بقلم : وليد شقير
يجري الحديث عن إعادة إعمار سورية في بعض الأوساط، لا سيما اللبنانية، بطريقة أشبه بالترداد الببغائي أو الفولكلوري الذي يخفي وراءه أهدافاً أخرى أكثر من هدف إعادة الإعمار نفسه.
ولعل ما أعطى دفعاً لهذا الحديث المبادرة الروسية من أجل إعادة النازحين، إذ شملت الخطة التي أعدتها وزارة الدفاع الروسية في هذا الشأن الطلب إلى الأوروبيين والأميركيين المشاركة في إعادة إعمار البنى التحتية المهدمة في المناطق التي يفترض أن يعود إليها النازحون، انطلاقاً من مصلحة دول الغرب في إنهاء مأساة هؤلاء وتجنب المزيد من الأعباء على اقتصادات هذه الدول نتيجة استمرار تسرب اللاجئين إليها، وعلى نسيجها السياسي والاجتماعي، نظراً إلى تحولها قضية سياسية داخلية في بعضها.
إلا أن الهدف الإنساني من وراء المبادرة سرعان ما كشف عن صعوبات سياسية في إقناع دول الغرب بالإقبال على تمويل إعادة الإعمار. وإذا كانت النتيجة السياسية التي ترتكز إليها الدعوة إلى إعادة الإعمار في سورية، هي استتباب الوضع في بلاد الشام بسيطرة نظام بشار الأسد بمساعدة روسية رئيسية وإيرانية، بحيث أنه باق في الحكم وقضي الأمر، فإن قادة الدول الغربية على رغم أنهم يسلمون بهذه الوقائع التي فرضها ميزان القوى الميداني، لكنهم يطرحون الكثير من الأسئلة والموانع. لسان حال الأميركيين هو "أن علينا أن نتعايش مع فكرة بقاء الأسد في السلطة على ما يبدو في هذه المرحلة، لكننا نستغرب كيف سيقدر أن يحكم في ظل تقاسم النفوذ في سورية بين الروس والإيرانيين والأتراك، ووسط هذا الكم من التشكيلات العسكرية الموجودة على الأرض في معظم المناطق، إضافة إلى الأحقاد التي تركتها الحرب"... ولا يرى الجانب الأميركي موجباً للحماسة من أجل إعادة الإعمار. أما الأوروبيون فإنهم يختزلون الموقف بالقول إنه إذا كانت بعض الأجهزة الأمنية الأوروبية تبقي على خيط تواصل مع قيادات أمنية سورية، فهذا لا يعني أن الدول الأوروبية تسلم بشرعية الأسد قبل حصول حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن 2254 بقيام حكم انتقالي.
سيل الأسئلة التي يطرحها الغربيون، سواء كانوا من الديبلوماسيين في لبنان أو في دول أخرى، أم حتى بعض قادة دول الجوار، حول ضمانات عودة النازحين، ينطبق على إعادة الإعمار: هل ستدفع الأموال من أجل أن تستفيد منها إيران بنفوذها الواسع في سورية؟ هل ستنفق كلفة الإعمار من أجل أن يستثمرها الأسد في تثبيت حكمه على حساب سائر الشرائح الاجتماعية التي ثارت ضده ليستعيد القدرة على المزيد من القمع؟ وهل أن المستثمرين الذين يفترض أن يقبلوا على المساهمة في إنهاض سورية سينجون من مشاركة أمراء الحرب النافذين لهم إذا افترضنا أنها ستنتهي، وهل ستتيح مافيات ومواقع النفوذ المستفيدة من النظام لهؤلاء أن يوظفوا أموالاً من دون فرض "الخوات" عليهم؟ وهل أن الدول الغربية مجبرة على دفع كلفة الدمار الذي ألحقته موسكو بالبنى التحتية والسكنية السورية، لتستفيد هي بدورها من استثمارات ببلايين الدولارات؟ هذا كله، إذا جرى تخطي الهواجس الغربية حيال الوضع القانوني والإنساني للنازحين العائدين ومدى تلاؤمه مع القانون الدولي. فبعض الحكومات قد يتعرض للمساءلة من أفراد ومجموعات عائدة، إذا جرى ترحيلها في شكل مخالف لهذا القانون.
في الاجتماع الأخير الذي نظمته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (الأسكوا) لنقاش تقرير "مشروع الأجندة الوطنية لمستقبل سورية"، بحث 50 خبيراً سورياً ودولياً، تحت عنوان "سياسات إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الاتفاق السياسي"، كل جوانب العملية ومنها تذليل الصعوبات التي تعترض إعمار ما هدمته الحرب. الأرقام هائلة: كلفة الدمار بلغت حجماً فلكياً تجاوز 388 بليون دولار أميركي، في حين قاربت كلفة الدمار الفعلي الـ120 بليون دولار أميركي. والأرقام لا تشمل الخسائر على الصعيد البشري الناتجة من موت وهروب العقول والقدرات البشرية واليد العاملة الماهرة التي كانت تعتبر أحد أهم ركائز الاقتصاد السوري، كما يقول التقرير نفسه. هذا فضلاً عن أن القدرات البشرية للنازحين وأبنائهم في سن التعليم تراجعت نظراً إلى أن كثراً منهم لم يتسنّ لهم دخول المدارس والمعاهد التقنية والجامعات.
ما لم يتعمق فيه الخبراء بعد هو أثر العقوبات في النظام، وتلك التي تفرضها وتنويها واشنطن على إيران، وعلى الإعمار في سورية.
في الانتظار، قد تكون المحاولات التي يقوم بها لبنان من طريق المديرية العامة للأمن العام لإعادة أعداد متواضعة من النازحين هي الأمر الوحيد المتاح.
المصدر: جريدة الحياة
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك