بقلم - حسن البطل
سمير شحادة التميمي اخترع بحراً آخر من بحور الشعر العربي أسماه صديقه المتوكل طه: «البحر الأشقر». المتقاعد سمير، أحد زبائن مقهى «رام الله» كان في شبابه أشقر، وصار أبيض، لكن سحنته بقيت بيضاء.
سألت سمير عن سفاسف لجنة فرعية سرية في لجنة الخارجية والأمن للكنيست، عن «أسرار» عائلة التميمي، فأجاب بشتيمة ساخرة، لكن زميلنا حافظ البرغوثي، أشار إلى صورة في المقهى للراحل حسين جميل البرغوثي، أشقر الشعر وأبيض السحنة، وهو قريبه، مع أن حافظ حنطي اللون!
يذكّرني هذا بفيلم أميركي عن غواصة نووية ربّانها أبيض، ومساعده أسود، والربّان الأبيض يريد الرد على انقلاب في أحد جمهوريات روسيا بضربات صاروخية، نووية، بينما يعارض مساعده الأسود.
في البداية، سخر الربّان من مساعده بسؤال: ما لون مولد جياد «الموستانغ» الشهيرة، وهي ماركة إحدى السيارات الأميركية.. وفي النهاية كان جواب مساعد الربّان هو الصحيح: تلد الخيول بيضاء اللون ثم تستحيل سوداء، ويصير مساعد الربّان هو الربّان بعد محاكمة عسكرية للربّان الأبيض.
تعرفون قوانين «ماندل» للوراثة، عن السود والبيض، لكن سفير إسرائيل السابق، في واشنطن، مايكل أورون، يشتغل منذ سنتين على جواب سؤال لطيف سفيه، وهو أن عائلة التميمي، الشقراء ـ البيضاء، ليست حقيقية، وأن أطفالها يتم جمعهم منها ومن خارجها.. وهذا فيلم فلسطيني من أفلام بوليوود Pallywood (B بالباء المعطشة، وP استعارة من P بالأبجدية العربية).
كان شمعون بيريس قد قال عن السحنات المتشابهة الفلسطينية ـ اليهودية «كلنا حنطيون» نافياً عنصرية اللون في مسألة الصراع بينهما.
استندت لطائف أورون بسخائف منها: لماذا يرتدي أطفال آل التميمي من قرية «النبي صالح» الزي الأميركي، ويرتدون قبعة البيسبول الأميركية، علماً أن الـ «تي ـ شيرت» صار زي الأطفال والشباب على نطاق العالم.
يوجد مهاجرون كثيرون من محافظة رام الله إلى أميركا، وتوجد مستوطنات يهودية كثيرة في المحافظة، وأهمها مستوطنة «حلاميش» التي تتوسع وتستولي حتى على ينابيع الماء، والنبي صالح استلمت راية قرية بلعين حول المقاومة الشعبية السلمية، التي يصفها الإسرائيليون بالإرهاب الشعبي.
يبحث أورون، ومعه لجنة فرعية للأمن والخارجية في الكنيست عن «ألغاز» الشقر والبيض في عائلة التميمي، أي منذ حالة إسهال قانوني ـ عنصري في الكنيست الحالي، بنبأ اعتقال الطفلة «عهد» تم قبل أسابيع قليلة.
طفلة ركلت وصفعت ضابطاً اقتحم بيتها، فصارت الصورة ذات تداعيات، إلى درجة أن شاعراً عبرياً كتب عنها قصيدة تمجيد لـ»جان دارك ـ الفلسطينية».
في ولاية كلينتون، تمّ إنجاز الخارطة الوراثية للبشر، وتبين منها ما هو معروف عن تقارب مدهش بين جينات الفلسطينيين وجينات اليهود الشرقيين، وليس يهود الخزر.
في أسرتي شيء من قوانين ماندل، ولي شقيقتان شقراوان بعيون ملونة ـ يرحمهما الله ـ والمسألة هي تزاوج مديد بين آل البطل الشقر أصلاً، وبين آل عباس من ذوي السحنة الهندية (سامبو) الداكنة.
من اللون والسحنة، إلى اللغتين الساميتين: العربية والعبرية، حيث دعاية بالعربية في حيفا لفيلم، أثارت مخاوف أتباع أورون، فتم سحبها، علماً أن الكنيست سنّ قانوناً لإسقاط العربية كلغة رسمية ثانية، ويقوم العنصريون اليهود في المستوطنات بشطب العربية عن شاخصات الطرق.
كان الفيلسوف والطبيب اليهودي ـ الشرقي الأندلسي الرابي موسى بن ميمون يكتب العبرية بحروف عربية، لكن يهود إسرائيل اختصروا اسمه إلى «رامبام» من الرابي موسى بن ميمون!
عندما وضع بن ـ شوشان مبادئ القاموس العبري، عاش في فلسطين وطابق بين اللغتين، ثم جاءت العبرية المعاصرة خلواً من حروف في العربية، وهذا لا ينفي قول درويش: معجزة العبرية هي في إحيائها، دون أن يسخر من تفوق العربية ذات الـ28 حرفاً على العبرية ذات الـ22 حرفاً.
يسهل على اللسان العربي لفظ حروف ليست في أبجديته، مثل ch، وg وغيرها، ولا يسهل على العبرية الحديثة نطق «العين» و»القاف» و»الحاء» و»الضاد»، ووجه الطرافة الفونية ـ الصوتية أن فرقة فنية فلسطينية مقدسية اسمها «إمبلا» حار الإسرائيليون في إيجاد ما يقابلها بالعبرية، وعلى الأغلب ستدخل العبرية المتداولة، كما دخلت «زاكي»، ودخلت «الانتفاضة» لغات العالم مع استبدال حرب «الضاد» بحرف «الدال».
لطائف وسخائف العنصرية تتعدّى مسألة الشعر والسحنة، إلى اللغة، وأخيراً إلى السينما حيث رحّبت وزيرة الثقافة ميري ريغيف بفشل فيلم «فوكسترون» الإسرائيلي من الترشيح لقائمة الفيلم الأجنبي للأوسكار، رغم فوزه في مهرجان البندقية، وكذا لجنة «أوفير» الأكاديمية الإسرائيلية للأفلام.. لماذا؟ لأنه يشوّه صورة الجيش الإسرائيلي «الأكثر أخلاقية»، علماً أنها لم تشاهد الفيلم حسب اعترافها، و»كل فيلم يشوّه صورة الجيش الإسرائيلي غير مؤهّل لتمثيل إسرائيل» كما قالت!
.. وحتى بعد سنتين لم تتوصل لجنة الكنيست إلى جواب لسؤال: من هم آل التميمي؟ إنهم جزء من الشعب الفلسطيني الذي أكدت الصهيونية وجوده، فصار الهمّ الأكبر على إسرائيل من عدة وجوه.
أرسل تعليقك