آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

بيع سورية بعد تدميرها

اليمن اليوم-

بيع سورية بعد تدميرها

وليد شقير
بقلم : وليد شقير

منذ عام 2012 والمجتمع الدولي يطلق على الحرب السورية وصف «مأساة القرن»، ولا يجد لها أي حل، بل يمعن في التغاضي عن تمادي الإجرام الذي يلحق ببلاد الشام إلى درجة لم يعد أمامه سوى تكرار الوصف عند كل محطة من محطات الفظائع الشنيعة التي تتوالى، من ريف دمشق ودرعا وحمص والقلمون وحماة... وصولاً إلى حلب الآن، وقريباً غيرها، سواء في إدلب أو في دوما.

لم يعد القاموس يحوي أوصافاً تعادل فائض المجازر والإبادة وجرائم الحرب بأبشع صورها التي تصيب الشعب السوري، بموازاة القضاء على بلد كان له دور محوري على مر التاريخ، إلى أن تحكم بمصيره العقل الإلغائي لكل شيء. فأين ما يتعرض له السوريون من أساطير بشاعة الحروب الدينية في أوروبا في القرون الوسطى، ومن مجازر البوسنة وغروزني...؟

لم تعد البكائية العربية والعالمية تنفع إزاء اعتقاد حكام دمشق بعقل بارد، ومعهم حلفاؤهم الروس والإيرانيون وسائر الميليشيات المتعددة الجنسيات، أن من يموتون هذا قدرهم ومصيرهم... سواء كانوا من الموالين للمعارضة أو حتى من الموالين للنظام، من الفقراء الذين أخذتهم العصبية الطائفية نحو القتال المجنون وارتكاب المجازر والفظاعات.

مع المسؤولية الأخلاقية على المستويين العالمي والعربي عن نكبة العصر، ومن دون الترداد الممل لوحشية النظام الحاكم في سورية وشركائه، يكشف الفصل الأخير في حلب جملة مسؤوليات أخرى أبرزها لرجب طيب أردوغان، فالأخير عقد اتفاقاً مع روسيا فلاديمير بوتين قبل أكثر من شهرين على أن تكون المنطقة الممتدة من جرابلس السورية على الحدود مع تركيا، والتي أتاح الروس له التمدد فيها حتى حدود مدينة الباب، هي ملجأ النازحين السوريين من حلب وبعض المقاتلين ممن تقرر موسكو أنهم من المعتدلين، بما يعني أنه كان متواطئاً مع خطة احتلال المدينة في شكل مسبق. وهذا ما يفسر إعلان أنقرة عن تجهيزها خيماً من أجل إيواء زهاء 80 ألف نازح في تلك المنطقة، فالزعيم الذي ادعى منذ سنوات أنه لن يسمح بسقوط حلب، وافق على ذلك مقابل اتفاقه مع موسكو على إبعاد المقاتلين الأكراد عن ذلك الجيب الذي تبلغ مساحته أقل من 10 آلاف كيلومتر مربع. «باع» أردوغان سقوط حلب بإجباره جزءاً من فصائل المعارضة الذين دربهم وسلحهم جيشه لضمهم إلى عملية «درع الفرات» الهادفة إلى احتلال ما ادعى أنها «المنطقة الآمنة»، ثم حجب الأسلحة التي كانت معدّة لإرسالها إلى مقاتلي حلب لاستخدامها في الدفاع عنها،

 فمنذ استعادة أردوغان علاقته مع روسيا، والمصالحة بينه وبين إسرائيل، باتت خطواته السورية محكومة بالانضمام إلى نقاط التقاطع بين هذين اللاعبين: الإبقاء على نظام الأسد وإنهاء قدرة سورية على أن تعود دولة فاعلة، لعقود آتية.

قد تأخذ فصول مأساة القرن بعد حلب أشكالاً أخرى لإلهاء السوريين وسائر العالم عن الفصل المنقضي. فإفساح الطريق لـ «داعش» لأن ينتقل مقاتلوه من الرقة ودير الزور إلى تدمر لاحتلالها مرة أخرى، بعد سحب وحدات من الجيش النظامي منها، يرمي إلى التغطية على المجزرة في عاصمة سورية الاقتصادية، وإلى جعل تحريرها مجدداً هدفاً بدلاً من التوجه نحو الرقة، فإذا استعادها النظام يصبح الهدف إنهاء وجود المعارضة في إدلب. وقد يتقدم هذا الهدف على استعادة تدمر، من أجل الإبقاء على «داعش» فيها وفي الرقة، عنواناً لـ «التعاون» مع إدارة دونالد ترامب ضد الإرهاب، تحت طائلة إبقاء التنظيم المتوحش تهديداً لأمن الغرب والولايات المتحدة. فالقضاء على «داعش» تحول شرطاً يعادل الموافقة الدولية على شرعنة الأسد والنظام، في العملية السياسية الموهومة التي تنوي موسكو اقتراح استئنافها بعد فترة.

في الانتظار، تتواصل عملية «بيع» سورية ومقدراتها جائزة ترضية، بعد تدمير بناها التحتية والإنسانية، إلى الدول مقابل الجهود التي بذلتها للحفاظ على حكامها الحاليين، عبر باب إعادة الإعمار، ومن أجل تثبيت التغييرات الديموغرافية المقصودة على امتداد جغرافيتها. هكذا تنشأ شركات عقارية ضخمة يتولى الإيرانيون إدارتها، بغطاء من تجار الحروب من رجال الأعمال السوريين الذين اغتنوا خلال الفوضى التي حلت بالبلد، تتملك أصولاً عقارية مقابل الخدمات الحربية، فتسيطر على مساحات إضافية. والتحضير جار لتلزيم سورية إلى دول حالت العقوبات الدولية على إيران والنظام دون تسديد ثمن نفط اشترته، خصوصًا من طهران، ومن هذه الدول الصين، التي دخلت سوق الملعب السوري في الأشهر الأخيرة.

ليس صدفة أن الأسد قال في حديثه الأخير إن «إعادة الإعمار الضخمة مفيدة للدول»، فمن سلم سورية لإيران وروسيا عسكرياً وسياسياً، ليس صعباً عليه أن يسلمها اقتصادياً.

المصدر : صحيفة الحياة

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيع سورية بعد تدميرها بيع سورية بعد تدميرها



GMT 23:00 2021 السبت ,08 أيار / مايو

أخبار من سورية وفلسطين

GMT 17:06 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يريد الاحتفاظ بنفط سورية

GMT 16:57 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دونالد ترامب لن ينسحب من سورية

GMT 12:19 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إذ يقصّ علينا قاسم سليماني قصّة حربـ«نا»

GMT 06:43 2019 الأربعاء ,15 أيار / مايو

عيون وآذان (أخبار أجدها مهمة)
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 05:53 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

اتجاهات موضة الديكور في غرف الطعام هذا العام

GMT 06:16 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

ضغوط مختلفة تؤثر على معنوياتك أو حماستك

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 22:55 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:05 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen