آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

مصرع السروات الست

اليمن اليوم-

مصرع السروات الست

بقلم/حسن البطل

«الدرب برم» ليلاً، وكان ذلك الدرب أنيساً مثل وجهي صباحاً في المرآة. ماذا لو نظرت في المرآة فلم أجد أنفي او فمي .. او على الأقل شاربيّ. هكذا، أحسست ان الدرب الأنيس صار موحشاً. أين ذهبت السروات السامقات؟ والتينة الهرمة شتاء، الصبية صيفاً؟   
استأجرت بيتا في تلك القرية، لأنني أحببت الدرب الذي يوصلني من مفترق الدكان على الشارع الرئيسي الى مدخل العمارة.   

منحنيات الدرب هي ذاتها، تقريباً، ولكنها صارت مثل ثوب العيد على جسم طفلة ذهبت في الزقاق الموحل في يوم شتاء عاصف.    

البيوت القليلة، على جانبي الدرب، لا تزال في مكانها. لغير هذا اقشعرّ جلد جسدي. الريح الغربية تهب، قوية وباردة، ومختلطة برائحة مريبة كرائحة الضبع. كانت السروات الست السامقات، قد اتخذت وضع الجنود القتلى، الذين حصدتهم رشقة رشاش من كمين غادر للعدو.    

هل رأيت كيف يسقط الجنود قتلى؟ الى جهة الشمال رأس جندي وقدم جندي، الى الجنوب ذراع جندي وبندقية جندي.     

هكذا، سقطت السروات الست، الخضراء على مدار العام، قتيلة على جانبي الدرب، والتينة أيضا؟ عجوز عجفاء في الكوانين؛ وفي عز الصيف تغدو صبية كاعب ذات «نهود» كاعبة لا حصر لها.    

يسقط الجنود على المتاريس لحظة الهجوم الضاري، ويسقطون في المتاريس ساعة الدفاع المستميت. وكانت السروات الست تتمترس، مثل جنود ذوي شجاعة متهورة، وراء ما يشبه المتاريس، وما نسميه «سناسل» او «جدران استنادية».    

عاريا صار الدرب، ذات ليلة، من الجنود - السروات، وعارية صارت جوانبه من المتاريس - السناسل. أين ذهبت السعالي، السحالي، الحراذين.. وهذا الضب السريع، وحتى بعض الأفاعي، المجلجلة او الخرساء، والعقارب السوداء او الشقراء؟    
جميعها دهمها الخراب وهي في السبات الشتوي. جرافة واحدة ذات أسنان شوكية، قتلت السروات - الجنود، وهدمت المتاريس - السناسل. عملياً، قتل بدم الحديد البارد.    

تحت السروة السامقة أعلى من بقية السروات السامقات رصدتُ، ذات صيف، ثلاث حنونات حمراوات بقيت ساهرة، بعيونها الحمراء، حتى منتصف الصيف. في الربيع التالي لم تأت الحنونات المجتهدات الى «صفّ الربيع». قيل ان الشتاء لم يكن شتاء.. لا ماطراً ولا بارداً. عندما جاء شتاء ماطر وبارد، قلتُ: في نيسان المقبل ستصحو الحنونات الحمراوات من سباتها الشتوي (سواء اتفقنا مع إسرائيل على حل مرحلي أم لم نتفق).   

«الدرب برم». السروات الست السامقات مرمية أرضا (كما يسقط الجنود الشجعان قتلى بصلية رشاش من كمين محكم). التينة العجوز اعتلّت صحتها الصيف الفائت، لأنها لم تأخذ جرعة باردة من عواصف الشتاء، فلم تطعمني .. حبّة تين واحدة كل صباح، التينة هي مثل عنقاء، تنهض من تحت الرماد. شتاء تبدو مثل مومياء. صيفا تبدو فاتنة شهية مثل «نفرتيتي».. يفضح ثوب اخضر كنوزها الشهية. بثلاث أصابع تقطف حبّة تين.. تبكي فطامها عن أمها بدموع بيضاء حليبية.   

«الدرب برم»؟! لماذا برم الدرب؟ ثلاثة أمتار ونصف المتر تكفي لمرور السيارات بشيء قليل من الإزعاج.. إذا التقت سيارتان في اتجاهين متعاكسين.    

برم الدرب، وتهدمت السناسل، وسقطت الصنوبرات قتلى، لأن الدرب يجب ان يصير اقل دلالا في منحنياته، ويجب ان يصير عريضا.. ويجب ان تأتي الجرافة بأسنانها الحديدية، لتهدم السناسل، وأوكار الزواحف، وتطيح بالسروات، وأوكار عصافير الدروب المذعورة.   
 
عشرات، مئات من عصافير الدوري تبحث عن رزقها تحت أقدام السروات. اخبط الأرض بقدمي .. فإذا بها تفرّ مذعورة الى مخابئها الخضراء الكثيفة، لكل سروة عباءة خضراء مجلببة قادرة على إخفاء آلاف مؤلفة من عصافير الدوري.   

ستحظى القرية بدرب جديد أوسع واكثر استقامة، وبجدران إسمنتية بلهاء بدل حجارة السناسل. ستبحث العصافير عن سروات بعيدة عن الدرب. ستجد الزواحف أوكارا جديدة لها. وأنا لن أجد دربا كنت احبه! «إكرام الميت في سرعة دفنه» وأما إكرام السروات القتيلة فهو في سرعة تقطيعها ورفعها بعيدا عن حافة «الشارع» الذي انتهك دلال «الدرب».   

أعرف انهم سيتركون السروات القتيلة في مكانها شتاء بعد شتاء، وصيفا بعد صيف.. حتى تنخرها الديدان القارضة.    

لم يعد الدرب درباً، صار الدرب مشروع شارع صغير. للعصافير أجنحة الى دروب أخرى، ولي أقدام ثقيلة. لي وجه في المرآة كل صباح.. وكل مساء. لم يعد ذلك الدرب مرآة روحي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصرع السروات الست مصرع السروات الست



GMT 20:25 2021 الخميس ,01 تموز / يوليو

مرافَعةُ البطاركة أمام البابا

GMT 11:21 2021 الثلاثاء ,29 حزيران / يونيو

هل يبدأتصويب بوصلة المسيحيين في لقاء الفاتيكان؟

GMT 13:21 2021 السبت ,26 حزيران / يونيو

لبنان والمساعدات الاميركية للجيش

GMT 14:31 2021 الإثنين ,21 حزيران / يونيو

الحِيادُ هذا اللَقاحُ العجائبيُّ

GMT 23:33 2021 الخميس ,17 حزيران / يونيو

أخبار من اسرائيل - ١

GMT 16:22 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

أخبار عن بايدن وحلف الناتو والصين

GMT 17:50 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

المساعدات الخارجية البريطانية

GMT 07:38 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

أعداء المسلمين
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:51 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

نجمات أبهرن الجمهور رغم تجاوزهن الخمسين

GMT 17:12 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 06:44 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

أجواء عذبة عاطفياً خلال الشهر

GMT 01:05 2017 السبت ,07 تشرين الأول / أكتوبر

النجمة هند صبري تكشف تفاصيل إنتاجها لأفلام الإنترنت

GMT 10:33 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

روما يهزم برشلونة الثلاثاء عن طريق اللاعب دجيكو

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 04:25 2017 الثلاثاء ,28 شباط / فبراير

كاتي بيري تلفت الأنظار إلى فستانها البني الأنيق

GMT 21:10 2017 الجمعة ,07 تموز / يوليو

يوفنتوس سيجاري عرض أرسنال الخيالي لضم مبابي

GMT 01:57 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

حنان ترك تظهر في عيد ميلاد توأم زينة وتخطف الأضواء

GMT 15:40 2020 الإثنين ,13 تموز / يوليو

دينا راغب بإطلالة فرعونية تتخطى 150 ألف دولار

GMT 03:21 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تستعمل الأغاني بدلًا من أصوات المحركات المزعجة

GMT 21:31 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

"غوغل" تحدث ميزات جديدة للمستخدمين في15 دولة العالم العربي
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen