فى العيد الوطنى الفرنسى أو «يوم الباستيل»، قاد محمد لحويج بوهلال شاحنة باتجاه حشد من الناس كانوا يحتفلون فى نيس، وتسبّب الحادث فى مقتل 84 شخصاً. ما علاقة يوم الباستيل مع الإسلام؟ لا شىء بالنسبة إلى العالم، وكل شىء بالنسبة إلى تنظيم «الدولة الإسلامية».
هذا ما كتبه يعقوب أوليدورت من معهد واشنطن، وهو ما يُعبّر عن الاتجاه السائد فى الكتابات الغربية عن «داعش» وشقيقاتها.
يقول الباحث:
إن هجوم الشاحنة المأساوى فى نيس هو تعبير عن الأهمية التى يوليها تنظيم «الدولة الإسلامية» لموضوع يدخل فى صلب مبادئه، على غرار مبادئ السلفيين (أو الأصوليين السنة) بجميع أنواعهم منذ عقود، وهو أن أى عبارات يُنطق بها لتأييد الدول القومية تشكل انتهاكاً لوحدانية الله وتقسّم المسلمين على نحو غير ملائم، وفقاً لأشكال غير مصرّح بها من الهوية الشخصية. وقد جاء التعبير المبكر عن هذه الفكرة من قبل عبدالعزيز بن باز (المتوفى عام 1999)، وهو أحد عمداء السلفية فى القرن العشرين الذى أصبح فى ما بعد مفتى المملكة العربية السعودية، فى مقال قصير بعنوان «نقد القومية العربية على ضوء القرآن والواقع»، حذر فيه من أن الولاء للقومية من شأنه أن يدفع المسلمين بعيداً عن اتباع تعاليم الكتب المقدسة الإسلامية «القرآن الكريم والسنة النبوية».
وقد كتب مفكرون آخرون بهذا المعنى نفسه. وجاءت تعليمات أكثر تفصيلاً حول ما يجب تفاديه وأسباب القيام بذلك من محمد ناصر الدين الألبانى (المتوفى عام 1999)، الذى أثرت أفكاره على الجماعة الدينية التابعة لجهيمان العتيبى التى اقتحمت المسجد الحرام فى مكة المكرمة عام 1979. فمن خلال ملاحظته شعبية القومية العربية فى مدينته دمشق فى أربعينات القرن الماضى، علّق الألبانى بأن «العربى هو فقط أجْدرُ بالنعم الإلهية من غير العربى بسبب التقوى». وأوضح أن «العربى يجب ألا ينسى سبب فضيلته.. حيث إنه ناقل الدعوة الإسلامية إلى الدول الأخرى». وبعد مرور سنوات، شرح الألبانى أن اتّباع (السنة النبوية) للنبى محمد يعنى تجنب عزف الأناشيد الوطنية، وتجنب الهوية القومية، وتجنب المشاركة فى الانتخابات والاحتجاجات الشعبية».
وباختصار، إن هجوم تنظيم «الدولة الإسلامية» فى فرنسا فى «يوم الباستيل»، الذى هو عطلة للاحتفال بالهوية الوطنية الفرنسية، يشكل أحد التفسيرات لتقليد يعود إلى ما لا يقل عن قرن من الزمن. والسؤال هنا، أين تصبح هذه المعارضة للقومية مبرراً للعنف؟ الجواب له علاقة بما يعنى اتّباع السنة النبوية للنبى محمد.
وهنا يستفيد تنظيم «الدولة الإسلامية» من تراث الجهادية، ولكن يضيف إليه (بعض المواضيع لأسباب تتعلق بأيديولوجيته). فالجهاديون يعتقدون أن أى شخص يخرج بأى شكل من الأشكال عن السنة النبوية لن يبقى مسلماً. بالإضافة إلى ذلك، وفى أعقاب معايير العقيدة التى حددها (محمد) بن عبدالوهاب (المتوفى عام 1792)، فإن أى شخص يفشل فى اتهام إخوانه المسلمين بسبب كفرهم لن يبقى مؤمناً أيضاً. وهلم جرا. إن ما يضيفه تنظيم الدولة الإسلامية لهذا التقليد هو أنه يدّعى أنه يوفر حلاً للمسلمين فى العالم، وهو: دولة «إسلامية» محضة. وفى الواقع، وفقاً لآرائه، يجب تقديم الولاء للإسلام (للخلافة)، وليس للدولة القومية -وهو عنوان أحد كتيباته- وبحكم التعريف، فإن أى شخص يقاوم القتال باسم «التنظيم» أو الانتقال إلى المناطق الخاضعة لسيطرته لن يبقى مسلماً.
وكما ناقشتُ مؤخراً فى نشرة كتبتها لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، يُعلّم تنظيم «الدولة الإسلامية» الأطفال عن الديمقراطية والقومية والوطنية. ومع ذلك، لم يتم العثور على هذه المواضيع فى أى كتاب مدرسى عن التاريخ أو العلوم الاجتماعية، حيث يمكن للمرء أن يتوقع وجودها هناك. وبدلاً من ذلك، توجد فصول كاملة حول كل موضوع من هذه المواضيع فى الكتب المدرسية للتنظيم عن العقيدة، التى يتم فيها عرض جميع هذه المواضيع، ليس كانحرافات عن قدوة النبى محمد فحسب، بل باعتبارها انتهاكات للتوحيد، تمشياً مع الرأى الجهادى. وبالتالى، فمن وجهة نظر تنظيم «الدولة الإسلامية»، فإن المسلمين المنتسبين بأى شكل من الأشكال إلى هذه الأنواع من الهويات، لن يبقوا مسلمين.
وهذا يأتى بنا إلى «يوم الباستيل»، فرنسا عام 2016. لقد كان ذلك هجوماً على الغرب لاحتفاله بالحرية. كما كان أيضاً هجوماً على المسلمين لشراكتهم مع الغرب فى الاحتفال بإسلامهم من خلال الحرية. ويقصد تنظيم الدولة الإسلامية، أن أى نوع من الولاءات السياسية والاعتزاز الوطنى هى انتهاكات للإسلام، وبشكل أكثر تحديداً، لا يعتبر الشخص مسلماً إلا إذا انضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية. وفى كتيب نشره فى يناير 2015 بعنوان «الولاء للإسلام (للخلافة) وليس للدولة القومية»، كتب التنظيم أن «الوطنية هى شكل من أشكال الكفر العظيم الذى يزيل الشخص من حظيرة الإسلام، وكل من يدعو إليها أو يتبعها أو يعمل من أجل قضيتها هو مرتد عن الدين الإسلامى».
وكان الهجوم أيضاً شعاراً للحملة من أجل قضية تنظيم الدولة الإسلامية، ففى رأى «التنظيم»، ليس لدى المسلمين حالياً أى عذر للاحتفال بالهويات الوطنية عندما تكون لديهم هوية إسلامية خاصة بهم فى العراق وسوريا. ومن ناحية الولايات المتحدة طالما تغادر العراق وسوريا دون حل مشكلاتهما، فسوف تستمر فى رؤية الكيفية التى يُلهم بها هذا التعليل قيام المزيد من مثل هذه الهجمات فى المستقبل.
انتهى كلام الباحث ولم تنتهِ حملة التشويه التى يتزعمها الدواعش ضد الإسلام، والتى تجد صدى لها، سواء عن جهل أو تربص فى الغرب، سواء فى دوائر البحث الأكاديمى أو الصحافة والإعلام أو مراكز صنع القرار.
الدواعش ينتصرون فى معركة الصورة. ويخلقون فجوة تزداد اتساعاً بمرور الأيام.
هذا المقال دعوة إلى التفكير فى الخطر الذى نعيشه داخلياً وخارجياً بسبب هؤلاء.
أرسل تعليقك