آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

مؤتمر الشباب ونخبة مصر الجديدة

اليمن اليوم-

مؤتمر الشباب ونخبة مصر الجديدة

معتز بالله عبد الفتاح
بقلم : معتز بالله عبد الفتاح

أى ماكينة مصمَّمة لغرض معين تظل صالحة لخدمة هذا الغرض طالما أنها مصممة بشكل صحيح، أى لا يوجد فيها عيب مصنع، ولكن من الوارد أن تعجز الماكينة عن العمل رغماً عن سلامة تصميمها إذا حدث أن قرر القائمون عليها أن يسيئوا استخدامها، وهذا هو ما يسمى عيب استخدام. الديمقراطية ماكينة، والترتيبات المؤسسية المرتبطة بها تجعلها تنجح إذا التزمنا بقيمها (principles) وإجراءاتها (procedures) وعملياتها (processes). وهى لها كتالوج فيه تحذيرات تقول لك، لا تفعل عشر حاجات مثلاً، وتجد عادة بجوارها علامة (X) كبيرة كى توضح لك ما الذى ينبغى تجنبه، مثلاً صديقى محمد الميكانيكى يعرف أن عليه ألا يضع زيت الموتور مكان زيت الفيتيس، وألا يضع سائل مبرد الموتور مكان البنزين، لأن كل سائل من هذه السوائل له خصائص ولُزوجة ووظيفة معينة، ومن غير المتوقع أن تقوم كل السوائل بأدوار بعضها وإلا لماذا التمايز؟ طيب ماذا لو حدث من باب الغفلة أو من باب الغلاسة أو من باب الغشامة (والثلاث حاجات موجودة فى حياتنا السياسية والفكرية) أن قرر أحدنا أن يضع نوعاً من السوائل مكان السائل الآخر؟ قطعاً ستحدث خسارة ما تتوقف على التفاصيل، وهذا هو حال مصر بسياسييها الحاليين، الذين يكررون التجربة الديمقراطية الفاشلة قبل ثورة 1952، حيث كانت تحكم بنفس منطق المكابرة والمكايدة والمزايدة والمعاندة، هل تتذكرون فيلم إسماعيل ياسين لما الشاويش عطية سأله هل له أخ يشبهه، فنفى إسماعيل ياسين، وبعد بعض الكلمات والتصرفات البلهاء من إسماعيل ياسين، قال الشاويش عطية: «هو بغباوته ووشه العكر»، وأعتقد أن هذا هو نفس الفيلم الذى سأله فيه: «وظيفتك إيه على المدفع؟» فقال له: «بروروم»، يعنى شغلته على المدفع «بروروم»، ولهذا لم يكن مستغرباً، فى فيلم آخر، كان فيه إسماعيل ياسين يقود الطائرة، وكان خلفه الشاويش عطية يبتهل إلى الله ويقول: «يا رب ما تجعل نهايتى على إيده»، إسماعيل ياسين يمثل فى هذا المقام وفى هذا المقال النخبة السياسية العظيمة التى كانت تحكم مصر قبل ثورة 1952 والتى كانت تعيش معها مصر فى حالة من الدائرة الجهنمية للفشل السياسى، إذا جرت انتخابات نزيهة كان يصل حزب الوفد إلى السلطة، ثم يدخل «الوفد» فى صدام مع القصر أو الإنجليز، فيقيل الملك الوزارة ويكلف أحزاب الأقلية بتشكيلها، فتؤجل تلك الأخيرة انعقاد البرلمان ذى الأغلبية الوفدية، فيحل الملك البرلمان وتجرى انتخابات جديدة تزوّر نتائجها لصالح الأقلية، فيقوم «الوفد» بسلسلة من الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات، ما يدفع الملك إلى إجراء انتخابات حرة يعود بعدها «الوفد» إلى الحكم، فيصطدم «الوفد» مع الملك أو الإنجليز، فيقيل الوزارة وهكذا، لدرجة أنه خلال الفترة من 1923 حتى 1952، تشكلت 38 وزارة بمتوسط عمر 9 أشهر للوزارة الواحدة، كما لم يكمل أى برلمان مدته الدستورية باستثناء برلمان عام 1945. وهناك برلمان تم حله فى نفس يوم انعقاده فى 23 مارس 1925، يعنى استمر نحو 8 ساعات، لماذا كل هذا؟ لأن الناس لم تلتزم بكتالوج الديمقراطية وتبنوا منطق: المكايدة، والمكابرة، والمعاندة، والمزايدة، هؤلاء الساسة كانت شغلتهم على المدفع «بروروم»، وحساباتهم الضيقة كانت السبب فى معاناة أجدادنا، والحقيقة فى معاناتنا من بعدهم، لهذا كان سهلاً للغاية على النخبة الجديدة بعد ثورة 1952 (الضباط الأحرار) أن تفترس النخبة السابقة وتمنعها من العمل العام، لأن الناس لفظتهم وتعشمت خيراً فى المقبلين بعدهم، ما يحدث فى مصر الآن يقول إننا ندخل فى نفس الدائرة الخبيثة من النخب الفاشلة، ومثلما أضاعت نخبة الأجداد مصر وفلسطين، تضيع نخبة الأبناء والأحفاد ما تبقى من البلد، يا ترى هل الديمقراطية لا تعمل فى مصر بسبب عيب مصنع أم عيب استخدام؟

كتبت من قبل وأكرر أن فيه مشكلات عايزة التفاعل مع «عصب المشكلة»، حضرتك عارف اللى بيسموه «Root-cause analysis» أى تحليل المشكلة من جذورها وليس من سيقانها (المتغيرات الوسيطة) أو فروعها (نتائجها)، يا ريس، أنا حضرت اجتماعات حكومية كثيرة، سواء فى عهد المجلس العسكرى أو فى فترة حكم الإخوان أو الآن. أنا قلقان يا ريس، معظم الناس مش مستعدة، الناس بتربط «التور» مطرح ما يحب صاحبه، الناس بتسجل مواقف مش بتبحث عن حلول عملية للمشكلات، الناس حتى مش عارفة تدير اجتماعاتها ونقاشاتها بشكل منضبط، ومجلس النواب جسد مقولة إننا بنستخدم نفس الشبكة لاصطياد نفس السمك من نفس البحيرة، يا ريس، حضرتك معك فريق عمل مجتهد، يا ريس، مصر بحاجة لجيل جديد من الإداريين والسياسيين، ناس تكون متعلمة بجد يا ريس، لا ينبغى أن تركز فيما هو «مُلحّ» وتنسى ما هو «مُهم»، وغلاوة مصر عندك ما تركز فى البنيان وتنسى الإنسان، استثمر فى المصريين زى ما بتستثمر لهم، بأخلاقنا دى وبجهلنا ده، لو عندنا مال قارون هنضيعه بسفه، يا ريس، فيه مؤسسة اسمها «المدرسة الوطنية للإدارة» (National School of Administration)، إحنا عايزين نعمل زيها. المدرسة دى بيلتحق بيها كل الناس اللى عايزين يشتغلوا فى مناصب عليا فى أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية والإدارية، فيها برامج متنوعة تجمع بين القانون والاقتصاد والسياسة والإدارة والعلاقات الدولية وعلم الاجتماع وعلم النفس والتسويق وتكنولوجيا المعلومات والإحصاء والمهارات الشخصية زى القدرة على التواصل والإنصات والتفاوض وإدارة الاجتماعات والتفكير النقدى والابتكارى والمقارنات ودراسات الحالة وغيرها، هذا هو التكوين العلمى المنضبط لمن يريد أن يتولى المسئولية فى البلد، أهم ما فى المدرسة دى، إن مفيش حد فى منصب كبير فى الدولة من عضو برلمان إلى وزير إلى محافظ إلى عمدة إلى رئيس جمهورية إلا ويكون درس وتخرج فى هذه المدرسة، ومش هنخترع حاجة من لا شىء، فيه فى مصر معهد اسمه معهد إعداد القادة، عايزين نطوره، ونضع فى القانون ما يلزم من يترشح للمناصب العليا، من وزراء أو أعضاء برلمان أو محافظين، بأن يلتحقوا بهذا المعهد خلال 3 سنوات مثلاً، ويقوم على إدارة المعهد ناس من اللى متعلمة كويس وليها خبرة، يا ريت تكون خارجية، فى الإدارة والاقتصاد، ويحاضر فى هذا المعهد، حتى كمحاضرين زائرين ببلاش، أهم أسماء علماء ومهندسى ومفكرى مصر والعالم الذين نجحوا داخل مصر وخارجها علشان يعلموا الناس ويفهموهم إزاى نتقدم، يا ريس، والله العظيم، كتاب التقدم فى العالم اتكتب خلاص، إحنا اللى مش عارفين أو مش عايزين نقراه، عملية إحداث النهضة الاقتصادية والإدارية والسياسية اتدرست لدرجة أن مقررات الاقتصاد السياسى للتنمية أصبحت عاملة زى كتب الطبيخ، برنامج تأهيل الشباب للقيادة مفيد وينبغى أن يستمر لكن المشكلة أكثر إلحاحاً والاحتياج لنخبة سياسية وإدارية أكثر إلحاحاً، مؤتمر الشباب قد يكون نقطة البداية فى استزراع نخبة جديدة.

يا رب نجِّ مصر مننا أو بتعبير أدق من بعضنا. آمين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مؤتمر الشباب ونخبة مصر الجديدة مؤتمر الشباب ونخبة مصر الجديدة



GMT 00:31 2017 الإثنين ,13 شباط / فبراير

ملاحظات على مباراة

GMT 22:15 2017 السبت ,11 شباط / فبراير

ماذا فعل «الوطني» بالوطن؟

GMT 22:34 2017 الأربعاء ,08 شباط / فبراير

النظارة المصرية... النظارة السعودية

GMT 22:23 2017 الثلاثاء ,07 شباط / فبراير

مش لاقيين وُزرا؟

GMT 02:15 2017 السبت ,04 شباط / فبراير

فيروس «ترامب» اخترق النظام الأمريكى
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 05:53 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

اتجاهات موضة الديكور في غرف الطعام هذا العام

GMT 06:16 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

ضغوط مختلفة تؤثر على معنوياتك أو حماستك

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 22:55 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:05 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen