بقلم - حسن البطل
أنهيت كتاب جميل هلال: «أيام حصار بيروت ١٩٨٢». نعم، نحن في ايام القدس والعاصفة الترامبية. ووجدت رابطاً بينهما. هاكم هو: منذ بداية مهمة الوسيط فيليب حبيب كانت المفاوضات اللامباشرة مع الاميركيين تدور حول امرين: شروط الخروج المسلح الفلسطيني، وشروط وضمانات حماية الوجود المدني والمؤسساتي الفلسطيني.
ما الذي حصل؟ مجزرة صبرا وشاتيلا و«حرب المخيمات» وتفجير ثم نهب محتويات مركز الابحاث خرقت ضمانات حماية المدنيين والمؤسسات الفلسطينية.
حسناً، في شروط اوسلو، غير تأجيل المسائل الخمس، كان هناك موافقة اسرائيلية على استمرار بقاء وحفظ نشاط المؤسسات الفلسطينية في شرقي المدينة، وابرزها «بيت الشرق» الذي صار مركز العمل الاعلامي الفلسطيني خلال الانتفاضة الاولى، ثم مقراً للوفد المفاوض للشخصيات الفلسطينية الى مؤتمر مدريد، وبمثابة مكتب تمثيل لمنظمة التحرير في القدس الشرقية، وموازياً فلسطينيا، نوعاً ما للقنصليات الاجنبية.
بعد مضايقات، انتهزت اسرائيل فرصة الانتفاضة الثانية، واغلقت «بيت الشرق» مدة ستة شهور صارت تمدد بمهلة مثلها، كما هو حال مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن بعد اوسلو.
وضعت اسرائيل شروطاً على موافقتها اشتراك المقادسة في اول انتخابات تشريعية فلسطينية، بالتصويت في مركز البريد، لكنها منعت جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني من احصاء سكان القدس الشرقية، وفي الاحصاء الثالث اعتقلت المكلفين ومنعتهم من العمل، وقبل ذلك سيطرت على مبنى البريد و«أسرلته».
تعرفون كيف صارت عبارة «السلام الروماني - باكس رومانا» تعني في العالم، وبعد اوسلو - بالذات، «باكس اميركانا»: توقيع اوسلو في حديقة البيت الابيض، ثم مفاوضات كامب ديفيد ٢٠٠٠، ثم «خارطة الطريق» و«الحل بدولتين». في الغضون «تبخرت» اللجنة الرباعية الدولية عن كل اشارة لانعقاداتها الدورية ثم الشفوية، فقد انتهت الى «الجيب الاميركي».
ماذا كمان؟ منذ اوسلو زار رؤساء الادارة الاميركية فلسطين واسرائيل، وتجول وزراء الخارجية الاميركية جميعاً، وآخرهم جون كيري للبحث عن «تسليك» «الحل بدولتين».
بعد سنة من تلويحه بـ «صفقة القرن» وتشكيله طاقماً ثلاثيا يهودياً باعداد «الصفقة» قام الرئيس ترامب بتفريغ اطارات عربة «الحل بدولتين» باعترافه بالقدس عاصمة لاسرائيل.. وهكذا «بنشر» الحل، ومعه دور الوساطة الاميركية.
توماس فريدمان، معلق «نيويرك تايمز» وصف خطاب اعلان الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل بأنه «هبة» من ترامب الى نتنياهو .. دون مقابل!
مقدمات هذه «الهبة» كانت منذ اعلان مشروع «الصفقة» بالانسحاب من «حل الدولتين» الى اي حل يوافق عليه الطرفان، ثم باعلانه ان الاستيطان ليس هو المشكلة امام اي حل.
كل «صفقة» هي نوع من «مقايضة» فلماذا لم يعلن ترامب ان اعترافه بالقدس عاصمة لاسرائيل مشروط بوقف الاستيطان، ولو خارج الكتل الاستيطانية؟ ولماذا لم يعلن انه يعترف بالقدس الشرقية ارضاً محتلة، وان اي اتفاق نهائي حول القدس سيعني سفارة فلسطينية في القدس الشرقية؟
في جلسة مجلس الأمن تحدث مندوبو ثلاثة اطراف من «الرباعية» الميتة (روسيا) امين عام الامم المتحدة، والاتحاد الاوروبي ممثلا بفرنسا وبريطانيا، كما تحدث ممثلو اربع دول دائمة العضوية (روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا) معترضين على اعتراف ترامب بعاصمة اسرائيل.
السلطة اعلنت، فور خطاب الاعتراف الاميركي، بأنها لن تنسحب من «عملية السلام» لكن لن تقبل، بعد الآن، ان تقود الولايات المتحدة هذه العملية، بل وتحتكرها منذ توقيع اوسلو في البيت الابيض، ما هو البديل - ترانتيفا؟
اذا استند ترامب على قرار الكونغرس حول الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، فإن برلمانات العديد من الدول الاوروبية طالبت حكوماتها بالاعتراف بفلسطين.
السؤال هو: كيف يمكن دفع دولة غربية رئيسية، مثل فرنسا او بريطانيا او المانيا .. وحتى اسبانيا وايطاليا، ان تستند الى قرارات برلماناتها وتعترف بدولة فلسطين؟
تستطيع اميركا ان ترفع «الفيتو» ضد دولة دائمة العضوية في مجلس الامن تقدم مشروع قرار الاعتراف بفلسطين، لكن اعترافها بفلسطين سوف يؤسس لمرجعية دولية توازن الاعتراف الاميركي بالقدس عاصمة لاسرائيل.
ترك ترامب «حل الدولتين» للتفاوض بين اسرائيل والفلسطينيين، اي بموافقة اسرائيل عملياً، كما ترك تحديد حدود القدس للتفاوض، اي لموافقة اسرائيل على .. قدس فلسطينية خارج القدس!
لاسرائيل نشيدها القومي (هاتكفاه - الامل) لكن للمغنية والشاعرة الاسرائيلية نعومي شيمر قصيدة تبثها الاذاعة الاسرائيلية كل الوقت عن «القدس الذهبية - يروشلايم تل زهاف» .. ولا شيء في القدس «يلمع» الا القبة المذهبة في الحرم القدسي، الذي يؤمه مئات الألوف.
«الصفقة» فركشت، وعجلاتها «بنشرت» والتحدي الفلسطيني للاعتراف الاميركي هو الذي حرك شوارع العالم .. مع حركة الشارع الفلسطيني.
القدس قدسان: غربية حيث مظاهرات يهودية ضد فساد نتنياهو، وشرقية حيث المظاهرات ضد اميركا والاحتلال .. اما مليونير الصفقات فقد اخطأ الحساب، بل «مسك دفتر» الصراع.
.. كما أخطأ شارون : عباس صوص بلا ريش.
أرسل تعليقك