بقلم : عريب الرنتاوي
يبدو أن السباق بين «المصالحة» و»التهدئة»، قد حسم لصالح الأولى ... ونقول «يبدو» لأن المشهد الفلسطيني بات يتحرك ويتقلب بسرعة غير مسبوقة ... قبل بضعة أسابيع فقط، كان خيار «التهدئة أولاً» قد سجّل بعض التقدم، مع تقدم الوساطات المتعددة لى هذا الطريق، وبالأخص القطرية والأممية ... اليوم، تقول الأنباء والأخبار المسربة، أن خيار «المصالحة أولا»، قد بدأ يحرز بعض التقدم.
قبل بضعة أسابيع، بدا أن الرئيس والسلطة في رام الله، قد تُركا جانباً ... إسرائيل حمّلت عباس مسؤولية تعطيل مسار التهدئة، واتهمته بالسعي لجر إسرائيل إلى مواجهة مع حماس، بل ولوّح قادتها بأنهم سيدفعون من أموال الضرائب الفلسطينية، ما قد يقتطعه عباس من أموال مخصصة للقطاع ... يومها صدرت تصريحات لافتة عن محمود الزهار، بدت فيه معالم الارتياح بادية بين سطورها، لاستعداد إسرائيل القيام بوظيفة «الجابي» لصالح سلطة الأمر الواقع في القطاع.
في تلك الفترة أيضاً، صدرت عن واشنطن، تصريحات مفادها «أننا لن ننتظر عباس إلى ما لا نهاية»، فإما أن يقدم البضاعة المطلوبة، وإلا فإن البحث جارٍ عن بدائل وخيارات أخرى، من بينها ألا تكون السلطة في غزة، حين إتمام فصول المصالحة والمباشرة في تطبيع الأوضاع وإنهاء الحصار وإعادة الإعمار ... لم يبق أحدٌ من رموز إدارة ترامب ذوي الصلة، إلا وأدلى بدلوه في هذا المضمار.
على خطٍ موازٍ، كانت الدوحة تتحرك بنشاط على خط «التهدئة» بين حماس وإسرائيل، وكان الموفد الأممي نيكولاي ملادينوف، يثير غضب السلطة، نظراً لتجاهلها، في مساعيه ومحاولاته التوسط لإبرام صفقة «التهدئة» المنشودة ... بدا حينها أن السلطة على وشك الدخول في أزمة علاقات مع مصر وقطر والمنظمة الدولية، وبدا أن غزة ماضية لخيار «الانفصال» تكريساً لواقع الانقسام، وأن السلطة في رام الله المهددة بالتهميش والتجاهل، قد تواجه تحدي استبعادها عن كل ما يدور في غزة ويحيط بها من مشاريع ومبادرات.
اليوم، يتحول المشهد على نحو درامي ... مصر أبلغت السلطة كما تقول المصادر، بأنها تستجيب لأولوية المصالحة على التهدئة، وأن وجود السلطة في غزة شرط لا بد منه، للمضي قدماً في مبادرة الوساطة بين حماس وإسرائيل، وأن الجهد المصري الذي سار وظل يسير على مساري التهدئة والمصالحة، سيعطي الأخيرة، الأولوية التي تستحق.
تحرك السلطة على أكثر من خط، بما فيها قبرص التي كانت مرشحة لاستضافة «رصيف» لنقل البضائع إلى القطاع، تحت الإشراف الأمني الإسرائيلي، يبدو أنه قد أثمر عن بعض النتائج ... والأنباء تتحدث اليوم، عن تراجع أصاب الوساطة القطرية، وحذر إضافي يهيمن على نشاط ملادينوف ... الأمر الذي يفسر «الارتياح الظاهر» في رام الله، والقلق البادي على ملامح الوجوه في غزة، وعودة قادة حماس إلى نبرة التهديد والتصعيد، على أمل استئناف ما انقطع من خيوط الأوهام والرهانات، على إمكانية حل مشكلات القطاع الإنسانية المتفاقمة، دونا حاجة للسلطة ودونما عودة لحكومتها ومؤسساتها وإداراتها إلى القطاع.
أرسل تعليقك