بقلم : حسن البطل
دان مريدور هو نجل الليكودي العتيق يورام مريدور، ونتيجة ما يدعوه الابن بـ «الانزياح» الليكودي، وجد نفسه ومعظم ما يدعيه «أمراء الليكود» خارج الحزب، مع بيني بيغن، نجل بيغن الكبير مناحيم، الذي قاد الانقلاب السياسي ـ الأيديولوجي في العام 1977.
من طرائف الأب أنه كان معقّداً من الاسم الرسمي للجيش الإسرائيلي: «جيش الدفاع الإسرائيلي» وكان يسميه «الجيش الإسرائيلي» والسبب؟ «الهاغاناه» العمالية أي «الدفاع» أقحمت اسمها على الجيش، وهو لا ينسى ذلك، لأنه كان قائد «ليحي» (المحاربون لحرية إسرائيل) التابعة لـ «حيروت» التي قمعها بن ـ غوريون العمالي، ووحّد الجيش بعد أن أغرق السفينة «التالينا» بعد إعلانه الدولة التابعة لليحي ـ حيروت ـ الجناح التصحيحي في الحركة الصهيونية بقيادة جابوتنسكي.
في آب الجاري، قرأتم عن استطلاعَي رأي للجمهور الناخب الإسرائيلي، وخلاصتهما أن الليكود القديم «انزاح» نحو اليمين، منذ حكومة نتنياهو الثالثة، أي نحو التطرف القومي ـ الديني، وأن تحالف الليكود مع أجنحته الأكثر تطرفاً، سيعطيه 70 مقعداً إذا جرت الانتخابات الآن، بدلاً من 66 مقعداً بعد عودة ليبرمان إلى حكومة نتنياهو.
هذا «الانزياح» الحزبي ـ الديني، يرافقه «انزياح» معاكس شعبي.
في مقابلة مع «معاريف» يوم 7 آب الجاري «المشهد الإسرائيلي 9 آب»، أي في شهر الاستطلاعين عن انزياح الناخب نحو اليمين المتطرف، لاحظ دان مريدور دور المسألة الفلسطينية في هذا الانزياح المزدوج والمتعاكس.
يقول مريدور إنه في العام 1988، أي قبل أوسلو، كان هناك حزب إسرائيلي واحد، هو الحزب الشيوعي، أي «راكاح» يرفع شعار «دولتان لشعبين».
الآن، وبفضل أوسلو وتداعياتها، فإن معظم أحزاب إسرائيل تتحدث عن «الحل بدولتين» أي عن تقسيم أرض البلاد.
في حزيران الماضي، أجرت منظمة «إسرائيل تبادر» استطلاع رأي كانت أبرز اتجاهاته أن 52% من المشاركين يوافقون على أن تكون القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطينية، ويحمل سكانها مواطنة فلسطينية.
62% يوافقون على وضع الأماكن المقدسة في القدس تحت إدارة إسرائيلية وعربية ودولية، ودخول حر لأتباع الديانات الثلاث إلى الحرم القدسي، أي ما يقارب أفكار الرئيس بيل كلينتون.
في الخلاصة: 51% من مصوّتي اليمين يدعمون «حل الدولتين» مقابل 73% و74% من مصوّتي المركز واليسار.
كيف يمكن تفسير هذا «الانزياح» المتعاكس، الحزبي نحو التطرف، والشعبي نحو تسوية وقبول «حل الدولتين»، حيث 44% من مصوّتي اليمين يقبلون العودة إلى حدود 1967، مقابل 68% و78% لمصوّتي المركز واليسار، وفي الإجمال يوافق 54% على تعديلات حدودية بسيطة، تترك معظم المستوطنات تحت السيادة الإسرائيلية، لكن هناك شبه إجماع على رفض «حق العودة».
هناك سبب دولي، وهو أن العالم لم يعد يقبل حكومة إسرائيلية تقودها أحزاب تعارض صراحة «حل الدولتين»، لكن السبب الأهم هو أن هذا الحل، وحده، يضمن بقاء دولة إسرائيل يهودية وديمقراطية، حيث أن دعاة الدولة الواحدة يشغلون أقلية في الجمهور الإسرائيلي، بينما معظم الجمهور الفلسطيني مع «حل الدولتين».
ادعاءات قيادة الليكود الحالية هي أنه «لا يوجد شريك» في الجانب الفلسطيني، وهو ادعاء قاده ايهود باراك بعد فشل مفاوضات «كامب ديفيد 2000»، وتبنّاه نتنياهو الذي لا يرى في أبو مازن شريك مفاوضات.
يفيد الاستطلاعان المتتابعان أن «المعسكر الصهيوني» سوف يتحطم من 24 مقعداً إلى 8ـ11 مقعداً، ويعود سبب ذلك إلى أن زعيمة حزب العمل المتنحية شيلي يحيموفيتش، أهملت المسألة الفلسطينية لصالح المسألة الاجتماعية، ثم أن الزعيم الجديد، اسحاق هيرتسوغ يفتقد إلى عنصر الجاذبية (الكاريزما).
الواقع أن بدايات «الانزياح» الإسرائيلي بدأت في العام 1977 مع بيغن الأب، ثم تفاقمت مع اسحاق شمير، وكذا حكم عمالي قصير على مرحلتين بزعامة اسحاق رابين وايهود باراك، ثم صعد حزب «كاديما» المنشق عن الليكود، وتحطّم سريعاً بدوره.
يمكن القول إن الربع الأخير من القرن العشرين، شهد «انزياح» النظام الإيراني، مع الثورة الإسلامية، نحو حكم ديني، وكذلك انزياح النظام التركي نحو حكم ديني بدءاً من اربكان إلى اردوغان مع مسحة أتاتوركية.
في النتيجة هناك ثلاث دول في المنطقة: إيران، وتركيا وإسرائيل، تشهد «انزياحاً» دينياً بدرجات وأسباب متفاوتة، بينما تحطمت الاستبدادية العربية بفعل ثورات شعبية، انزاحت بدورها إلى حركات جهادية دينية، وإلى احتراب طوائفي ـ ديني ـ مذهبي.
كانت الشاهنشاهية الإيرانية علمانية في الشكل، واستبدادية بوليسية قهرية في المضمون؛ وكانت الاتاتوركية التركية علمانية في الشكل وعسكرتارية في المضمون، أما إسرائيل، فإن الصهيونية العلمانية شكلاً، انتهت إلى صعود اليهودية ـ القومية ـ الدينية.
إلى الآن، لا تحسم حكومة نتنياهو بين خياري شارون: إما ضم فلسطين لإسرائيل، وهذا انتحار، أو التنازل عن الاحتلال جزئياً وليس كلياً.
انزياح إسرائيلي حزبي نحو اليمين المتطرف، وانزياح شعبي نحو تقسيم البلاد. هذه حالة انفصام.
تعقيبان
حسن خضر (على مقال 7 آب):
ليس كل ما يُعرف يُقال. ولكن أعدك يا حسن البطل بسرد بعض الذكريات عن محمود، فهذا حقه علينا، بعدما تكالب اللصوص على اسمه وذكراه.
غسان عبد الله (على مقال 11 آب):
مقالاتك، مثل المقال عن فارس غلوب، مميزة بأنها تستحضر الماضي وتربطه بالحاضر، وذلك يرضي من بعمرنا وكذلك يفيد الشباب. أليس كذلك؟
• يا صديقي غسان: الشباب يشكّلون 5% من قرّاء الصحف الفلسطينية.
أرسل تعليقك