بقلم : معتز بالله عبد الفتاح
لم تكن لـ«مترى أفندى سدراك»، المدرس الصعيدى، أمنية أعز من أن يستجيب الله لصلواته كى يأتيه بـ«الولد»، وفى 1921، وفى محافظة أسيوط، استقبل مترى أفندى ولده «شفيق»، الذى أصبح بعد ذلك اللواء أركان حرب شفيق مترى سدراك أحد أبطال وشهداء حرب أكتوبر.
منذ البداية عرف «مترى» أن ولده شفيق اختار حياة الخطر، فالتحق بالكلية الحربية، ليشارك فى 3 حروب متتالية، العدوان الثلاثى 1956، والنكسة 1967، ثم حرب الاستنزاف التى بدأت عقب الهزيمة.
11 عاماً متصلة قضاها شفيق وسط نيران الحروب، رأى بعينيه كيف يمكن لدولة حديثة العهد بالاستقلال أن تناطح لندن وباريس وتل أبيب معاً وتنتصر إرادتها، وذاق كيف لهذه الدولة أن تذوق الهزيمة على يد إسرائيل، لكنه وبروح المقاتل كان يعلم أن الحرب سجال، وأن ساعة النصر مقبلة ولو تأخرت.
اشترك فى معركة أبوعجيلة عام 1967، وهى من أشرف وأرقى معارك قواتنا فى تلك الجولة، وكان قائداً لكتيبة مشاة، وحصل على ترقية استثنائية لقيادته البارزة، وتكبيده العدو قدراً هائلاً من الخسائر فى الأرواح والعتاد.
ومنذ عام 1967 وهو أحد الصامدين فوق ضفة القناة، وتجاوز البطل الواقع المؤلم، وقاتل برجاله فوق أرض سيناء معارك متميزة خلال حرب الاستنزاف فى الأعوام 68، 69، 1970، وكان لمعاركها فى قلب مواقع العدو نتائج عسكرية قتالية على درجة كبيرة من الأهمية، فى مناطق بورسعيد والدفرسوار شرق وجنوب البلاح والفردان.
وقبل حرب أكتوبر بساعات قليلة جمع العميد شفيق مترى سدراك، قائد اللواء الثالث مشاة التابع للفرقة 61 بالجيش الثانى الميدانى، جنوده، وخطب فيهم وأخذ يحمسهم بهذه الكلمات: «إن أبناء مصر من عهد مينا إلى الآن ينظرون إليكم بقلوب مؤمنة وأمل باسم، وقد آن الأوان أن ترفرف أعلام مصر على أرض سيناء، وأنا أعدكم أن كل علم سوف يُرفع فوق أحد مواقع القوات الإسرائيلية فى سيناء سيكون موضع إعزاز وتقدير من أبناء مصر وقادتها ولكل من ساهم فى رفع هذه الأعلام، وختاماً اذكركم بقوله تعالى: «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ» صدق الله العظيم، هكذا تعلّم كل من شارك فى الحرب أنه لا فرق بين مسلم ومسيحى وأنهم إخوة فى الوطن وأصحاب مهمة واحدة، وهى الانتصار فى حرب الكرامة والتحرير.
وفى 6 أكتوبر 1973 قاد أحد ألوية المشاة التابعة للفرقة 16 مشاة من الجيش الثانى الميدانى بالقطاع الأوسط فى سيناء، ووصل بقواته إلى قرب الممرات، حيث كان يجيد فن القتال بالدبابات فى الصحراء، وكان دائماً يتقدم قواته ليبث فى نفوسهم الشجاعة والإقدام، وكان يعلم أنه ذاهب ليتمركز فوق الأرض الأسيرة بعد تحريرها، وحقق أمجد المعارك الهجومية ثم معارك تحصين موجات الهجوم الإسرائيلى المضاد.
فى يوم 9 أكتوبر 1973م، وأثناء إدارته للمعركة فى عمليات تحرير (النقطة 57 جنوب)، الطالية، كان شفيق سدراك يقاتل برجاله داخل عمق بلغ مداه ما يقرب من 14 كيلومتراً فى سيناء، وكان يتقدم قواته بمسافة كيلومتر، وهى مسافة متميزة فى لغة الميدان والحروب، ولكنها خاصية القائد المصرى التى أظهرتها العسكرية المصرية فى معركة العبور، وعندما أصيبت سيارته بدانة مدفع إسرائيلى قبل وصوله إلى منطقة الممرات فى عمق الممرات، جاد بالروح، وقُتل هو ومن معه فى المركبة، وكانوا خمسة أبطال آخرين، ليحظى بشرف الموت فى سبيل مصر ويسهم فى رد الاعتبار لمصر والأمة العربية.
وهو أول بطل كرّمه رئيس الجمهورية الراحل أنور السادات فى الجلسة التاريخية الوطنية بمجلس الشعب صباح 19 فبراير 1974، إكباراً وتكريماً لسيرته العسكرية وكفاءته القتالية وقتاله البارز فدية للنصر والأرض والعرض وإخوانه وأهله والوطن.
كما حصل اللواء «سدراك» على جميع الأوسمة والنياشين التقليدية والدورية والاستثنائية، ولكن يظل أعظم هذه الأوسمة والنياشين هو وسام نجمة سيناء من الطبقة الأولى، والذى منحه الرئيس الراحل محمد أنور السادات لأسرة الفقيد، تقديراً لما أظهره الفقيد من أعمال استثنائية تدل على التضحية والشجاعة فى ميدان القتال أثناء حرب أكتوبر، وهو أعلى وسام عسكرى مصرى، كما تم إطلاق اسمه على الدفعة 75 حربية، وهى من أفضل خريجى الكلية الحربية.
هذا ما كتبه موقع البديل عن هذا البطل.
أرسل تعليقك