أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن بلوغ عدد سكان جمهورية مصر العربية بالداخل 92 مليون نسمة أمس الأول الخميس فى تمام الساعة الثامنة مساءً.
وكان الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أكد أن عدد السكان كان قد بلغ 91 مليون نسمة يوم 5 يونيو الماضى، أى إن زيادة المليون الأخيرة تمت فى أقل من 6 أشهر.
ومن باب العلم بالشىء، فالمجتمع المصرى يشهد مواليد جديدة كل عام 2 مليون و600 ألف مواطن سنوياً، فى حين يبلغ عدد الوفيات 600 ألف فرد سنوياً، ما يؤكد أن الزيادة السكانية تبلغ 2 مليون فرد سنوياً، وتتم زيادة أعداد المواطنين فى المجتمع المصرى بمعدل فرد كل 17 ثانية، بعد مقارنة عدد المواليد الجديدة بالوفيات. يعنى على بال ما حضرتك تقرأ هذا المقال وتخلص فنجان القهوة الذى أمامك هيكون مصر قد أضافت نحو 200 طفل جديد دونما أى استعداد لحسن الاستضافة.
وفى واحد من تقارير الأمم المتحدة عن أحوال الزيادة السكانية فى مصر فإن هناك العديد من الظواهر التى لا يمكن أن تُفهم بمعزل عن وضع الزيادة السكانية فى الاعتبار. إنها مشكلة وطن ترتفع فيه نسبة الإعالة والفقر والجريمة والبطالة وزنى المحارم والتشرد وتفكك الأسرة بسبب وجود أب وأم غير قادرين على تربية سبعة أطفال فى المتوسط فى العشوائيات وريف مصر. وقد قال خبير إسرائيلى ذات مرة إن إسرائيل محظوظة بأعدائها، واستخدم الزيادة السكانية المصرية كمثال على غفلة المصريين عن دورهم فى إضعاف مصر بكثرة الإنجاب. ولم يكن الدكتور جمال حمدان بعيداً عن هذا المعنى حين أشار فى كتابه «شخصية مصر» إلى أن مصر شهدت واحدة من أكبر ثورات الزيادة السكانية فى التاريخ، ولكن حدث تدهور شديد فى خصائص السكان، وبالتالى أصبح سكاننا عبئاً على مواردنا مهما نجحنا فى استغلالها.
وللموضوع عدة أوجه؛ فمن وجهة نظر دينية، فإن الاحتجاج بأن هناك حديثاً يدعونا للتناكح والتكاثر لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) سيباهى بنا الأمم يوم القيامة لا يُفهم إلا فى إطار حديث آخر يقول: «كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يعول». وكذلك حديث «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته»، وبالتالى علينا أن ننجب من الأطفال بقدر ما نُحسن التربية. وقد أعجبنى قول البابا شنودة بأن الله لن يسأل أحدنا كم أنجبت من الأطفال، ولكنه سيسألنا عن حسن تربيتنا لأولادنا.
ومن وجهة نظر اجتماعية، فالمكون الأساسى لهذه المشكلة ليس فى الزيادة ذاتها، وإنما فى أن هذه الزيادة تأتى من أقل الناس قدرة على تربية وتعليم أطفالهم. ولنأخذ مثلاً الوجه القبلى الذى يمثل نحو 18 مليون نسمة بنسبة 25 فى المائة من سكان مصر. ويبلغ عدد مواليد الوجه القبلى نحو 41 بالمائة من إجمالى مواليد الوطن (2 مليون). وأتذكر جيداً أننى كنت أسكن فى عمارة 12 دوراً، كل عدد أبناء السكان تحت سن 10 سنوات أربعة أطفال والبواب الذى يعيش فى حجرتين فوق السطوح عنده 8 أولاد وبنات، اثنان منهم كانا بالفعل تخطيا سن التعليم، وبالتالى لا مجال لعودتهما إليه.
ومن وجهة نظر اقتصادية، فإن كل 1 جنيه يُنفق على تنظيم الأسرة يؤدى إلى توفير فى المصروفات العامة (مباشرة وغير مباشرة) فى حدود 134 جنيهاً، وتوفير فى إنفاق مباشر 44 جنيهاً، مع العلم أن نصيب كل مولود جديد من الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية فى الموازنة العامة للدولة يبلغ 4500 جنيه تقريباً.
إذاً مصر فى خطر «سكانى» لا يقل عن الأخطار التى تحيط بها وتنفجر من داخلها. لقد بلغ تعداد سكان مصر عام 1980 نحو 40 مليون نسمة، وبعد 30 عاماً أصبح عدد السكان 80 مليون نسمة، وإذا استمرت الزيادة السكانية على نفس المعدل فإنه من المتوقع أن يصل عدد السكان بعد 30 عاماً أخرى إلى ما يقارب 160 مليون نسمة.
يعنى بعد 30 سنة سنكون بحاجة لنفس العدد من المدارس والمستشفيات والطرق والجامعات الموجودة حالياً، ليس بغرض أن نتقدم، ولكن حتى لا نتخلف أكثر. ولا بد من توضيح أن مصر ليست غنية بمواردها الطبيعية مثلما هو الحال فى الصين أو الهند.
وما يزيد الأمر سوءاً هو جانبه السياسى، فالنخبتان الحاكمة والمعارضة منشغلتان بقضايا «التزويث» عن هذه المعضلة السرطانية. فمن وجهة نظر سياسية، يبدو أن الدولة ليست مستعدة للاستفادة من تجارب دول أخرى سبقتنا فى هذا المضمار وحققت قطعاً نتائج أفضل منا.
فهناك حوافز إيجابية يمكن أن تعطى للمواطنين الذين ينجبون بقدر ما يستطيعون إحسان التربية والتعليم. ومن هذه الحوافز الإيجابية، تخفيض الضرائب التى يقوم رب الأسرة بسدادها طبقاً لعدد أطفاله (مثلما يحدث فى تونس وبنجلاديش وإندونيسيا وفيتنام)، فضلاً عن منح التقاعد التى تُعطى لموظفى الحكومة الذين لديهم عدد محدد من الأطفال طبقاً لعدد الأطفال، وتنعدم هذه المنح بعد الوصول إلى عدد معين من الأطفال، ثم تتحول إلى عقوبات مع زيادة الإنجاب، وهناك تسهيلات فى الحصول على المنح والقروض وفى سدادها بقدر انضباط الأسرة عددياً (مثلما يحدث فى بنجلاديش وإندونيسيا)، والمساعدة على توفير مساكن للأسر صغيرة الحجم.
فضلاً عن حوافز مالية لمن يلتزمون بالسن القانونية لزواج الفتيات (الهند مثلاً). وفى الهند كذلك يمكن منح حوافز مجتمعية فى منطقة بأكملها نظراً لالتزامها بمبدأ تنظيم الأسرة وانخفاض معدل وفيات الرضع والمواليد، بجانب انتشار المعرفة بالقراءة والكتابة وتحقيق التعليم الأساسى لجميع سكان المنطقة.
وهناك كذلك حوافز سلبية (أى عقوبات) تُفرض على من يبالغ فى الإنجاب، لأنها ليست حرية شخصية، وإنما هى مسئولية من الشخص تجاه مجتمعه أن ينجب فى حدود حُسن التربية والتعليم. حيث يتم فرض عقوبات على ولى الأمر الذى يمتنع عن إلحاق أطفاله بمؤسسات التعليم الأساسى أو يتسبب فى ترك أبنائه للتعليم قبل بلوغ سن 16 عاماً طالما كان الطفل قادراً على مواصلة التعليم. وذلك على اعتبار أن التعليم هو أحد أهم عوامل الارتقاء بالخصائص السكانية كأحد الأبعاد الأساسية للمشكلة السكانية (تونس وتايلاند)، وتطبيق عقوبات مالية وإدارية على المخالفين مثل تخفيض الحوافز المادية.
المهم: أين الحكومة من كل هذا؟ مَن يقود العمل العام فى هذا الملف الذى لا يختلف اثنان على أهميته؟ أين رئيس الوزراء؟ أين الوزراء؟ أين أى حد؟
أرسل تعليقك