كتبت من قبل عن العبء الثقيل الذى يحمله كل من يشغل منصباً عاماً فى مصر، وشبّهته بأنه كمن ينزل إلى «البالوعة» ليقوم بتسليكها، وحين يخرج منها نقول له «إف، رائحتك قذرة» رغماً عن أنه كان من الممكن لمن يشغل هذا المنصب أن يركن إلى القطاع الخاص أو المؤسسات الدولية كى ينجز فى مجالات هى بطبيعتها قابلة لأن يستشعر فيها إنجازاته.
الوضع الحالى فى مصر صعوبته لا تكمن فقط فى عظم التحديات، ولكن كذلك فى تفرق القدرات وعدم وضوح الرؤية. وأحياناً أجد أننا مشغولون بما هو «مُلِحٌّ» على حساب ما هو مهم. لذلك أرسل هذه الرسالة إلى السيد رئيس الوزراء وأتمنى أن تجد عنده شيئاً من الاهتمام. فأنا لا أشك فى وطنيته وإخلاصه، ولكن أعلم أن ساعات العمل الطويلة قد تجعله شديد الانشغال أو كما يقال:
Too busy to think strategically
لو كنت مكان المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، لأعلنت عشرة أهداف أعتبرها «العشرية الوطنية» التى تمثل الأولوية الأولى لولايته على ما عداها من قضايا. ولو كنت مكانه لفعلت ما يلى:
أولاً: لأعطيت المحافظين، كلاً فى نطاق محافظته، الحق فى التصرف فى أراضى الدولة عن طريق منح حق الانتفاع المحدد بمدد طويلة تصل إلى 30 سنة لجلب الاستثمارات إليها. وطبعاً الانتفاع لا يعنى البيع. ويُبلغ المحافظ جهة واحدة، ولتكن وزارة الإسكان، بقراره، وترد عليه بالموافقة خلال فترة محددة.
ثانياً: لأعطيت كل من يريد أن يبنى مدرسة خاصة رخصة بنائها وتخصيص أرض له عن طريق حق الانتفاع لمدة ثلاثين عاماً، شريطة أن يتم البناء خلال عامين وأن يستوفى كل الشروط المنصوص عليها فى لائحة المدارس الخاصة واشتراطات هيئة الأبنية التعليمية، شريطة أن يكون داخل كل مدرسة فصول تعليم مجانية بمقدار ربع أو ثلث الطلاب الملتحقين بها.
ثالثاً: لأعطيت كل من يريد أن يبنى مستشفى خاصاً رخصة بنائه على النحو السابق، بالشروط نفسها، على أن تكون هناك نسبة للخدمة المجانية.
رابعاً: لقررت فوراً عزل طلبة الجامعات والشباب الذين تم القبض عليهم لأسباب تتعلق برفض قانون التظاهر أو لأى أسباب سياسية عن بقية المساجين الأكبر سناً سواء المقبوض عليهم لأسباب سياسية أو جنائية. هؤلاء الشباب قد يظلون فى السجن لعدة سنوات ثم يخرجون إلى المجتمع حاملين داخلهم كل ما تعلموه فى السجن، بالإضافة إلى حالة من الحنق والكراهية للمجتمع. سيخرجون بلا مستقبل فعلىّ، وسيكونون قنابل مدمرة للمجتمع. لا بد أن يعامل هؤلاء الشباب معاملة خاصة تجتمع لهم فيها سبل إكمال دراستهم والتدريب المهنى الملائم والرعاية الدينية والنفسية. لا بد أن يكونوا فى عنابر خاصة منفصلة عن بقية المجرمين.
خامساً: لقررت أن أزيد عدد أكاديميات الشرطة فى مصر، لأن نسبة ضباط الشرطة المدربين أكاديمياً لعدد السكان أقل كثيراً من المتوسط العالمى، وكأننا بحاجة لأن يتضاعف عدد ضباط الشرطة إلى 10 أمثال العدد الحالى، وهو ما لن يتأتى بزيادة عدد أمناء الشرطة والأفراد، فهؤلاء غير أولئك.
وبالتالى يكون السؤال: لماذا لا توجد أكاديمية للشرطة فى الصعيد وأخرى فى وجه بحرى؟
سادساً: لأصدرت قراراً فورياً بعودة منصب وزير الإعلام أو لجنة لإدارة ملف الإعلام بدلاً من الفراغ غير المفهوم الذى نعيشه ولأعطيته فوراً صلاحيات إعادة هيكلة المؤسسات التابعة له، حيث إنها فى حالة تجميد إجبارى، لا هى تحت الإصلاح ولا هى تعمل بكامل كفاءتها، رغم جهود القائمين عليها.
سابعاً: لأصدرت قراراً فورياً بتكليف السيد وزير التخطيط بتنفيذ شبكة الحكومة الإلكترونية التى يستطيع من خلالها المواطن أن ينهى أغلب مصالحه الشخصية عبر الإنترنت مستخدماً الرقم القومى الموحد الذى يربط المواطن بجميع أجهزة ووزارات الدولة مثلما هو الحال فى الكثير من دول العالم. كما يتم التواصل بين أجهزة الدولة المختلفة عبر شبكة الإنترنت المؤمَّنة بما يضمن جاهزية وفاعلية التواصل فيما بينها.
ثامناً: لأصدرت قراراً بتشكيل لجنة لتسجيل أراضى وعقارات المصريين مقابل مبالغ معقولة بدلاً من نظرية «وضع اليد» بما يضمن لهؤلاء حقوقهم ويضمن للدولة مصدر دخل كبيراً تستطيع به عمل مشروعات تنموية أكبر.
تاسعاً: لكلفت الحكومة وكل أجهزة الدولة بما فيها الإعلام ومؤسسات الخطاب الدينى بتوعية الناس أكثر وأكثر بسرطان الإنجاب بلا حساب الذى سيدمر أى فرص حقيقية لمستقبل أفضل.
عاشراً: لأوفدت عدة بعثات من علماء الدين الإسلامى للسفر إلى ماليزيا وإندونيسيا كى يتعلموا منهم مفهوم «الخطاب الدينى المعاصر» بحيث يحترم العقيدة والأخلاق ويواجه التحديات والمشاكل.. نحن نزيد باثنين ونصف مليون طفل سنوياً، وهذا يعنى أننا فى نهاية فترة حكم الرئيس السيسى سنكون قد زدنا عشرة ملايين إنسان، ومهما وفرت المشروعات الكبرى من فرص عمل فهى ستكون فى حدود مليون فرصة عمل، تزيد أو تنقص، وماذا عن الباقى؟
أرجو أن نعالج أصل المرض وليس نتائجه يا دولة رئيس الوزراء
نحن بحاجة للجنة تضع تصوراً عن إعادة بناء الإنسان المصرى: قيمه وسلوكه. لجنة تحدد ما الذى نحتاجه فى الخطاب الدينى، والخطاب الإعلامى، والخطاب التعليمى، والثقافى، والسياسى كى يكون إنسان الغد قادراً على مواجهة تحديات الغد. لن تكون هناك مصر جديدة إلا بإنسان مصرى جديد.
أعلم حجم المجهود المبذول، وعلى يقين من إخلاص النية وصحة العزم والرغبة فى الإصلاح، ولكن كذلك أخشى أن نكون مشغولين بإطفاء الحرائق اليومية ولا ننشغل بنفس القدر ببناء وتوجيه الطاقة فيما يخدمنا على المدى الطويل..
(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).. صدق الله العظيم.
أرسل تعليقك