بقلم/حسن البطل
أحد زملائي، من كُتَّاب هذه الصفحة، كتب في سياق مقالته، قبل شهور، أنه سأل عرفات: لماذا ذهبتم إلى أوسلو؟
لست متأكداً أنه أكرم عطا الله، لكني متأكد من جواب عرفات: رفع كوعيه عن الطاولة، وأسند ظهره إلى الكرسي، وقال: «لم يعد لنا ظهير عراقي. لم يعد لنا ظهير سوفياتي».
في مقالة للزميل حازم صاغية، أعادت «الأيام» نشرها نقلاً عن «الحياة» اللندنية، عرض لتحولات الأعوام 1993، عام توقيع أوسلو، و2011 اندلاع الربيع العربي.
لعله سها عن أهمّ تحوُّل درامي عالمي، ألقى بثقله الوخيم على المسألة الفلسطينية، في أيلول 2011، وبه ساد الخطاب الأميركي والعالمي وصف كل عنف مسلح أنه «إرهاب» وكل عنف يقابله أنه «دفاع» مشروع.. منذ الانتفاضة الثانية.
بنت إسرائيل على هذا وصفها لكل شكل من المقاومة باعتباره «إرهاباً» شعبياً ولو كان سلمياً، و»إرهاباً» سياسياً ودبلوماسياً. هذا يشمل «الظاهرة البلعينية» 2006، وكذا سياسة ودبلوماسية رئيس السلطة الدولية، منذ توقف المفاوضات المباشرة مع إسرائيل 2009.
إلى أين وصلنا؟ إلى مقالة الزميل طلال عوكل في «آراء» الاثنين، الذي يتهم أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بالانحياز إلى إسرائيل، لوصفه عملية مستوطنة «حلميش» بأنها «إرهاب»، ورأى الكاتب أن موقفه المنحاز يخالف قرار الجمعية العامة المرقوم 2334 الذي يعتبر الاستيطان غير شرعي وغير قانوني.
بدأ الفلسطينيون مقاومتهم المسلحة في زمن كانت فيه الجمعية العامة تدعم في قراراتها حق الشعوب في النضال، بما فيه الكفاح المسلح، لتقرير مصيرها. عندما شجب عرفات في باريس أواخر السبعينات كل أشكال الإرهاب، قبل هذه الأوسلو، اضاف إليها «إرهاب الدولة» الذي تمارسه إسرائيل كدولة محتلة. ألا يشمل هذا الاستيطان بوصفه نقلاً لرعايا دولة الاحتلال إلى أراض محتلة، لأنه يخالف القانون الدولي.
بعد توقيع أوسلو قال أبو مازن: هذا قد يوصلنا إلى الدولة، وقد يؤدي إلى فشل النضال السلمي الفلسطيني.
انتهت الانتفاضة الثانية إلى نكسة لعملية أوسلو من جهة، وإلى توافق الشرعيتين الفلسطينية والدولية على «حل الدولتين» من جهة أخرى، وحققت فلسطين مكانة «دولة غير عضو» في الجمعية العامة، ودولة عضو في بعض منظماتها مثل «اليونسكو».
بعد فشل آخر المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية المباشرة، بين أبو مازن وأولمرت، صارت المفاوضات «عبثية» في رأي أبو مازن، وكذلك الأمر صارت المقاومة المسلحة و»حروب غزة».
لم يتوقف انتقاد أسلوب وطريقة المفاوضات المباشرة بعد توقفها عام 2009، مع الثناء على طريق المقاومة الشعبية السلمية، بدءاً من بلعين 2006.
منذ ما قبل العام 2015 حيث بدأت عمليات الطعن والدهس، بمبادرات فردية، خارج مناطق السيطرة الفلسطينية للسلطة، التي صارت سيادتها اسمية بعد اجتياح العام 2012، انصبّ الانتقاد الشعبي الفلسطيني على «التنسيق الأمني».
حسناً، لنعد إلى ما قبل الانتفاضة الثانية، التي أنهت السيادة الأمنية الفلسطينية على المنطقة (أ)، فقد كانت بشكل دوريات مشتركة على الطرق، وتنسيق مدني وأمني في مكاتب الارتباط DCO.
الآن، صارت تنسيقاً أمنياً عبر الهاتف في مكاتب الارتباط، التي تتولّى، أساساً، اتصالات مدنية وتنسيقاً للترابط الاقتصادي والتجاري، والزيارات، وعبور الناس.. إلخ!
أبو عمار اتخذ قرار حياته الصعب بدعم الانتفاضة الثانية، وفي نتيجته توقف التنسيق الميداني والدوريات المشتركة في شوارع مدن المنطقة (أ).
أبو مازن، الذي أخذوا عليه وصف التنسيق بأنه «مقدّس»، لم يكن يقصد، بالذات، جانبه الأمني، وهو في هذا محق، لكنه اتخذ قرار حياته وحياة شعبه الصعب، وبعدما مسّت إسرائيل عصب «المقدّس» في القدس جمّد كافة أشكال التنسيق.
أمكن بالتنسيق الأمني تلافي صِدَام مسلح بين جيش الاحتلال، خلال تغلغله بمناطق السيادة الفلسطينية والأمن الفلسطيني. هذه خطوة مجازفة محسوبة، توقع رئيس السلطة بعدها مرحلة «صعبة جداً» لأن جوانب غير أمنية تمسّ حياة الشعب سوف تتأثّر مع هذه «القطيعة» المؤقّتة، المربوطة بعودة أوضاع الحرم القدسي والقدس إلى ما كانت عليه، من رفع البوابات الإلكترونية إلى وقف الاستيطان في القدس وسواها.
حكومة إسرائيل صعدت إلى الشجرة لأسبابها الائتلافية، والسلطة صعدت إلى الشجرة لأسبابها الشعبية، وهذا وذاك دفع الأمور إلى احتمالات مفتوحة على غير صعيد.
هل ستؤدي ثلاثة اجتماعات دولية هذا الأسبوع (مجلس الأمن) وإسلامية (اجتماع وزاري لمنظمة التعاون الإسلامي ـ تركيا) وعربية (اجتماع وزاري عربي) إلى خفض تصعيد في القدس وفلسطين من جانب حكومة إسرائيل، واستبدال البوابات بكاميرات ذكيّة، أم أن سلاح الصلوات خارج الحرم سيتطور إلى ما هو أبعد من إزالة البوابات والكاميرات؟
المهم، أن مسألة القدس ومقدساتها وتهويد المدينة المتسارع عادت إلى دفع المسألة الفلسطينية ـ الإسرائيلية إلى الصدارة واحتقان جديد مفتوح الاحتمالات.
تُرى، بماذا يفكر المواطنون في دول عرب الحروب والخراب، والاقتتال بأحدث الأسلحة، وهم يرون الفلسطينيين يحاربون بـ «الكارلو» المحلي والسكين والصلوات والمظاهرات الشعبية وحجارتها؟
إزاء الانقسام، كما إزاء الاحتلال، يمارس رئيس السلطة سياسة الصبر واللِّين في موضع اللِّين، والآن أوان الشدّة في موضع الشدّة. ذاهبون إلى مرحلة «صعبة جداً». مغامرة أو مقامرة سياسية.. لكن ليس بمصير شعبنا؟!
أرسل تعليقك