِرِّيجة أولى في كلية الكيمياء من الجامعة اللبنانية، حيث كانت تعمل في "فلسطين الثورة"، ولكنها لم تحصل على منحة لدراسة الدكتوراه، لأنها فلسطينية!
تعاون الإحصاء الفلسطيني مع نظيره اللبناني، مقدمة لتعاونه مع البلدان العربية حيث توجد جاليات فلسطينية، علماً أن التعداد العام في فلسطين يعطي معلومات مفصّلة، وكذلك أي تعاون مع أجهزة الإحصاء في البلاد العربية.
رئيس الحكومة اللبنانية قال إن لبنان الرسمي سوف يتبنى سياسة جديدة إزاء اللاجئين الفلسطينيين لمصلحة لبنان وفلسطين، بينما في العراق صدر قرار بحرمان اللاجئين من حقوقهم!
اللاجئون نهضوا من النكبة، وصاروا عماد تقدم فلسطين، وكذلك يلعبون دوراً في اقتصاد البلاد التي لجؤوا إليها.
أرسل تعليقك