آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

انكفاء تركيا إلى الداخل

اليمن اليوم-

انكفاء تركيا إلى الداخل

وليد شقير
بقلم : وليد شقير

الأرجح أنه سيتعذر على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الكشف عن هوية الدولة أو «الدول الأجنبية التي قد تكون متورطة في محاولة الانقلاب» الفاشلة التي استهدفت حكم حزب «العدالة والتنمية» ليل الجمعة الماضي، هذا إذا صح هذا الافتراض الذي أطلقه ليل أول من أمس عند إعلانه حال الطوارئ لثلاثة أشهر في تركيا. والمرحلة المقبلة ستوضح ما إذا كانت هناك وقائع صلبة تثبت ذلك، إلا إذا حالت حاجة أنقرة إلى توفير المزيد من العداوات الخارجية عليها، دون الإعلان عن حقائق هي بغنى عما ترتبه من إحراجات.

وقد يكون إطلاقه هذا الافتراض جاء لتبرير إعلان الطوارئ في مواجهة الانتقادات الأوروبية المتصاعدة للإجراءات التي تتخذها حكومته حيال عشرات الآلاف من العسكريين وعناصر الشرطة والموظفين في التعليم وصولاً إلى المصارف والإعلام والتلامذة الذين يتابعون تخصصهم في الخارج، فعلى مدى السنوات القليلة الماضية امتزجت في تركيا الخلافات على السياسة الخارجية مع تلك المتعلقة بسياسة حزب «العدالة» تغيير الوجه العلماني، وإرث كمال أتاتورك الأب المؤسس لتركيا الحديثة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.

لجأ أردوغان إلى البراغماتية في مواجهة أضرار ما بات متعارفاً على أنه استئثار بالسلطة في مواجهة خصومه ومنتقديه، الذين ثبت أن الكثيرين منهم لا ينتمون إلى «السلطة الموازية» أو «الدولة العميقة» التي تشكلت من أنصار غريمه فتح الله غولن في المؤسسات الرسمية والخاصة، وإلى الانفتاح على الخارج بدءاً بمحاولة إنهاء الأزمة مع إسرائيل ومع روسيا. افترض أن نجاح هذه الاستدارة سيخرج تركيا من العزلة التي وقعت فيها نتيجة تراجع متانة تحالفاته الدولية، وخصوصاً خلافه مع الولايات المتحدة الأميركية حيال الأزمة السورية ومن خيار إقامة الكيان الكردي السوري. وافترض أيضاً أن المكاسب الاقتصادية الهائلة من تلك البراغماتية، مع موسكو خصوصاً وتل أبيب، ستسوغ له إحكام قبضة حزبه على السلطة.

لكن حجم الإجراءات التي يضطر أردوغان إلى اتخاذها ضد من يتهمهم بالضلوع في الانقلاب في الداخل، وعدد القطاعات التي تشملها، دليل على أن المشكلة داخل المجتمع أعمق بكثير من محاولة الالتفاف عليها عبر العودة إلى «تصفير المشاكل» مع الخارج، فهذه السياسة نشأت بعد الازدهار الاقتصادي الذي أتاحته سياسة حزبه منذ وصوله إلى السلطة وحاجة طبقة جديدة من أصحاب الرساميل، ونمو الطبقة المتوسطة، إلى أسواق خارجية. يقتضي الإنصاف القول إن نظرية «صفر مشاكل» التي ابتدعها رئيس الحكومة السابق أحمد داود أوغلو والتي استندت إلى انعكاسات النمو الاقتصادي السريع داخل المجتمع وغذت طموحات الدور الإقليمي للسلطان الجديد، سقطت نتيجة ظروف موضوعية خارجة عن إرادة حكام أنقرة الجدد، لأن المدى الإقليمي لهذه السياسة خرج عن السيطرة بفعل الحروب الذي أخذت تعصف به، فهي نظرية كان عمادها صفر مشاكل في دول الجوار الذي سعى أوغلو وأردوغان إلى لعب دور الوسيط وساعي الخير في معالجة مشاكلها لأنها أسواق مربحة ومجال حيوي للنفوذ. لكن سرعان ما ثبت استعصاء هذه المشاكل على الحلول، بدليل أنهار الدماء التي تسيل والدمار الذي تنتجه في سورية والعراق وليبيا...

لم تكن البراغماتية التي لجأ إليها أردوغان لتحجب التفاعلات داخل الطبقة الرأسمالية الجديدة مع اتساع رقعة الطبقة المتوسطة، فمن الطبيعي أن تبحث رموزها عن دور لها في السلطة، بعد تراجع الأفق الإقليمي، سواء عبر معارضة غولن أو عن طريق التمسك بالإرث العلماني للدولة التركية أو من خلال أحزاب الأقليات... فالخلاف بين غولن وبين حزب «العدالة» ليس أيديولوجياً، لأن أردوغان استفاد من إسلاميته (المعتدلة) للوصول إلى السلطة، بل هو خلاف ناجم من تنازع على السلطة.

الحقيقة الساطعة التي يكون تجاهلها مجافياً للحقيقة،أن الشعب التركي كانت له المساهمة الكبرى في إفشال المحاولة الانقلابية المتسرعة بنزوله إلى الشارع وباشتراك الأحزاب المعارضة في رفض العودة إلى دوامة الانقلابات على رغم اتهامها أردوغان بالاستئثار، لا تلغي حاجة حزب «العدالة» إلى التفتيش عن تسوية بين أطياف المجتمع.

فالقول إن «الانقلاب لم ينته بعد» على رغم أن إجراءات قمعه طاولت عشرات الألوف من كوادر الدولة والمؤسسات، وتنديد الدول الأوروبية بعدم تطبيق «سيادة القانون»، يكشفان أن الأزمة أعمق من وصف أردوغان الانقلابيين بـ «القلة».

ستضطر تركيا إلى الانكفاء إلى الداخل «لتصفير» مشاكلها، ومعالجة الآثار «العميقة» لمحاولة الانقلاب، وسيكون على الدول الكبرى أن تلائم بين هذا الانكفاء وبين الحاجة إلى دورها الميداني ضد «داعش»، وفي إدارة الحرب السورية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انكفاء تركيا إلى الداخل انكفاء تركيا إلى الداخل



GMT 18:44 2020 الأربعاء ,11 آذار/ مارس

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

GMT 15:22 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

ڤيديو عمرو موسى!

GMT 11:42 2020 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

التحليل السياسى وفتح المندل

GMT 07:34 2020 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

المسار السياسي

GMT 05:44 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

2020... طريق النهضة وطريق الهاوية
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 05:53 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

اتجاهات موضة الديكور في غرف الطعام هذا العام

GMT 06:16 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

ضغوط مختلفة تؤثر على معنوياتك أو حماستك

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 22:55 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:05 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen