آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

في رثاء السفير والنهار

اليمن اليوم-

في رثاء السفير والنهار

بقلم - عريب الرنتاوي

أجيب، حين يسألني البعض عن علاقتي بمهنة الصحافة، بأنني تعلمتها في بيروت، وأن أول من وضع خطاي المتثاقلة على سكتها هو الصديق الشهيد ميشيل النمري، الذي داهمني ذات صباح، وهو في طريقه إلى مكتبه، متلبساً بشرب فنجان من القهوة وقراءة صحيفتي السفير والنهار في مقهى “أم نبيل” قرب جامعة بيروت العربية، وأصر على اصطحابي معه، رغم ممانعتي النابعة من عدم ثقتي – وربما عدم رغبتي – في ولوج هذا العالم، فكان ما كان. أقول ذلك، وفي البال أنني حقيقة تعلمت قراءة الصحف في بيروت، بيروت علمتنا أشياء كثيرة، من بينها قراءة الصحف، فثمة طقوس وطرائق للقراءة كان يتعين عليك إجادتها قبل أن تزعم أنك تعرف لبنان من عناوين صحفه ومقالات كتابها وتعليقاتهم ... قبل ذلك، كانت “صحافة اللون” الواحد، هي سمة العمل الصحفي والإعلامي في الأردن، زمن الأحكام العرفية، إذ قلما تجد مقالاً أو تحليلاً خارجاً عن المألوف والسياق. ذهلت حين عرفت، أن الصحف موزعة على المذاهب والطوائف والأيديولوجيات، وأن مصادرها الإخبارية والمالية، تتدفق بغزارة، من خارج مألوف العمل الصحفي وقنواته المعتادة ... وأذهلني شغف السياسيين بالصحافة، حتى أن كل واحد من كبارهم، قد خصص “ميزانية مستقلة” يغرف منها على “المحاسيب” و”الزبائن”، تارة لكسب التأييد وأخرى لشراء الصمت، ينطبق ذلك على القصر الجمهوري والسراي الحكومي ومجلس النواب، وصولاً إلى زعماء الميليشيات وأمراء الحروب والطوائف والزواريب والحارات ... جميعهم كانوا يعرفون، أنه من دون صحافة وإعلام، يصبح حضورهم كالغياب، وأن ظهورهم في عناوينها وصدارة صفحاتها، هو الشهادة الدامغة على أنهم ما زالوا ينبضون بالحياة. منذ ذلك التاريخ، في مفتتح ثمانينيات القرن الفائت، وأنا “مدمن” على قراءة السفير والنهار ... ولم تنقطع هذه العادة إلا بعد الخروج من بيروت، حيث تقطعت سبل الحصول على الجرائد اللبنانية بانتظام، قبل أن أعود لمزاولة عاداتي الراسخة، عبر فضاء الشبكة العنكبوتية، لكن مع توسع طفيف في عدد الجرائد المستهدفة، بضم الأخبار إليها، وأحياناً الجمهورية. في لبنان العشرات من الجرائد والمجلات التي تصدر بانتظام وبكلف هائلة ومردود قليل، ومع ذلك فهي تصدر وتصدر بانتظام، ما يوحي بأن مصادر التمويل تمر بقنوات أخرى، بعضها سرية وأغلبها علنية ... حيث باتت مصائر معظم هذه الصحف، إن لم نقل جميعها، رهناً بحاجات المموّل المتغيرة، وقدرته على إدامة الدفع والتمويل من جهة ثانية. في السنوات القليلة الفائتة، واجهت الصحف اللبنانية، أزمة مالية خانقة ... تراجع توزيعها وتضاءلت المساحات الإعلانية على صفحاتها، بعد أن غزت الفضائيات، ومن بعدها الشبكة العنكبوتية سوق الإعلان ... أحد الأصدقاء قال لي إن الصحف اللبنانية الورقية مجتمعةً، بالكاد توزع 20 ألف نسخة ... هذا وضع كارثي بامتياز، وقد بدأت نتائجه الكارثية تتجلى في إقدام كثير منها، على “تسريح” العشرات من العاملين والكتاب والصحفيين، بمن فيهم أسماء وازنة، ودائماً لأسباب مالية. قبل أيام، أعلنت صحيفتا النهار والسفير، أنهما بصدد التوقف عن إصدار الطبعة الورقية قريباً، بالنظر للضائقة الاقتصادية التي تعتصرهما ... لا أدري كيف ستكون صورة بيروت، من دون أكشاك الجرائد التي تزينها الصحيفتان المذكورتان ... لا أدري كيف يمكن لنهارات العاصمة اللبنانية أن تبدأ من دون ارتشاف فنجان قهوة على وقع “تقليب” صفحات الجرائد، على مقهى رصيفي على مقربة من أقدام المارة والعابرين؟ الصحافة الورقية تحتضر، وهي في طريقها للفظ أنفاسها الأخيرة ... حقيقة نعرفها ونكررها كما لو كانت قدراً مكتوباً علينا كالموت، ولكننا نحزن حين نفقد عزيزاً علينا، وتصدر عنا إشارات “عناد” للقدر المحتوم ... وها نحن نستكثر أن يطوف ملاك الموت بصحف عزيزة علينا، كالسفير والنهار ... وقبلها ارتدينا ثياب الحداد على بعض صحفنا الوطنية كـ “العرب اليوم”، وكدنا نرتديه على صحف أخرى: الدستور”، وبدانا نتحضر لاستقبال المزيد من الأخبار غير السارة عن صحف أخرى.. من دون أن نقوى على التسليم بأن مسار الورق في الصحافة قد بلغ خط النهاية، وأننا سنشرب قهوتنا الصباحية ذات زمن ليس ببعيد، مع الصحافة الافتراضية، آملين ألا تتحول قهوتنا ومقاهينا ذاتها، ذات يوم، إلى قهوة ومقاهٍ “افتراضية” كذلك... عظّم الله أجركم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في رثاء السفير والنهار في رثاء السفير والنهار



GMT 09:49 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

تأملات في المشهدين اللبناني والعراقي

GMT 16:22 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

«بيان سوتشي» يجبُّ ما قبله... وما بعده

GMT 11:59 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

عشر ساعات هزت سوريا والإقليم

GMT 13:14 2019 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أبعد من «شرق الفرات»

GMT 09:01 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الأكراد كما العرب... لا يتعلمون
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 07:18 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

برونو مارس يُعلن فوزه بـ " جائزة غرامي " لأغنية العام

GMT 19:30 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 08:30 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

سوبارو تكشف عن سيارة جبارة للطرق الوعرة

GMT 13:56 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

بريشة : علي خليل

GMT 03:13 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الحب على موعد مميز معك

GMT 01:54 2017 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

بيلا حديد تبرز في ثوب أبيض في شوارع نيويورك

GMT 10:32 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

ظروف معقدة يستقبل بها اليمنيين عيد الأضحى

GMT 23:55 2016 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الجزيرتان كشفتا عيوبنا

GMT 11:10 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

زوجة تضع المنوّم لزوجها لتتمكن من خيانته مع جارهما

GMT 14:26 2018 الخميس ,08 آذار/ مارس

"جونو "تدور حول كوكب المشتري منذ العام 2016
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen