بقلم/حسن البطل
كرّست مجلة «روز اليوسف» المصرية، في آخر إصدار وصل رام الله، للاحتفاء بإنجازات ثورة 30 تموز/ يوليو، في مرور ثلاث سنوات عليها.
استوقفتني مقالة معنونة بأحد هذه الإنجازات، وهو إغلاق وتدمير 90% من أنفاق الحدود الفلسطينية ـ المصرية، وطولها 13ـ14كم. هذا يعني أن 10% لم يستكمل الجيش المصري إغلاقها وتدميرها.
حسب تقدير سابق، غير مؤكد، رفع مجموع هذه الأنفاق إلى 900 – 1000 نفق تمتد على ما يسمّيه الفلسطينيون «محور صلاح الدين»، والإسرائيليون محور «فيلادلفيا». كيف نفسر عدد الأنفاق الهائل في مساحة حدودية صغيرة؟ على الأغلب أن عدد فوّهاتها في الجانب الفلسطيني قليل نسبياً، لكن تتفرّع الفوّهات في الجانب المصري، وخصوصاً في رفح الحدودية.
مع فوز الإخوان برئاسة مصر، رحّبت حركة «حماس» برئاسة محمد مرسي، وقام أنصارها باجتياح وتخريب علامات الحدود.
منذ ثورة 30 حزيران/ يونيو، ازدادت شكاوى القاهرة من العلاقة بين إرهابيي سيناء وعناصر تنتمي إلى حركة «حماس» التي كانت تنفي، مُدَّعيَة أن قواتها تسيطر فقط على (9) كم من الحدود، ولا تسيطر على (4) كم الباقية لقربها مع حدود إسرائيل.
كانت القاهرة قد طالبت «حماس» بتسليمها قائمة من نشطائها المتورّطين في عمليات إرهابية تجري في سيناء.
بعد انتخاب قائد قوات «عز الدين القسّام» رئيساً للمكتب السياسي لحماس في غزة زار القاهرة، وتفاهم مع قيادة المخابرات المصرية على إجراءات أمنية لضبط الحدود، قامت «حماس» على إثرها بالبدء في إقامة منطقة أمنية على الجانب الفلسطيني عمقها 100 متر.
تحدثوا عن انفراجة أمنية ـ سياسية بين القاهرة و»حماس»، من ضمنها تفاهم على دور سياسي ـ أمني للمنشق الفتحاوي محمد دحلان.
لكن، في عملية إرهابية قاسية وجديدة، سقط فيها 26 عسكرياً مصرياً و40 من الإرهابيين، عُرفت أسماء ثلاثة كانوا سابقا في صفوف الجناح العسكري الحمساوي. يبدو أن ثلاثة من أربعين قتيلاً عدد صغير، لكن تدريبهم متقدم بحكم خبرة أمنية راكمتها «حماس» في حروبها مع إسرائيل.
هل سنرى تداعيات انتكاسة انفراجة جديدة تشديداً مصرياً آخر على معبر رفح، وتزويداً شحيحاً مصرياً لكهرباء غزة، وتوريداً شحيحاً للسولار إلى محطة الكهرباء.
تشكو «حماس» من «شيطنة غزة» في الإعلام المصري، لكن الخوف هو من «شيطنة الفلسطينيين» في الشارع المصري، الذي شيّع قتلى الجيش بمظاهرات حاشدة وغاضبة.
نعرف أن الشارع المصري لديه حساسية سلبية عالية لكل انتقاد عربي للسياسة المصرية، وهي أعلى وأشدّ إن تعلّق الأمر بدور عناصر فلسطينية في هزّ الأمن المصري لزعزعته.
لعلّ الفلسطينيين أكثر شعب عربي عانى منذ النكبة والثورة من هذا الأمر، إن من الشارع العربي أو النظام العربي، قبل هذا «الربيع العربي» وبعده حيث انسحبت السلطة الفلسطينية، قولاً وفعلاً، من التدخل في الشؤون العربية.
انضمّ السوريون، مؤخراً، إلى هذه المعاناة، بعدما اضطروا إلى لجوء للدول العربية المجاورة، مع أن سورية رحّبت تاريخياً بلجوء اللبنانيين والعراقيين والأردنيين.. ومن قبل الفلسطينيين، وأكرمتهم، بل وشمل ذلك لاجئين من غير العرب.
لن نتحدث عن الحساسيات الشعبية بين دول المغرب العربي، لأن دول الخليج العربي انضمت إلى هذه الحساسيات في الأزمة بين قطر وجاراتها، ومن ذلك أن مؤسسة المرأة العربية سحبت ترشيح السيدة موزة، والدة أمير قطر، من اختيارها السيدة العربية الأولى.
حتى بين شعوب بلاد الشام، الأكثر انسجاماً في العالم العربي، وخاصة بين شعبي سورية ولبنان، صارت تعاني من هذه الحساسية، بل والعنصرية العربية ضد شعوب عربية أخرى.
لماذا العرب عنصريون تجاه بعضهم البعض؟ زميل في علم الأمراض النفسية يقيم في غزة، هو فاضل عاشور يفسر الأمر بأحد أمراض علم النفس، وهو «الإسقاط» فالعرب ضعفاء بشكل عام، وهم متخلفون عن معظم شعوب العالم، وكل يرى في العربي الآخر ضعفه وتخلفه.
صحيح، أن العنصرية موجودة، أيضاً لدى شعوب دول قديمة ومتقدمة، لكن ليس بمثل حدة ما بين شعوب هذا «العالم العربي» وهذه «الأمة العربية».
العنصرية قد تكون دينية ومذهبية وطائفية، أو اقتصادية وعرقية، أو حتى تتعلق بلون البشرة، لكن العنصرية العربية البينية هي من النوع المتخلف بين متخلف وأكثر تخلفاً سياسياً واقتصادياً، وجزءاً من كراهية الآخر لكراهية الذات.
سورية
كان أنطون سعادة، مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي يقول: إن السوريين هم «أمة تامة» ويقصد بالذات ما يُعرف اليوم ببلاد الشام، التي تشكل سورية السياسية الحالية عمادها، وهي الآن في محنة كبيرة من الحروب والاحتراب، ومن الخراب وهجرة السكان الداخلية إلى الجوار العربي والخارجية إلى الجوار غير العربي والعالمي.
مؤخراً، بدأت عودة المهاجرين السوريين في تركيا إلى بلادهم، مع عودة حوالى نصف مليون إلى حلب وسواها، وعودة المهاجرين السوريين في لبنان والأردن إلى مدنهم وقراهم، وبدء انتعاش في مدينة حلب، العاصمة الاقتصادية للبلاد، بعدما نقلت معظم مصانعها المزدهرة إلى تركيا.
أرسل تعليقك