آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

الصرح على التلّة

اليمن اليوم-

الصرح على التلّة

بقلم/حسن البطل

هكذا يتبدّى لي أو يتراءى. أتملّى المطوية ـ (البروشور) بعدما أتملّى هيكلاً خراسانياً. أنت وأنا ننتهي إلى عظام، وهذا الهيكل على التلّة تقول مفردات المطويّة إنه سيكتسي جلداً، من بعد إكساء الهيكل بما في الأحشاء من أعضاء، وبما فيهما من شرايين وأوردة وأعصاب.

عن ماذا أحكي؟ عن مركز ثقافي كان في دارة جميلة وقديمة، ذات طبقة واحدة، مستأجرة أو مملوكة، سيصير مركزاً «في خدمة الثقافة والتربية في فلسطين والعالم العربي»!
الدارة الصغيرة في حي الماصيون ستكبر وتنتقل إلى مبنى متعدد الطبقات مساحته 7730م2 في حي الطيرة، ليس بعيداً سوى بربع قوس دائرة عن ميدان نيلسون مانديلا، سيكون «مؤسسة عبد المحسن القطّان، ولعلّ الناس سيعرفونه كمركز فلسطين الثقافي.

تحت الجلد، فإن أطراف جسم الإنسان أربعة، وتحت جلد الهيكل العديد من أعضاء الأحشاء والشرايين، وتقول المطويّة إن مرافق هذا الصرح الثقافي تتوزع إلى 11 مرفقاً، بما يجعله يشمل مجالات الثقافة كلها أو جلّها، ويضيف إليها مقهى ومطعما، وصالة رياضية، وحتى غرف الإقامة!
تحتل المكتبة الحيّز الأكبر، ويتعدّى ما فيها الكتب والدوريات إلى أقلام وأقراص مدمجة، وفضاءات قراءة ودراسة. هناك صالة عرض (غاليري) وأستوديو فنون بصرية وأدائية، ومسرح صغير.. إلخ.

هذه سنة ملعونة الذكرى: قرن على بلفور، نصف قرن على الاحتلال، وهي، أيضاً، سنة ثقافية ميمونة في بناء بنية ثقافية للدولة: المتحف الوطني في بيرزيت. متحف عرفات في رام الله. تحويل قصر الضيافة مكتبة وطنية، وإعادة هيكلة وتحديث المسرح البلدي القديم في رام الله.

في فجر واعد للسلطة الوطنية، كان عرفات يسأل: أين روتشيلدات فلسطين؟ بعضهم انصرف إلى ميادين عمرانية ـ عقارية ـ تجارية ـ مالية شتّى؛ وأما عبد المحسن القطّان بالذات، فانصرف إلى الاستثمار في  البنية الثقافية للشعب وللدولة، وهذا بالطبع، دون لقاء وعائد مادي.

تأثرتُ حقاً وعميقاً، لما رأيت صورة للمحسن الثقافي الأول في فلسطين، يتفقد هيكل صرحه، ويُسنده من أحد ذراعيه ابنه عمر، وآخر من ذراع أخرى.

عسى أن يمدّ الله في عمره ليقصّ شريط افتتاح أهمّ صرح ثقافي في فلسطين.
بدأ عبد المحسن في بناء أساس آخر وأهم، وعلى مدى سنوات، توزّع مؤسسته جوائز للمبدعين الشباب في كل مجال: من القصة والرواية، إلى الشعر، وإلى الفنون التشكيلية وغيرها من مجالات الإبداع الشبابي.

نعم، لدينا جوائز فلسطينية عدّة سنوية للمبدعين الكبار، ويحصل فلسطينيون على جوائز عربية وحتى عالمية، لكن لعلّ جوائز مؤسسة القطّان للشباب تبدو موزونة ومستحقة أكثر من غيرها، ربما لأن سواها للتكريم أحياناً. وعن مجمل الأعمال أحياناً.
ما هو استثناء صرح ثقافي مؤسسة عبد المحسن القطّان؟ وحده مع المتحف الوطني في بيرزيت من المباني «صديقان للبيئة» ووحدهما يصنّفان مبانيَ «خضراء» في استخدام موارد طاقة نظيفة من الشمس.
ما تبنيه مؤسسة القطّان للثقافة وأجيالها يتعدّى فلسطين، ويمتدّ إلى الشتات الفلسطيني في بلاد عربية، وحتى إلى لندن مثلاً.
كانت النيّة، وكان القصد والتخطيط، أن يواكب افتتاح صرح المؤسسة أيام السنة الجارية المحمّلة بالتواريخ، كما افتتاح مبنى المتحف الوطني في بيرزيت، ومتحف عرفات في عرينه ومقاطعته وضريحه، ولا بأس أن يتأخّر افتتاح أهمّ صرح ثقافي شهوراً، بل سنة أخرى، وربما فترة أطول، قليلاً أو كثيراً، لتعمل مرافق الصرح في طاقة قوة الزخم المخطط لها.

ليكن، أن أوسلو السياسية خيّبت الرجاء المأمول منها وطنياً؛ ليكن أن السلطة الفلسطينية خيّبت الآمال المعقودة عليها سياسياً وإدارياً.. لكن صارت فلسطين هي مركز الثقل الفلسطيني على أصعدة عدة: ديموغرافياً، واقتصادياً، وثقافياً، ومؤسساتياً، وعلى حداثة الإدارة الفلسطينية عربياً، فإن أحوالها ومنجزاتها تتقدم على إدارات دول عربية مستقلة.

سوف يُشار، في كتب التاريخ الفلسطيني اللاحقة، إلى أن رجالاً على غرار عبد المحسن القطّان كانوا من بناة فلسطين الجديدة، الناهضة من النسيان والركام. يكفيها أنها كرّمت بطلها القومي وشاعرها القومي كما لم تفعل دولة عربية.

ليست مؤسسة ياسر عرفات ومؤسسة عبد المحسن القطّان سوى نواتين من أنوية نهضة فلسطين: جامعات جديدة، مستشفيات جديدة، مدارس أخرى، ونهضة عمرانية غير مسبوقة منذ الاحتلال. الكميّة تصير نوعيّة!

روتشيلدات فلسطين؟ لعلّ عبد المحسن القطّان من أوائلهم، وربما من أكثرهم نفعاً أو عائداً في الغد لجيل ثقافي فلسطيني جديد.
لقد كان عصامياً شاباً في زمن النكبة، واستحق اسمه «عبد المحسن» لشعبه وبلاده في زمن النهضة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصرح على التلّة الصرح على التلّة



GMT 20:25 2021 الخميس ,01 تموز / يوليو

مرافَعةُ البطاركة أمام البابا

GMT 11:21 2021 الثلاثاء ,29 حزيران / يونيو

هل يبدأتصويب بوصلة المسيحيين في لقاء الفاتيكان؟

GMT 13:21 2021 السبت ,26 حزيران / يونيو

لبنان والمساعدات الاميركية للجيش

GMT 14:31 2021 الإثنين ,21 حزيران / يونيو

الحِيادُ هذا اللَقاحُ العجائبيُّ

GMT 23:33 2021 الخميس ,17 حزيران / يونيو

أخبار من اسرائيل - ١

GMT 16:22 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

أخبار عن بايدن وحلف الناتو والصين

GMT 17:50 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

المساعدات الخارجية البريطانية

GMT 07:38 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

أعداء المسلمين
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 17:02 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 15:27 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

وصول الفنان عمار العزكي إلى تعز

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:24 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

اجتماع للحكومه اليمنية للوقوف على الأوضاع الراهنة في تعز

GMT 05:37 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

نيوزيلندا وجهة سياحية مميزة تتمتع بمناظر طبيعية خلابة

GMT 01:35 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

محمد بن زايد يطلق حزمة اقتصادية بـ 50 بليون درهم

GMT 01:44 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة توضح مساعدة الأنظمة الغذائية في التصدي للأمراض

GMT 12:20 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

وزارة التربية الفلسطينية تعلق الدراسة في "رام الله" و"البيرة"

GMT 04:58 2017 الأحد ,01 كانون الثاني / يناير

جاكلين عقيقي تؤكد أن "القوس" من الأبراج الأكثر تفاؤلًا

GMT 19:20 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

النجم الفرنسي أوليفيه جيرو يحرز جائزة بوشكاش

GMT 13:49 2019 الخميس ,14 شباط / فبراير

عرض كارولينا هيريرا carolina Herrera 2015
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen