قرابة سنوات ثلاث انصرمت على تشكيل القائمة المشتركة، وفوزها بـ13 مقعداً في الكنيست، نتيجة مفاوضات ائتلاف بين ستة أحزاب وقوى عاملة في الوسط الفلسطيني في إسرائيل.
على مدى هذه السنوات، تشير استطلاعات الرأي الإسرائيلية إلى ثبات مدهش لمقاعد القوة البرلمانية الثالثة في الكنيست، بينما تتذبذب احتمالات عدد مقاعد الأحزاب الصهيونية واليمينية في انتخابات لاحقة، مبكرة كانت أم اعتيادية.
كانت الاستطلاعات التي سبقت آخر انتخابات تشير إلى تقدم قائمة "المعسكر الصهيوني "العمل + حزب ليفني"، لكن صيحة نتنياهو المحمومة: العرب يتدفقون على مراكز الاقتراع لصالح "اليسار" قلبت النتيجة لصالح الليكود وتحالفاته مع جرائه (ليبرمان، بينيت، كولانو).
في مرحلة ما، كان حزب "كاديما" المنشق عن الليكود، هو الحزب الأكبر، لكن هذه "الفقاعة" الأكبر في تاريخ "فقاعات" الأحزاب الجديدة، لن تحرز مقعداً، بعد فشل زعيم "العمل" اسحاق هيرتسوغ، وفوز عمير بيرتس أولاً، ثم آفي غباي ثانياً، وكلاهما "شرقيان" الأول كان زعيماً للحزب، والثاني وجه جديد، يُقال إنه إذا فاز، سيكون مثل فوز ماكرون برئاسة فرنسا. سيعود حزب "العمل" إلى اسمه الأصلي، بعدما كان "المعراخ".
على الأغلب، سيحاول الزعيم الجيد لحزب "العمل" بناء ائتلاف صهيوني آخر مع حزب "كولانو" و"فقاعات" حزبية جديدة، لكن فوزه على الليكود أمر غير وارد، حتى لو تحالف مع حزب يئير لبيد "هناك مستقبل".
هل هناك احتمال لتشكيل ائتلاف برلماني عربي ـ صهيوني يصبح القوة الثانية في الكنيست؟ لأن الـ 13 مقعداً تشكل السقف المنظور للقائمة العربية المشتركة.
لو جمعنا عدد المقاعد الحالية للقائمة المشتركة الـ 13 مع مقاعد حزب "ميرتس" سيكون لدينا، نظرياً، 18 مقعداً في الأقل، قابلة للزيادة.
كان هذا ممكناً في أطر انتخابات قطرية، لو اتفقت القائمة المشتركة مع "ميرتس" على اتفاقية توزيع فائض الأصوات. لكن وجهة نظر الجبهة ـ حداش في هذا لم توافق عليها بقية أحزاب القائمة المشتركة، وهكذا كسب الحزب الأكبر، الليكود، مقعدين آخرين، لأن النظام هو أن تصب "فراطة" الأصوات المبعثرة لصالح الحزب الأكبر الفائز.
بعد تشكيل القائمة المشتركة، رداً على رفع نسبة الحسم، التي اقترحها ليبرمان، لتقليل عدد المقاعد العربية، كتبت في 27 تشرين الأول 2015 أن ما كان الحزب الشيوعي الإسرائيلي، ثم القائمة الشيوعية الجديدة ـ راكاح، ثم الديمقراطية للسلام والمساواة، تقدم من الحزب العربي ـ اليهودي الوحيد، إلى الحزب الرائد.. وصار الحزب القائد للقائمة المشتركة.
في المقابل، تشكلت "ميرتس" بزعامة الراحلة شولاميت ألوني، من حركة "حقوق المواطن ـ راتس"، وبقايا حزب "مابام" (حزب العمال الموحد) وبعض "شينوي"، علماً أن "مابام" كان في مرحلة ما ثاني الأحزاب بعد "ماباي ـ العمل".
حافظ "راكاح" على كونه حزباً عربياً ـ يهودياً، وعلى وجود يهود تقدميين في قائمته للكنيست، ممن يرفعون شعار: المساواة والسلام، الذي صار يعني الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة، وإقامة سلام بين دولتين.
قبل ثلاثة أسابيع، نشر رئيس القائمة المشتركة، أيمن عودة، مقالاً يدعو فيه إلى إقامة "معسكر ديمقراطي" عربي ـ يهودي. لماذا؟ لأن جنوح إسرائيل المتزايد نحو اليمين المتطرف، واليمين الديني، و"تأتأة" حزب "العمل" في موضوع "الحل بدولتين" يعني أنه لا بد من "معسكر ديمقراطي" لتغيير سياسة إسرائيل، وهو أمر لا تستطيع الأقلية العربية، ولا القوى اليسارية الحقيقية والليبرالية اليهودية تحقيقه إن لم توحَّد جهودها في صيغة "معسكر ديمقراطي".
في هذه الدعوة نوع من المخاطرة بانفراط ائتلاف القائمة المشتركة، لكنها تشكل نوعاً من الرهان على زيادة مقاعد "المعسكر الديمقراطي" بدءاً باتفاق بين القائمة و"ميرتس" على توزيع فوائض الأصوات.
حسب الزميل عماد شقور، فقد يلعب "المعسكر الديمقراطي" دوراً فاعلاً يذكّر بدور الأقلية اليهودية في أميركا، والأقليات اليهودية في دول أوروبا، علماً أن هؤلاء وأولئك لا يشكلون 20% من السكان، كما يشكل الفلسطينيون في إسرائيل.
هناك في إسرائيل قوة ناخبة من المثقفين الصهاينة لا تجد نفسها في الأحزاب الإسرائيلية الحالية، وهي تعارض الاحتلال، وصعود اليمين القومي واليمين اليهودي المتطرف، وقد تفضل التصويت إلى حزب "ميرتس" إذا تحالف مع القائمة المشتركة، علماً أن هذا الحزب هو حزب اليسار الصهيوني الحقيقي في إسرائيل، وعندما شكل راببن حكومته قبل أوسلو، كان عدد مقاعده 12 مقعداً، مقابل 5-6 لاحقاً، وبفضل هذه المقاعد وعدة مقاعد عربية، أمكن رابين تمرير اتفاقية أوسلو بأغلبية ضئيلة في الكنيست.
بينما يرفع الليكود مطلب اعتراف الفلسطينيين بـ"يهودية" إسرائيل، فإن حزب "ميرتس" يدعو لفصل الدين عن الدولة، ولإنهاء الاحتلال والاستيطان، ولعقد سلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وهو الحزب الصهيوني الوحيد الذي يحرص على وضع مرشح عربي في مكان مضمون من قائمته الانتخابية، وبفضله كانت عربية احتلت أول مقعد في الكنيست.
أرسل تعليقك