بقلم/حسن البطل
عشية «جمعة الغضب»، التقطت عين مراسل «الأيام» السياسي والدبلوماسي في القدس، ما أكّدته عدسات الكاميرات في يوم الغضب: الشبان يتصدرون الصلوات على البوابات وتظاهرات الاحتجاج.
في تقرير أحداث «جمعة الغضب» أن اثنين من ثلاثة شهداء لهما من العمر 17 عاماً، أي من عمر اندلاع الانتفاضة الثانية؛ «انتفاضة الأقصى».
خلاصة تقرير مراسلنا: في القدس «جيل مختلف» خاصة بعد اختطاف الفتى محمد أبو خضير (16 سنة) وحرقه، بينما كان في طريقه للصلاة في الحرم القدسي.
الجيل المقدسي الجديد، هو الجيل الفلسطيني الجديد، لأن منفذ عملية مستوطنة «حلاميش» له من العمر (19 سنة)، أي كان يخطو خطواته الأولى وقت الاجتياح الإسرائيلي للضفة.
أين المفاجأة ـ اللامفاجأة؟ الذي استنكر على «جيل مختلف» مقدسي الاستماع إلى أغان بالعبرية في الأيام العادية، صار يستمع خلال «هبّات» القدس، إلى أغان وأناشيد وطنية وإسلامية، أبرزها لمارسيل خليفة.
كان هناك من خشي «عبرنة» شباب القدس بنمط الحياة الإسرائيلي والعمل فيها. من قبل كان هناك، أيضاً، من خشي «أسرلة» «الجيل الجديد» الفلسطيني في إسرائيل.
شباب شرارة اندلاع «هبّة» جديدة في القدس، كانوا ثلاثة من أم الفحم. عندما اندلعت شرارة الانتفاضة الثانية من الحرم القدسي، كان الصدى «هبّة أكتوبر» وراء «الخط الأخضر» و13 شاباً سقطوا بالرصاص احتجاجاً على قمع جيش الاحتلال للانتفاضة الثانية في مرحلتها السلمية.
طالما كان عرفات يردّد: الشعب أكبر من قياداته السابقة واللاحقة. هذا صحيح، وعلى جانبي «الخط الأخضر». كيف؟ أربكت عملية شبان أم الفحم الثلاثة في الحرم القيادة البرلمانية والشعبية للشعب الفلسطيني في إسرائيل، لأنهم استخدموا هذا «الكارلو»، ولأن اثنين من الجنود القتلى كانا شابين مُجنَّدَين من الطائفة الدرزية.
أيضاً، على الجانب الفلسطيني الرسمي، لا يخلو الأمر من ارتباك معيّن. مع أن القيادة الفلسطينية دانت عمليات معينة سابقة، لكن أوضح موقف لرئيس السلطة إذ رفض تغليف البوابات الإلكترونية كإجراء سياسي بغلاف أمني، فقد جمّد الاتصالات كافة مع دولة الاحتلال، بما قد يشمل هذا «التنسيق الأمني» موضع النقد والجدال.. ولكن إلى حين تراجع حكومة إسرائيل عن إجراءاتها ضد الحرم والقدس والشعب الفلسطيني عامة.
حتى في الجانب الإسرائيلي سنجد ارتباكاً في الحكومة وأجهزة الأمن التابعة لها، فهي أصرّت على بقاء البوابات الإلكترونية، ولوّحت بتسهيلات عليها لكبار السن والنساء والأولاد، كمحاولة لتفتيت إجماع فلسطيني على رفعها.
هناك جدال في إسرائيل حول جدواها الأمنية، ولو تعلّلت حكومتها بوجودها في ساحة البراق، وفي الحرم المكي.. وفي معابد عالمية. لكن بوابات إلكترونية لليهود في القدس، وللمسلمين في الحرم المكي، غير بوابات أمنية يهودية للفلسطينيين المسلمين.
لا يثق الفلسطينيون بمرامي وأهداف سياسة إسرائيل، لا في صدد تأمين حرية الصلاة في الحرم القدسي، ولا فيما يخص تهويد القدس، ولا فيما يخصّ مستقبل الضفة والاستيطان اليهودي فيها.
قبل شرارة عملية الشبان الثلاثة في الحرم، وافقت حكومة إسرائيل على جملة جديدة من مشاريع الاستيطان في القدس، ضواحيها وقلبها سواء، وأقرّ الكنيست مشروعاً يُلزمه بموافقة ثلثي النواب 80 نائبا على أي مشروع حل يُفضي إلى انسحاب الاحتلال من الشطر الفلسطيني، بدلاً من الاكتفاء بأغلبية صوت واحد (61 صوتاً).
فوق هذا وذاك، صرح نتنياهو في باريس أن حكومته لن تزيل أي مستوطنة في أي مشروع حل يتعلق بـ»حل الدولتين» رداً على قول مضيفه الفرنسي ماكرون إن المستوطنات تجعله متعذراً.
بعد اندلاع شرارة الانتفاضة الثانية من الحرم القدسي، قيّدت إسرائيل جولات اليهود المتطرفين في باحة الحرم، وفي الفترة الأخيرة تزايدت الجولات، ومن ثم قرّر نتنياهو رفع الحظر عن مشاركة النواب والوزراء فيها.
للفلسطينيين مخاوفهم من تكرار ما جرى في الحرم الإبراهيمي في الحرم القدسي، بل وأبعد من مجرد مخاوف، منذ أن نشرت أشدّ الجماعات اليهودية تطرفاً، قبل سنوات، مُجسَّماً لإعادة بناء «الهيكل» مكان القبة الذهبية في الحرم القدسي.
حتى خارج المعنى الديني لهذا، فإن مُجسَّم الهيكل يبدو، جمالياً، لا ينتمي إلى معمارية القدس العتيقة.
تدَّعي إسرائيل أن الحريات الدينية في القدس لا يتوفر مثلها في هذا الاحتراب والخراب الجاري في الدول العربية المجاورة. هذا يبدو صحيحاً راهناً، لكن أي مقارنة تعسفية هذه بين صراعات وشناعات مذهبية ودينية عربية وإسلامية في دول مجاورة، وبين صراع وطني يدور في أرض فلسطين وعليها غير صحيح.
فلسطيني مهاجر في استراليا، كتب على صفحته: «لا أفهم، وين العرب. وين المسلمين. وين المليار؟ وأجاب: «هذا صراع فلسطيني ـ إسرائيلي.. ونقطة».
القدس هي عقدة الصراع، والحرم هو بؤرته.. وهذا قبل إقامة إسرائيل، وبعد احتلالها لبقية القدس وفلسطين. إنه صراع بين ميزان القوى وميزان الإرادات والحقوق التاريخية والدينية.
ليس السؤال: انتفاضة رابعة أو ثالثة، ولا هبَّة أخرى بين الانتفاضات، بل بين خبرة ودروس الانتفاضات والهبَّات الفلسطينية، وخبرة ودروس إسرائيل معها.
نحن من يُحِبّ هذه الأرض ويفتديها أكثر، لا لأن القدس «عروس العروبة»، ولا لأن الحرم القدسي هو أولى القبلتين وثالث الحرمين.
قالوا: أعظم النار من مستصغر الشرر، لكن القدس والحرم ليسا من هذا المستصغر!
أرسل تعليقك