آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

«الزمزمية»، مصفاة المغربية.. وفروة رأسي !

اليمن اليوم-

«الزمزمية»، مصفاة المغربية وفروة رأسي

بقلم - حسن البطل

قد أُوصي إن أوصيت ـ بعد موتي بالتبرع بفروة رأسي إلى أقرع أو أصلع، شاباً كان أو كهلاً. أبي وإخوتي الذكور ماتوا دون أن يغزو الشيب أو الصلع رؤوسهم!

ها قد بدأت من الآخر، وسأبدأ من الأول: هذه «الزمزمية» في لغة أمّي، أو «المطرة» في لغة الشوام، أي وعاء ماء يتمنطق به العسكري أو فتى الكشافة، كما كانوا يمتنطقون بالهواتف «الغبية» في زنار سراويلهم وصاروا يحملونها في أيديهم أو في جيوب ستراتهم لما صارت كبيرة «وذكية»!

كنت، أوائل خمسينيات القرن المنصرم، ألهو في الخرائب، فعثرت على «زمزمية» من معدن، لعلها من مرميات جنود فيشي الفرنساويين، قبل أن يهزمهم جنود ديغول.

ما كان من أبي إلاّ وأخذ «الزمزمية» ـ المطرة إلى حدّاد، طرقها في كير نار من الفحم الحجري، وحولتها يدا أمّي إلى مصفاة لمعك البندورة وصناعة الرُّب منها، أو بالذات كغطاء طنجرة كثيرة الثقوب، تعلوها مغربية ـ مفتول، وتقلي 

تحتها في الطنجرة قطع من لحم الدجاج وحبات الحمص ومفروم البصل. سأعرف لاحقاً، أنها من الألومنيوم الأصلي الخفيف الذي لا يصدأ.

على «داير» المصفاة فوق الطنجرة، كانت أمّي تحكم البخار المتصاعد بالعجين، وكنت وأخي الصغير نقعي حول الطبخة إقعاء القطط. يستوي عجين داير المصفاة قبل أن تنضج كومة المغربية ـ المفتول.

كنّا نصدّق ادّعاء أمّي لتطعمنا داير العجين بأنه «يقوّي الشعر»، أو نلتهمه من قرصة الجوع في معدتنا.

في المثل الشعبي السائر: «القرعة تتباهى بشعر بنت أختها»، وأنا لا أُباهي الشباب الشابين والكهول الصلع بشعر أسود إلاّ من بياض خفيف في فوديّ أو سوالف فروة رأسي، وقد تخطّيتُ عامي السبعيني بأعوام قليلة.

اعرف أنها الوراثة، وأدّعي مازحاً أنني أصبغ شعري، أو أبلّله بـ «بول البعير»، ولا أدّعي كما كانت أمّي تدّعي أن عجين داير طنجرة المفتول ـ المغربية هو المسؤول عن سواد شعر فروة رأسي.

لديّ أمد حياة أقصاه عشر سنوات، وغالب ظني أنني سأحمل شعر فروة رأسي السوداء إلى قبري، قبل أن يغزوها الشيب!

لما سألني شيخ من طيرة فلسطين (هناك طيرات عدة أكبرها طيرة حيفا ـ مسقط رأسي، وأصغرها طيرة رام الله)، عن سواد شعري، قال نكتة هي غمزة لمّاحة تشير إلى علاقة الصلع والشيب المبكر بالفحولة الذكرية، أو هرمون الذكورة «تستوستيرون»! .. لكن خصوبة الذكورة تقل، ويزداد صلعهم وشيبهم!

أعود إلى الزمزمية ـ المطرة التي صارت مصفاة لإعداد طبخة المفتول ـ المغربية، فأهل المغرب يضيفون إليها خضراوات متنوعة ولحمة وافرة ويسمونها كسكسي ويحبها الفرنساويون كما لاحظت في باريس!

إنها واحدة من ثلاثة أشياء أودعتها أمّي الراحلة لديّ في خريف عمرها، أثناء زياراتها لي لما كنت في قبرص. عدت إلى البلاد بشيئين وتركت المصفاة بأسف كبير، مع سائر أدوات مطبخي القبرصي. لماذا؟ خشيتُ أن تشكّ بها آلات فحص جنود إسرائيل على الجسر، ويفتحون حقائب العودة إلى البلاد.

إلى الآن، على طاولة بيتي علبة خشبية شامية أصلية مطعمة ـ مزخرفة ـ منزّلة، كان اشتراها أبي عام 1956 من باب شرقي ـ دمشق، لتكون علبة حلويات وملبّس ضيافة العيدين الصغير والكبير. إنها ذات حجم مصغّر لطاولات لعبة الزهر الدمشقية البديعة، وهي مبطّنة في جوفها بقماش أحمر زاهي اللون. ربما أُورثها إلى ابنتي أو ابني في لندن.

الشيء الثالث، كان آخر تقاليد الوداع من أمّي إلي، وهو مسبحة عقيق يمانية قديمة الحبات وأصلية، اشتريتها من صنعاء، وعدد حبّاتها 100 حبة، وقسّمتها أمّي إلى ثلاث مسابح لي ولأخويّ الأكبر مني، اللذين ماتا قبل موتي، وماتا بشعر ضارب للسواد.

أطقطق حبّات مسبحة العقيق في بيتي، ولا أحملها خارجه حتى لا تضيع كما تضيع حبّات مسابح رخيصة، أو ولّاعات سكائر، أو أقلام.. وأحياناً شاحن لهذا الهاتف الذكي ـ الغبي.

لا أتملّى وجهي وشعر رأسي.. إلاّ عندما أغسل وجهي صباحاً ومساءً، أو عندما أجلس إلى كرسي الحلاق، الذي يصرّ على تطويل سالفي قليلاً، ليغطّي أعلى شحمة أذني الطويلة فوق العادة، ويدّعي أنّ الأذن الطويلة ذات شحمة الأذن الكبيرة من دلائل طول العمر.

فقط، عند حلّاقي يجفّف شعري المصفوف بـ»سيشوار» خفيف، كل حلقة بين شهر وشهر ونصف، فيحافظ هذا على بصيلات فروة شعري قوية فوق العادة.

.. ربما «داير العجين» ربما الوراثة.. وربما لم أملك أبداً مجفّف شعر.. وين البعير وبولها!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الزمزمية»، مصفاة المغربية وفروة رأسي «الزمزمية»، مصفاة المغربية وفروة رأسي



GMT 04:34 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

حرائق أوروبا مظهر لمخبر

GMT 16:49 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

رسالة الى حزب الله وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 04:49 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أرض العلم

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... قراءة في تفاصيل الأزمة

GMT 04:40 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

احذروا «يناير 2019»
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 07:18 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

برونو مارس يُعلن فوزه بـ " جائزة غرامي " لأغنية العام

GMT 19:30 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 08:30 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

سوبارو تكشف عن سيارة جبارة للطرق الوعرة

GMT 13:56 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

بريشة : علي خليل

GMT 03:13 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الحب على موعد مميز معك

GMT 01:54 2017 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

بيلا حديد تبرز في ثوب أبيض في شوارع نيويورك

GMT 10:32 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

ظروف معقدة يستقبل بها اليمنيين عيد الأضحى

GMT 23:55 2016 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الجزيرتان كشفتا عيوبنا

GMT 11:10 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

زوجة تضع المنوّم لزوجها لتتمكن من خيانته مع جارهما

GMT 14:26 2018 الخميس ,08 آذار/ مارس

"جونو "تدور حول كوكب المشتري منذ العام 2016

GMT 10:07 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

رياض محرز يتجاهل المنافسة مع محمد صلاح

GMT 13:59 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

فريق الباطن يستضيف نظيرة الرائد في الدوري السعودي

GMT 20:02 2018 الخميس ,15 آذار/ مارس

قطة تورط بشكتاش التركي في أزمة مع اليويفا

GMT 04:04 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على جمارك سيارة إنفينيتي QX50 موديل 2017

GMT 15:30 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إليزابيث هيرلي تنقل أجواء القاهرة السينمائي لجمهورها
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen