لا أعرف كيف ترجموا في مجلس الأمن إلى الإنكليزية «بعدكم ليس إلا سدرة المنتهى» لكن نهاية الخطبة سهلة ترجمتها الى كل اللغات: «نرجو منكم مساعدتنا على ان لا نقترف شيئاً لا يرضينا، ولا يرضيكم، ولا يرضي العالم».
الإسرائيلي اوري سافير فهم من خاتمة الخطبة، أن أبو مازن الذي بين «المطرقة والسندان» كان يعني أحد أمرين أو الاثنين: الاستقالة، وانتفاضة مسلحة.
على «الفيسبوك» كتب بعض الفلسطينيين مثل ما قاله المندوب الإسرائيلي، وكذا الأميركي بأن لا جديد في الخطبة، ولا جديد قاله الخطيب، لكن المخاطب كان: «أنتم قمة الهرم. وبعدكم ليس إلا سدرة المنتهى».
بين خطاب عرفات الشهير أمام الجمعية العامة ١٩٧٤: «جئتكم بغصن الزيتون وبندقية الثائر.. لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي؛ وخطاب أبو مازن أمام مجلس الأمن: ساعدونا على أن «لا نقترف شيئاً لا يرضينا، ولا يرضيكم، ولا يرضي العالم»، هناك هذه الاوسلو؛ وهناك مشروع «حل الدولتين»، وهناك خطة السلام الفلسطينية بعد خطة السلام العربية.
في العام ١٩٧٤ لم يجلس عرفات على كرسي رؤساء الدول، قبل مخاطبة الجمعية العامة من على المنصة .. لكن في العام ٢٠١٨ جلس ابو مازن على الكرسي في مجلس «حذوة الحصان» وأمامه عبارة «دولة فلسطين».
«بعبع» الفيتو الأميركي حال دون مجلس الأمن والاعتراف بقرار غالبية أعضاء الجمعية العامة بدولة فلسطين عضوا مراقباً. بهذا الاعتراف كانت لوحة التعريف «دولة فلسطين».
أميركا الترامبية التي تهدد بالانسحاب من اتفاق ڤيينا حول إيران النووية، انسحبت من موافقتها على «حل الدولتين» فانسحبت فلسطين من قبولها الاحتكار الأميركي لعملية السلام تفضي في ختامها الى «حل الدولتين».
هذه أول مرّة تقترح فيها فلسطين، رسمياً، على «قمة الهرم» في الشرعية الدولية عقد مؤتمر دولي صيف هذا العام، وأول مرة تعلق فيها وزارة الخارجية الأميركية، رسمياً، على الاقتراح بأنها ستدرس المسألة، اذا رأت ان في ذلك فائدة.
مجلس الأمن مجبر بروتوكولياً، على ان يجلس الرئيس ابو مازن خلف هذا التعريف «دولة فلسطين» لكن الخطيب الفلسطيني ليس مجبراً على الاستماع الى ثرثرة متوقعة من نايكي هيلي، التي جلس خلفها كوشنير وغرينبلات، ولا تخرصات المندوب الإسرائيلي دانون عن أبو مازن: «لم تعد جزءاً من الحل، بل جزءاً من المشكلة».
هل خطاب ٢٠ شباط هو الأخير أمام محفل دولي، بعد ان ردّ أبو مازن، خلال ساعة، على خطاب ترامب حول القدس، ثم خاطب مؤتمرا إسلامياً في إسطنبول، ومجلس جامعة الدول العربية، ومؤتمر أديس أبابا للقمة الإفريقية، وبين هذا وذاك تحدث الى المجلس المركزي الفلسطيني، وأمام وزراء الاتحاد الأوروبي في بروكسل .. عدا العديد من لقاءاته مع رؤساء الدول.
كانت السلطة الفلسطينية، التي هي ذراع تنفيذية لمنظمة التحرير، قد لمحت الى سحب اعترافها بدولة اسرائيل، لكن في خطاب مجلس الأمن جاءت الصيغة «تبادل الاعتراف بين دولة فلسطين ودولة إسرائيل، على حدود العام ١٩٦٧، مع قبول تبادل طفيف للأرض، بالقيمة والمثل، بموافقة الطرفين».
كما يبدو من تعليق الخارجية الأميركية، وتعليق نتنياهو، أن توقعاتهما كانت طرح أفكار جديدة وبناءة، تساعد الإدارة الترامبية تعديلات لاحقة لخطاب الاعتراف بالقدس، لكن ابو مازن لم يتزحزح قيد أنملة عن القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين، ومفتوحة للديانات الثلاث، وعن رفض دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، وان يشمل اي حل شامل عناصر الحل كلها، بما فيها حل مشكلة اللاجئين حلاً عادلاً ومتفقاً عليه.
«الخطبة» أمام مجلس الأمن تضمنت لأول مرة «خطة» فلسطينية للسلام تشمل مبادرة السلام العربية «من ألفها الى يائها»، لكن البعض الفلسطيني رأى المشكلة في موقف الخطيب، الذي كان شديداً وخاطفاً في الرد الحاد على خطاب ترامب، سواء كان رداً فورياً، أم أمام مؤتمرات دولية، لكن المخاطب هذه المرة كان مجلس الأمن، او «قمة الهرم» في قرار الشرعية الدولية، وانتهى مع هذا النذير. «نرجو منكم مساعدتنا على أن لا نقترف شيئاً لا يرضينا، ولا يرضيكم، ولا يرضي العالم».
هل هذا تهديد بقلب الطاولة، ومن فوضى خلاقة أميركية الى فوضى غير خلاقة، او تحطيم الأواني، او هو «خيار شمشوني عليّ وعلى أعدائي»؟
«المعلول» هو فلسطين والسلام، وموطن العلة في انحياز الولايات المتحدة الى إسرائيل، بما أخرجها عن دور احتكار الوسيط النزيه.
يرى أبو مازن أن «الوقت المناسب» لإنقاذ عملية السلام هو منتصف هذا العام، بينما ترى إدارة ترامب ان «الوقت المناسب» لإعلان خطة الصفقة لم يحن بعد، لكن سواء أعلنتها واشنطن ام لا، فهي غير مناسبة منذ إعلان مقدماتها.
يبدو ان ابو مازن يراهن على روسيا والاتحاد الأوروبي والصين، ولا يراهن على استقالة نتنياهو التي يراها لن تؤثر على استمرار الائتلاف اليميني - الديني في الحكم، وربما يراهن على خسارة ترامب في الانتخابات، لكن رهانه الأول على شعبه الذي طالما فاجأ إسرائيل، التي يصعب عليها خوض حرب على عدة جهات، بينما تكون فلسطين في انتفاضة مسلحة ثالثة!
الشرعية الدولية والقانونية في يد، وفي الأخرى قلب الطاولة.
أرسل تعليقك