بقلم : عريب الرنتاوي
حصد التحالف الوطني للإصلاح (الإخوان وحلفاؤهم) خمسة عشر مقعداً في مجلس النواب الثامن عشر، وبنسبة 11.5 في المائة من إجمالي عدد مقاعد المجلس البالغة 130 مقعداً (ليس 15 في المائة كما تقول بيانات الحملة)، وبهذا تكرس الجماعة، بذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي وحلفائه، مكانتها الشعبية كأكبر حزب للمعارضة، أو بالأحرى كأكبر حزب سياسي في البرلمان.
هذا العدد من المقاعد ليس مفاجئاً بالطبع، أقله بالنسبة لكاتب هذه السطور، بيد أنه جاء في خانة الحد الأدنى لتوقعاته التي أعطت الجماعة عدداً من المقاعد يراوح ما بين 15 – 20 مقعداً، سيما بعد أن أجادت إدارة الحملة الانتخابية للجماعة “اللعب بورقة الكوتات المخصصة للنساء والمكونات” في المجتمع الأردني.
الرقم الإجمالي لعدد المقاعد، لا يكفي وحده للتعرف على حجم ونفوذ الجماعة في أوساط الأردنيين، هناك حاجة للذهاب أبعد وأعمق في تحليل الأرقام الأولوية شبه النهائية لأعداد الناخبين وأوزان القوائم التي شاركت في الانتخابات ...هنا، وفي قراءة أولية للنتائج، نستشف أن الكتلة التصويتية للإخوان التي تحصلت قوائمهم العشرون (الفائزة والخاسرة) قد بلغت قرابة الـ 160 ألف صوت، نصفها في عمان، وأزيد من ثلاثة أرباعها (78 في المائة) في المدن الكبرى الثلاث (عمان، إربد والزرقاء)، والبقية في بقية الدوائر والمحافظات التي خاضت فيها الجماعة الانتخابات، وهي كما هو معلوم، جميع محافظات المملكة باستثناء دوائر البادية الثلاث والكرك ومعان والطفيلة وعجلون وإربد الثانية.
وتشكل هذه “الكتلة التصويتية” ما يقارب الـ 11 في المائة من إجمالي عدد المقترعين في عموم المملكة المقدر بحوالي مليون ونصف المليون ناخب، كما أنها تشكل أقل بقليل من 4 في المائة من إجمالي أصحاب الحق بالاقتراع البالغة عددهم أزيد من أربعة ملايين ناخب وناخبة
في ظني، أن “الكتلة التصويتية” للإخوان والتي طالما جرى تقديرها ما بين (250 – 300 ألف) قد تراجعت بمقدار يتراوح ما بين الثلث أو النصف، وهو يتفاوت ما بين محافظة وأخرى، بدلالة النتائج المتواضعة التي تحصلت في بعض مناطق نفوذها التقليدية، وضياع عدد كبير من أصواتها في الصراع مع قوائم المنافسين من اللون الإسلامي ذاتها (إربد نموذجاَ) ... هنا لا بد للخبراء والدارسين من البحث عن الوجهة التي سلكتها الأصوات المؤيدة تقليدياً للإخوان، وكيف توزعت، هل ذهبت للأحزاب المتناسلة من رحم الجماعة الأم؟ ... النتائج المتواضعة والمايكروسكوبية لتلك الأحزاب، لا تشي بذلك.... هل ذهبت للتيار المدني الديمقراطي؟ أشك في ذلك في ضوء النتائج المتواضعة لهذا التيار خارج دائرة عمان الثالثة... هل آثرت الانزواء والاستنكاف أو تسربت في قنوات المدارس السلفية المختلفة؟
يفسر ذلك – ربما –واقعة أن من بين الخمسة عشر مقعداً التي حظيت بها الجماعة وحلفاؤها، ثمة خمسة مقاعد جرى انتخابها وفقاً لنظام الكوتا (مقاعد الشركس والشيشان الثلاثة ومقعدان نسائيان)، والمعلوم أن الفوز بهذه المقاعد، يتطلب عدداً أقل من الأصوات ... ومن المقاعد الخمسة عشر ذاتها، ذهبت خمسة مقاعد لحلفاء الجماعة والمقربين منها.
تقول حملة الإخوان الانتخابية أن قوائمها حصدت ما معدله 24 في المائة من إجمالي الأصوات في الدوائر التي خاضت الانتخابات فيها، والحقيقة المُستشفة من الأرقام الأولية للاقتراع تقول إن قوائم الجماعة حصدت ما نسبته 15 في المائة فقط من إجمالي المقاعد، حيث بلغت في “عمان الثانية” ذروتها 35 في المائة، وفي إربد الرابعة أدنى مستوى لها (أقل من 4 في المائة)، وراوحت في بقية الدوائر ما بين 9 – 20 في المائة.
واحتلت قوائم التحالف الوطني، مواقع متأخرة نسبياً في معظم الدوائر التي خاضت فيها غمار المنافسة، إذ لم تحصد الموقع الأول إلا في دائرة واحدة (عمان الثانية- قائمة التعاون- عبد الله العكايلة)، واحتلت الموقع الثاني في دائرتين اثنتين فقط (عمان الثالثة والرابعة) وحصلت على ترتيب متأخر في العديد من الدوائر الأخرى.
نصف قوائم التحالف الوطني للإصلاح العشرين، لم تحظ بأي مقعد (50 في المائة وليس 70 بالمائة كما تقول الحملة الانتخابية للتحالف)، أما بقية القوائم فقد حصدت ثلاث منها، على خمسة مقاعد من الكوتا النسائية والشيشانية، ولم تنجح الحملة في إيصال أي مرشح مسيحي إلى قبة المجلس، مع أنها أدرجت مسيحيين في عدد من قوائمها.
هي أرقام أولية، تحتمل هامشاً من الخطأ من الصواب، لكنه هامش ضيق للغاية، لا يؤثر على الوجهة العامة للخلاصات والاستنتاجات الرئيسة، ولقد آثرنا الشروع في مناقشة “الصوت الإسلامي” في الانتخابات النيابية، بالنظر لأهمية الموضوع، ولكونه احتل صدارة الاهتمامات السياسية والإعلامية، إلى الحد الذي جاز معه القول، أن أهم “رقمين” انتظرهما المراقبون والمحللون والإعلاميون في الانتخابات الأخيرة، هما: عدد المقترعين وعدد المقاعد التي تحصّل عليها الإخوان .... أمس الأول، ناقشنا الرقم الأول، واليوم نناقش الرقم الثاني، ولنا عودة إلى بقية الأرقام الدالة على توجهات واتجاهات الرأي العام الأردني وأداء الأحزاب السياسية وأثر قانون الانتخاب في تشكيل المجلس العتيد، فإلى لقاء
أرسل تعليقك