بقلم : حسن البطل
عندما كان حسن يوسف صديقي في جامعة دمشق، لم يكن يضع حرف (م) وسطاً كما صار زميلي المهني. هو يكتب في جريدة "الوطن" السورية وأنا أكتب في الوطن، بعد أن كتبت في المنفى.
في آخر مقالة لـ"حسن م. يوسف" لتمييز اسمه عمّن يحمل اسمه، كتب في "دفتر الوطن" يوم 25/2/2018 عن بلاده: "لا أريدها كما كانت" رداً على عبارة "سنعيد سورية كما كانت"، أي قبل العام 2011.
يريدها "أكثر عقلانية وعدالة" كما أريدها أنا؛ وأنا ابن غوطة دمشق، أو عاصمة الغوطة، وقد شاع اسمها بالحروف العربية والأجنبية، مع ما يشبه "حرب حسم" بين جيش الدولة والمعارضة المسلحة الإسلامية.
الغوطة غوطتان، شرقية وغربية، كما كانت بيروت خلال الحرب الأهلية، وكما كانت مدينة حلب. حالياً، الغوطة الغربية في يد النظام، والشرقية في يد المعارضة. دمشق تتوسط الغوطتين.
قيل الكثير في مديح دمشق، لكن لا أحد سورياً يقولها غير "الشام"، وقد أضيف إلى ما قيل في مديحها أن دمشق هي "عبقرية المكان" بين الغوطتين.
هي دمشق تتوسط نهر بردى، بمعنى تتوسط بين روافد النهر في الغوطة الغربية، وفروعه في الغوطة الشرقية. روافده الجبلية وفروعه التي تسقي سهول الغوطة الشرقية.
دمشق هي "الشام" عربياً، منذ رحلة الشتاء شمالاً إلى "الشام" ورحلة الجنوب صيفاً إلى اليمن (اليمين).
دمشق الشام، هي عاصمة سورية، ولعلّ اسمها مع اليمن أقدم أسماء دول العالم العربي، وهي مع العراق ثانياً، موطن العروبة السياسية حالياً، بل وموطن الدولة ـ الإمبراطورية العربية الأولى في زمن الخلافة الأموية، لأن شبه جزيرة العرب هي موطن "الدعوة" الإسلامية، وسورية موطن "الدولة" والحضارة العربية الإسلامية.
حسن م. يوسف يردّد في مقالاته اسم سورية ـ سورية سوريانا أو بمعنى سوريّتنا.. نحن نلفظ اسمها بشدة على حرف "الرّاء" لكن رئيس سورية بعد الانفصال عن مصر، ناظم القدسي، عمّم بمرسوم اسمها الرسمي البعثي مع "فتحه" على حرف الرّاء!
قلتُ إن سورية كانت لعبة الأمم قبل وحدتها مع مصر بوصفها "الإقليم الشمالي" وسيطرة البعث العروبي عليها.. ومن ثم صارت لاعباً، والآن لعبة الأمم من جديد.
لا نظير لغوطة دمشق في هذه المعمورة، ذات الـ 36 مليون شجرة مثمرة (حسب معلوماتي القديمة) إلاّ غوطتان واحدة في إيران والأخرى في الولايات المتحدة.
نعم، قلتُ "أنا ابن دوما" عاصمة الغوطة الشرقية، أو التي كانت عاصمة المشمش بأنواعه الثلاثة: بلدي.. وزيري حلو البذرة.. وكلابي، فائق الحلاوة ومر البذرة.. والآن صارت حماة عاصمة المشمش، بعد أن جفت ضروع روافد بردى، ولم يعد يصل بحيرة العتيبة في البادية، على بعد 80 كم من منبعه على علو 850 متراً.
ابن دوما العروبية، عاصمة الغوطة، وموطن ثورة حسن الخراط ضد الانتداب الفرنسي، الذي حاول تقسيم سورية (كبرى بلاد الشام) خمسة أقسام.. وفشل.
سورية بلا دمشق ـ الشام؛ ولا دمشق بلا غوطتيها، لكن الغوطة الشرقية، المحافظة أصلاً عكس الغوطة الغربية، صارت ملاذاً للمعارضة ـ المتعارضة الإسلامية المحافظة.
الصديق القديم والزميل حسن م. يوسف مع سورية الدولة ولو بدا مع سورية النظام ... انا مع سورية الدولة ولكن ضد سورية المعارضة الإسلامية المسلحة.
أرى أن حرباً أهلية ـ إقليمية ـ دولية على وشك دخول عامها الثامن، لن تعيد سورية كما كانت كما لا يريدها صديقي وزميلي.
هو لا يريد سورية كما كانت قبل العام 2011، وأنا لا أريد سورية كما كانت منذ العام 1963، عندما سيطر على الحكم حزب البعث "القائد".
معارضو النظام السوري يخلطون بين الحزب والحكومة والدولة، وبين رأس النظام والدولة، وبين الشعب والحكومة والدولة.
منذ ثورة الشعب السلمية في عامها الأول سقط النظام والحزب لأن حاجز الخوف سقط من نظام وحزب قمعي واستبدادي، لكن الدولة لم تتفكك والجيش لم ينقسم عاموديا وجديا، وإن خسر 50 ألفا من الجنود والضباط.
ربما ينتخب السوريون، في معظمهم، الرئيس الحالي، مرة واحدة أخرى لا غير، لكنه لن يكون زعيم حزب البعث، بل أشبه بالشيوعي فلاديمير بوتين، الذي يترأس حزباً غير شيوعي بل قومياً. سورية الجديدة لن تكون سورية الأسدية.
ستكون سورية، بعد حسم حرب الغوطة الشرقية، غيرها سورية قلب الفكرة العروبية، وسورية المضيافة للأرمن والشركس والفلسطينيين والعراقيين واللبنانيين في أزماتهم ومحنهم، ستكون مشغولة بردّة شعبية سورية وإعادة إعمار البلاد بكلفة 400 مليار دولار.
لبنان ـ الشعب صمد في حربه الأهلية ولم تنقسم بلاده، والعراق انهار جيشه ونظامه وزعيمه وانقسم شعبه، لكن الدولة باقية.. وسورية صمدت جيشاً ودولة، ولم تسقط دمشق تحت الاحتلال الأجنبي كحال بغداد وبيروت.
الحزب انتهى، والنظام انتهى، وسورية الدولة باقية، ولن تنقسم سوى أن العنعنة الوطنية السورية، سوف تتقدم على "الجمهورية العربية السورية" و"القطر العربي السوري".
ينسبون إلى بن ـ غوريون قوله: تفتيت العراق وسورية ومصر.
أرسل تعليقك