بقلم/حسن البطل
شاعر قديم تغزّل في حبيبته. قال: كأن خطوتها من بيت جارتها/ مرّ السحابة لا ريثُ ولا عجل".
حسناً، عوضاً عن مأثور قول: كلام الليل يمحوه النهار، سنقول: بعد ستة شهور من سحابة أطلقها دونالد ترامب في سماء حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وأسماها: "صفقة تاريخية" تبدّدت سحابة صيف، أو صارت الصفقة "تفليسة" وعودة إلى سياسة "خطوة ـ خطوة" (ستيب ـ باي ـ ستيب).
كانت لإدارات أميركية سبقت، وخاصة إدارة بوش ـ الابن خطّة هي "الحل بدولتين" وأساسها عملي وبسيط: تمادي الاستيطان يقضم هذه الخطّة. جاء صاحب "الصفقة التاريخية" وقال دولتان. دولة واحدة.. سيّان إن اتفق الجانبان على أيهما.
لا، ليس "سيّان" لأنه أتبع مقولته هذه بالقول: الاستيطان ليس هو المشكلة؟
خذوا أسرارهم من صغارهم، أو خذوها من أزواج بناتهم، وهذا "الولد" زوج إيفانكا أبلغ جلسة مغلقة مع بعض أعضاء مجلس الشيوخ قوله: ليس لإدارة "الصفقة" أي "خطة خاصة". لماذا؟ "ربما ليس هناك حل للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني".
لا تهمُّنا مشاكل دونالد ـ الابن مع دونالد ـ الأب في المسألة الروسية. لا تهمُّنا مشاكل يائير ـ الابن مع بنيامين الأب في ملفات الفساد 1000 ـ 2000 ـ 3000 (الأخيرة صفقة الغواصات الألمانية). لا تهمُّنا علاقة بيبي بسارة، ولا ترامب بميلانيا.
ما الذي يهمُّنا؟ أن حزب الرئيس الجمهوري يسيطر على الكونغرس؛ وحزب الليكود اليميني يسيطر بتحالفاته، الأشدّ يمينية، على الكنيست، والكونغرس والكنيست يتسابقان في سَنِّ تشريعات القوانين المعادية للفلسطينيين، والرئيس هناك ورئيس الوزراء هنا يشكوان من صحافة بلديهما، ويتهمانهما بالميل إلى اليسار، كأنَّ في أميركا يساراً؛ وكأنَّ في إسرائيل بقي يسار (عدا القائمة المشتركة العربية وحزب ميرتس الصهيوني).
لترامب مشكلته مع "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" وليس مع محطة "سكاي نيوز"، ولبيبي مشكلة مع "هآرتس" وليس مع "إسرائيل هايوم".
من المستبعد أن يضطر ترامب للاستقالة كما الرئيس نيكسون، بسبب المسألة الروسية وطريقته في إدارة وإقالة وتعيين رجال إدارته، وفظاظته مع رؤساء الدول. من المستبعد، كذلك، أن يضطر بيبي إلى الاستقالة كما سلفه ايهود اولمرت.
الأسباب مختلفة أميركياً عن الأسباب الإسرائيلية، لا لأن ترامب ادعى "أنا الأعظم في العالم" ولا لأن نتنياهو يقول عن تحقيقات الفساد المالي: "لن يتوصلوا لشيء لأنه لا يوجد شيء".
قد لا يحصل ترامب على رئاسة ثانية، لكن بيبي عاصر إدارات الرؤساء: كلينتون، بوش ـ الابن، أوباما.. والآن ترامب.
إن أحسَّ بيبي برائحة لائحة اتهام جنائية، فإنه يمسك خشبة الخلاص: الدعوة إلى تبكير الانتخابات العامة، وفي نتيجتها، كما تقول استطلاعات الرأي، أنه سيفوز بولاية خامسة، ليكون "الأعظم" في طول رئاساته للحكومة، متقدماً على مؤسس إسرائيل دافيد بن ـ غوريون.
رئيس السلطة، أبو مازن، ليست لديه مشكلة مع "الصفقة" إن كانت تؤدي إلى "الحل بدولتين"، ولا مشكلة مع طاقمها اليهودي الثلاثي: صهره ومستشاره الأول، سفيره في إسرائيل، ومدير صفقاته، لكنه لأسباب رفض أن يستقبل دافيد فريدمان، ثم رفض أن يستقبل مدير صفقاته، وقد يرفض أن يستقبل زوج ابنة ترامب، لأن إدارة ترامب لا تملك "خطة خاصة" نتيجة منطقية لادعاء رئيسه أن الاستيطان ليس المشكلة!
من يماري في الحقيقة الماثلة السياسية ـ الاقتصادية العالمية، وهي أن أميركا هي الدولة الأعظم، لكن ادعاء الرئيس الـ45 أنه "الأعظم" ليس سوى نرجسية مرضيّة، ما دامت سيطرة حزبه على مجلسي الشيوخ والكونغرس لا تمكنه من إلغاء "أوباما كير" بينما يتعامل مع أركان إدارته وجنرالاته كأنهم أحجار شطرنج!
ماذا عن نتنياهو؟ إنه يغطّي التحقيقات في فساده، كأنه يطلي على خبزه العفن مُربَّى وزبدة من الأيديولوجيا التوراتية والسياسة اليمينية.
ماذا عن سحابة "صفقة" تبدَّدت إلى إدارة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بدلاً من حلِّه؟ يقول صهر الرئيس في شهادته إن إدارة ترامب أنجزت اتفاقين: الأول بيع إسرائيل للسلطة 30 مليون م3 من المياه المحلاة، والثاني حلُّ أزمة الحَرَمْ.
الإنجاز الأول صحيح على عِلاته، لأن إسرائيل "تشفط" معظم مياه الضفة، وتبيع بعض المياه المحلاة. الثاني: مجرد ادعاء ليس إلاّ. المقادسة والشعب والسلطة أولاً، ثم الأردن هم من خاض وذاد عن بوّابات الحرام القدسي.
تمخّض جبل "الصفقة" فأراً هو أن لا حل للصراع إلاّ في إدارته، وعلى الفلسطينيين أن يديروا مشاكلهم نحو حل هذا الانقسام.
باسل الصفدي
شعرت بما يشبه يداً تعصر قلبي في مصير مهندس البرمجيات الفلسطيني ـ السوري باسل الصفدي، وهو في المرتبة 19 عالمياً، ومن أفضل 100 عالم على مستوى العالم.
يمكن لحروب "الربيع العربي" أن تدمِّر المدن، ويمكن إعادة بناء ما دمَّرته الحروب. يمكن تدمير الآثار وإعادة ترميم ما يمكن.. لكن إعدام خيرة العلماء هو تدمير للمستقبل.
التحالف الدولي الذي دمَّر الرايخ الثالث ومدنه، تسابقت جيوشه إلى أسر العلماء الألمان، وتسخيرهم، لاحقاً، في برامج المنتصرين للصواريخ والأسلحة الذرية.
لا يعرف الكثيرون أن فلسطينياً سورياً كان أحد العقول المديرة لبرنامج الصواريخ العراقية، واضطر إلى اللجوء إلى المغرب حيث مات من الغمّ والمرض. إنه ابن خالي وابن طيرة ـ حيفا.
مفارقة: الاتحاد الأوروبي يريد تجنيس اللاجئين الفلسطينيين.. والجامعة العربية تحتج باسم "حق العودة"؟!
أرسل تعليقك