ظاهرياً، يخال أن العنوان تلفيقي، لأن الآلية المثلى لحق تقرير المصير هي استفتاء الشعب يليها حقه في الاستقلال القومي، وتشكيل دولته الخاصة.
في التاريخ البعيد نسبياً للشعب الكردي، أنه بعد الحرب العالمية الأولى، أقرت "معاهدة سيفر" الإقليمية ـ الدولية 1920 بحق الشعب الكردي بتقرير المصير، ثم نَسخَتها أخرى بعد ثلاث سنوات، في "معاهدة لوزان" التي وضعت الشعب الكردي تحت سيطرة رباعية: تركيا، إيران.. ثم العراق وسورية على التوالي. لماذا؟ تبخّرت معاهدة سيفر، بعد انتصار الأتاتوركية على الحلفاء.
هكذا، فإن حرباً عالمية أقرت حق الشعب الكردي في تقرير المصير، وانتصار حرب مصطفى كمال على الحلفاء ألغى هذا الحق.
في تاريخ الشعب الكردي القريب، أن انتفاضة كردية في العراق، بعد هزيمته في حرب العام 1991، أفضت إلى حكم ذاتي كردي، بحكم الأمر الواقع، في شمال العراق، وبعد حرب لاحقة، واحتلال أميركي، أقر الدستور العراقي الحكم الذاتي لكردستان العراق.
العراق صار جمهورية اتحادية، وطوي الشعار البعثي العراقي في تعريف الشعب الواحد، إلى "الشعب العراقي، بعربه وأكراده وأقلياته القومية المتآخية"!
إذن، حرب شنها العراق على الكويت، وأخرى شنها تحالف دولي على العراق، حولت الحكم الذاتي من أمر واقع إلى حقيقة دستورية.
لكن، بين حربين عالميتين، وحربين أُخريين في العراق وعليه، هناك ذيول حرب العام 1973 العربية ـ الإسرائيلية، التي شارك فيها العراق، بعد سحب دباباته من شمال كردستان، وتوجيهها لإنقاذ الشعب السوري في الجولان.
في آذار من العام 1974 اتفقت حكومة بغداد، بقيادة المستبد صدام حسين، مع الحركة الكردية المسلّحة على إنهاء النزاع العسكري، باتفاقية الحكم الذاتي الكردي.
هناك، في هذه الاتفاقية، ما يخصني كصحافي فلسطيني كان في العراق، وشهد بين العامين 1973ـ1974، حواراً عربياً ـ كردياً في الصحف العراقية الثلاث: "الثورة" و"الجمهورية" البعثيتين، و"التآخي" الناطقة بلسان الأكراد.
كان هذا، بالنسبة لي، القادم من سورية حيث ألغى عبد الناصر، رئيس الجمهورية العربية المنتخب، تسمية خط باصات في دمشق من "الأكراد" إلى "ركن الدين"، وبعد انفصال سورية تابع الانفصاليون سياسة "الحزام العربي" في شمال الجزيرة السورية، لتغليب العنصر العربي على الكردي في أماكن تواجده.
في العراق، بعد اتفاقية العام 1974 صارت اللغة الكردية معترفا بها، وأقيمت جامعة كردية، أيضاً، بخلاف حال الشعب الكردي في الدول الثلاث الأخرى: سورية العربية، تركيا الأتاتوركية.. وإيران الإسلامية (التي قمعت بشدة انتفاضة كردية في العام 1979).
في العراق، صار لكردستان علمها القومي المعترف به من الحكومة المركزية وحكومتها الاتحادية تضم وزراء أكرادا، ورئيس الجمهورية كردي، أيضاً، لكن حدود إقليم كردستان، واقتسام حصص النفط والميزانية العامة بقيت موضع خلاف، انفجر بعد شمول الاستفتاء مدينة كركوك النفطية المختلطة: عربية، كردية، تركمانية (أصول تركية).
تحالفت الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان في الحرب على "داعش"، والصراع القومي العربي ـ الكردي، حلّ مكانه اقتتال إسلامي مذهبي سنّي ـ شيعي، وبدا أن العراق مهدّد بالتقسيم المذهبي ـ القومي إلى ثلاث دول، بينما اجتازت سورية، قليلاً، مخاطر التقسيم المذهبي.
الاستفتاء الكردي على الاستقلال هو الثاني عربياً بعد استفتاء دولي على استقلال جنوب السودان، الذي أسفر عن دولة جنوب السودان، وفشلها وحروبها الداخلية، كما سبق واحتربت أبرز فصائل الحركة الكردية ثلاثة أعوام 1994ـ1998.
لا يوجد في استفتاء كردستان قرار مركزي عراقي، ولا قرار إقليمي لدول الشعب الكردي الأربع، ولا قرار دولي، لكن كردستان العراق تبدو مزدهرة وهادئة قياساً لأحوال الاحتراب المذهبي العراقي سنّة ـ شيعة.
من السهل القول: "فتّش عن النفط في دعم دولي للحركة الكردية بالعراق وسورية، لكن إيران وتركيا تخافان من عدوى الاستقلال الكردي العراقي، بما يهدد الصراعات المذهبية بانفجار أوسع نحو حرب دول إقليمية.
على الأرجح، لن تعلن كردستان العراق فور استفتاء جارف استقلالها الفعلي، ويمكن للاستفتاء هذا أن يخدم دمقرطة عالم عربي تتفكّك فيه الدولة القطرية العربية، مذهبياً وقومياً، أي أن يعقب أضغاثَ حلمٍ شوفيني للوحدة العربية عالم عربي ديمقراطي كونفدرالي.
فيما سبق من حروب بين بغداد وأربيل، لجأ كثير من الأكراد جنوباً، وفي حروب العراق المذهبية لجأ كثير من العرب إلى كردستان العراق، ويقاتل أكراد وعرب سوريون معاً في قوات سورية الديمقراطية، ويدعم معظم الأكراد خارج كردستان العراق استفتاء الاستقلال.
إذا بنت كردستان، بعد الاستفتاء، دولة ديمقراطية معلنة، ستشجع نهوض باقي الأكراد في الدول المجاورة، وسيرغم هذا دول الاستبداد القومي العربي على التحول نحو كونفدراليات ديمقراطية عربية.
الفلسطينيون تعاطفوا مع العراق العربي في الحروب التي شُنّت عليه، وهم يتعاطفون مع حق الأكراد في تقرير مصيرهم: دولة قومية ـ ديمقراطية، كالتي يناضل من أجلها الفلسطينيون في فلسطين.
الأمر رهن عقلانية بغداد وأربيل، وهذا سيرغم باقي الدول حيث فيها شعب كردي على التعقل نحو التعاطي مع حق تقرير المصير الكردي. تركيا وإيران شوفيتان إزاء الحقوق القومية للأكراد.
كان الإسلام السياسي وارهابه سبباً في خراب "الربيع العربي"، وربما مع استقلال كردستان يكون دافعاً نحو: "الناس متساوون كأسنان المشط". وكذا في حق تقرير المصير.
نعم للاستفتاء، أمّا "لعم" للاستقلال فهي رهن الوقت المناسب في الظرف المناسب، لبناء دولة قومية كردية ديمقراطية.
أرسل تعليقك