شائخان تقريباً، شايبان تماماً، يقفان على الزاوية ذاتها دائماً من أربعين حولاً. صُعداً من رام الله التحتا يدفعان عربتهما المقنطرة دائماً بالفول وعرانيس الذرة والترمس، وفي بواكير الربيع لوز أخضر، وهذا «الجرنك» بحباته الخضراء الصغيرة الحامضة.
هما سابا ووليام عزّ من علامات شارع ركب (الرئيس) مقابل مقهى ركب، وعلى زاوية متجر ملابس عرائس هليو بولس.
ما أن يصلا، بعد جهد الصعود ومشقته من طلعة رام الله التحتا إلى قرنتهما في الشارع المنبسط المستقيم، حتى يفتحا مظلة فوق العربة، صيفاً اتقاءَ أشعة الشمس، وشتاءً اتقاءَ حبات وزخّات المطر، يخرجانها مع كرسيين بلاستيكيين من مخبأ في مدخل عمارة مجاورة، ثم يشعلا بابور الكاز تحت نصيتين طافحتين من الفول وعرانيس الذرة!
لهما ذات الشاربين الأشيبين، وشعر الرأس الأبيض. خيّل إليّ أنهما شقيقان توأمان، لكن «أبو إلياس» صاحب مقهى رام الله الذي يروي في مسلسلات تلفازية تاريخ رام الله، قال لي إنهما أخوان لا توأمان.
من شبَّ على شيء شابَ عليه، والتحق ويليام بالصنعة العام 1979 بعد عامين من شقيقه سابا في العام 1977، وهما ورثا صنعة والدهما الراحل التي بدأها في العام 1954، كما يتابع الأخوان الشابّان جورج وشادي مهنة والدهما الراحل في محل عصير وساندويشات «الصوصو» في شارع فرعي آخر.
روت لي الزميلة رنا عناني جانباً من ذكريات طفولتها: فيلم عربي في سينما دنيا، ثم بوظة «ركب» الذي تأسس 1944، وربما شيئا من عربة الأخوين سابا ووليام عزّ!
هدموا السينما وأشادوا عمارة تجارية مكانها، لكن بوظة «ركب» بقي في مكانه القديم، كما بقي المبنى الحجري الأقدم للأخوين (ربما) داوود وحنا إبراهيم صلاح في مكانه منذ العام 1927، ولعلّه عميد مباني «شارع ركب»، متعدد الطبقات، مع ذلك المبنى «الأثري» المطل على دوار المنارة بطبقته الواحدة، والذي يشغله حالياً فرع من «بنك فلسطين» لأيام معدودات أو أسابيع، غاب الأخوان وعربتهما عن ركنهما المزمن. قيل إن البلدية فرضت عليهما «ضريبة دخل» لإشغالهما شيئاً من رصيف الزاوية.. ثم عادا إليها. هل تراجعت البلدية عن جورها، أم هاودت في مبلغ الضريبة.. لا أدري!
يبقى شارع ركب (الرئيس) أقدم شوارع المدينة التجارية، وأكثفها في حركة المشاة، لأنه شارع مستقيم «للمشورة» في مدينة شوارعها كثيرة الطلعات والنزلات.
لما كان شارع الإرسال ـ شارع الإذاعة، يدعونه شارع العشاق المشجر، إلى أن صار شارع المراكز والمجمعات التجارية ينمو، كما المدينة «على عجل» وبأسرع من تحوّل شارع ركب في مبانيه القديمة الواطئة من طبقتين: دكان مسكن، إلى عمارات وظيفية ـ تجارية.
مع ذلك، بقي المبنى القديم، من طبقة واحدة الذي تشغله صيدلية طوباسي وجيرانها، كما بقي مبنى «بنك فلسطين» محمياً وكذا المبنى العميد لمباني الشارع للأخوين إبراهيم صلاح كما هو، لكن مرآبه الذي كان محطة باصات للقدس لم يعد كذلك يوصلك للقدس.
في زحمة التطور السريع للمدينة (وشقيقتيها البيرة وبيتونيا) فظنت البلدية لخلوّ مركزها من أشجار الرصيف، وحاجتها إلى تحديث وتقوية البنية التحتية والفوقية (إنارة حديثة وأرصفة موحّدة) كما حاجتها إلى مجمعات خاصة متعددة الطبقات لوقوف السيارات.
لكن تلك القرنة، وتلك العربة، والأخوان سابا وويليام عزّ بقوا علامة أخيرة من علامات شارع ركب، وعلى تعدد عربات بيع حبّات الذرة المفروطة المعبّأة في علب معدنية ضخمة، بقي معظم الناس يفضلون عرانيس الذرة المسلوقة من عربة أخوين هما من علامات الشارع، الذي هو من علامات المدينة.
الأب أورث الصنعة لولديه الشائخين الأشيبين الآن، اللذين ما زالا يستطيعان دفع العربة المقنطرة صُعداً من رام الله التحتا إلى زاويتهما الأبدية. لا يبدو لي أنهما سيورثان الصنعة والعربة إلى أولادهما من بعدهما.
السيسي!
نوعاً ما، صُدمت كغيري لأن انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي لرئاسة ثانية، كان أقرب إلى استفتاء منه إلى انتخاب تنافسي، على العكس من انتخابه الأوّل للرئاسة، كما التنافس الجدي في انتخابات الرئيس الإسلامي محمد مرسي، الذي فاز بأغلبية بسيطة، وبتزكية قيادة الجيش!
صدقاً، لم أتوقع أن يفوز الرئيس السيسي في الاقتراع ـ الاستفتاء بغالبية 97% مع كسور عشرية، بعد حملة تعبئة لصالحه.. لكن مع ذلك كانت نسبة المقترعين الفعليين لا تتعدّى الـ40% مع كسور عشرية.
هل حقق الرئيس لبلاده واستقرارها منجزات في أربع سنوات تزيد على منجزات أربعين سنة، كما قال بعض المقترعين لصالحه. هذا سؤال معلّق؟
قبل الاقتراع، طالعت عددين من صحيفة «الأهالي» الناصرية، لمؤسسها الراحل خالد محي الدين، وخلفه في رئاسة حزب «التجمع الوحدوي التقدمي»، الراحل رفعت السعيد (التقيته في قبرص)، فوجدت هذا الحزب الناصري داعماً ومنحازاً لمرشح رابع للجيش منذ ثورة يوليو 1952!
قالها السيسي بصراحة: على الديمقراطية في مصر أن تنتظر انتخابات العام 2022، بعد «خضة» دعم قيادة الجيش لانتخاب رئيس مدني ـ إسلامي.
هل يكون السيسي آخر رئيس عسكري لمصر؟ سننتظر لنرى نهاية الرئاسة الثانية للرئيس السيسي.
أرسل تعليقك